أصله مافطرش يا فندم !
المصدر الاهرام - لواء د. سمير فرج - قضايا و آراء
ثمانى سنوات كاملة قضيتها في الأقصر، محافظا لها تعرضت فيها، واجتزت خلالها العديد من المشاكل والأزمات ولكن يظل هذا الموقف واحداً من أكثرها تأثيراً علي فى أثناء تلك الفترة.
كنت أخرج، يومياً، من الاستراحة المخصصة لي، في تمام السادسة صباحاً، لأبدأ يومي بتفقد المدينة والتأكد من الحفاظ على مستوى النظافة بها ثم أتوجه بعد ذلك إلى إحدي المدارس لحضور طابور الصباح وتحية العلم والاستماع إلى كلمة الصباح، والتي كنت قد وضعت لها نظاماً خاصاً إذ يتم الاتفاق اسبوعياً على الموضوعات التي تطرح كل أسبوع، وتلتزم جميع مدارس المحافظة بتلك الخطة، وذلك للتأكد من غرس القيم السليمة في أذهان وعقول الأجيال القادمة. وبعد الانتهاء من طابور الصباح والطقوس المصاحبة له أمر سريعاً على بعض الفصول، والحقيقة أنه قبل هذا اليوم لم أكن قد مررت على فصول الإبتدائي أو الحضانة واليوم دخلت الفصل الأول الابتدائي وكالعادة نادت المدرسة على التلاميذ للقيام للتحية، فقاموا جميعاً إلا ثلاثة! اقتربت منهم، فإذ هم نائمون حاولت إيقاظ أحدهم، ولكنه لم ينتبه وتوقعت أنهم مرضى فاستدرت إلى المدرسة موجهاً حديثي إليها متسائلاً عن عدم ذهابهم إلى العيادة المدرسية إن كانوا مرضى خاصة وأنني كنت قد جهّزت العيادة لتتفوق على مثيلاتها في مدارس القاهرة، ولم أتلق رداً من المدرسة، ولكن أمام تكرار سؤالي كان لابد لها من الرد على المحافظ الذي اعتلت وجهه علامات الدهشة والاستنكار فاقتربت المدرسة من التلميذ الأول وسألته أنت فطرت النهاردة؟ فأجابها لا واستدارت إلى التلميذ الثاني وسألته أنت فطرت النهاردة؟ فكان الرد لا يا ميس ولم تختلف إجابة التلميذ الثالث عندما أيقظته وكررت عليه نفس السؤال! وهنا وجهّت المدرسة حديثها إلي قائلة على فكرة يا سيادة المحافظ إحنا كل يوم عندنا أكتر من حالة مثيلة كلهم مبيفطروش وبييجوا نايمين كان رد فعلي الأول والأسرع هو رد فعل أي أب أو جد في موقفي، فلم أغادر المدرسة قبل التأكد من تناول تلاميذها لوجبة إفطار سريعة مكونة من بعض البسكوتات والعصير. أما رد فعلي كمسئول فبدأ فور خروجي من بوابات المدرسة إذ طلبت من السائق التوجه بي على الفور إلى مطار الأقصر كان المطار آنذاك يعج بالرحلات بين الأقصر والقاهرة بمعدل عشرين طيارة يومياً طائرة كل ساعة من ساعات الصباح ثم كل ساعتين بعد الظهر استقليت أول طائرة متجهة إلى القاهرة، وحيث إن الزيارة لم يكن لها أي ترتيب مسبق فبمجرد وصولي إلى القاهرة، استقليت سيارة أجرة واتجهت مباشرة إلى مقر مجلس الوزراء تعجب طاقم المكتب لرؤيتي إذ لم يكن لي موعد مدرجً على جدول أعمال رئيس مجلس الوزراء فأخبرتهم أنني في طلب لقاء عاجل، وعلى استعداد لانتظار سيادته حتى الانتهاء من جميع مواعيده. فدبر طاقم المكتب نصف ساعة لاجتماعي بالدكتور أحمد نظيف، فدخلت وقصصت عليه الموضوع، وقلت له ما أذكره نصاً أنا مش راجع الأقصر إلا لما نشوف حل مش معقول أبقى بطور محافظة وبنضف شوارع وأهدم منازل وأشيد منشآت وأطفال المحافظة جعانة وضحك الدكتور نظيف إذا لم يكن هذا أول موقف بيني وبينه من ذلك النوع فقد سبق أن تقدمت باستقالتي مرتين قبلها اعتراضاً على بطء أعمال التطوير نتيجة عدم تعاون جهات محددة المهم، التقط رئيس مجلس الوزراء سماعة الهاتف واتصل بوزير المالية، شارحاً له الموقف، ومؤيداً أهمية الإسراع في إيجاد حل فما كان من الدكتور يوسف بطرس غالي إلا أن وافق على تدبير اعتماد إضافي. وقرر رئيس مجلس الوزراء عقد اجتماع عاجل لمجلس المحافظين، لإبلاغهم بالقرار وبالمبلغ الذي تم تدبيره.
كان الاعتماد المقرر يسمح للمحافظة بتوفير فطيرة محشوة بالعجوة لتلاميذ الحضانة والمرحلة الابتدائية فقط، ولمدة 38 يوما فقط راقبت خلالهما معدلات الحضور، ومؤشرات الأداء في تلك المراحل الدراسية، على مستوى المحافظة واقسم بالله أنه لم تحدث حالة غياب واحدة في تلك المراحل الدراسية، طوال المدة إلا في حالات الضرورة القصوى. وقبل انقضاء مدة الـ38 يوماً كنت قد نسقت مع رجال الأعمال بالأقصر على تدبير تلك الاحتياجات الغذائية لباقي أيام العام الدراسي ولم يتردد أحد، خاصة العاملين منهم في مجال السياحة، وهم الغالبية فقد كانت ظروفهم مواتية حينئذ عندما كان إيجار الغرفة الفندقية يتراوح في المتوسط حول 70 دولاراً أمريكياً في الليلة الواحدة، وليس 18 كما هو الحال اليوم.
قصدت من سرد هذا الموقف، أن أناشد الجميع بأن قدموا فطيرة عجوة كل صباح لتلاميذ الحضانة والمرحلة الابتدائية فبالرغم من أهمية العمل على تطوير المناهج الدراسية، ورفع كفاءة المدرسين، وبناء المدارس الحديثة وتطوير القائم منها إلا أن ضمان جودة مخرجات العملية التعليمية، لا يتسنى بدون الطفل السليم كنواة لها، أناشد المسئولين ورجال الأعمال والقائمين على مؤسسات المجتمع المدني أن تتكاتف قواهم وليكن مبدئياً بإقامة ثلاثة مصانع لإنتاج فطيرة العجوة يخصص إنتاجها بالمجان لصالح تلاميذ المدارس ولنبدأ بمراحل الحضانة والإبتدائي وتكون البداية في صعيد مصر كمرحلة أولى قبل التوسع جغرافياً في باقي المحافظات تلك الفطيرة التي صنفتها منظمة اليونيسيف كأحسن غذاء لأطفال المدارس في تلك المرحلة العمرية يليها فطيرة الزعتر بزيت الزيتون المعروفة لدى أهل الشام. أرى أن بناء هذه المصانع هو الخطوة الأولى في مشوار تطوير العملية التعليمية في مجملها فالبطون الخاوية لا تستقبل العلم.
اقرأ أيضاً :
=======
تعليقات
إرسال تعليق