الفقيه القانونى العالمى شريف بسيونى: رفضت العمل فى الرئاسة المصرية.. والنتيجة إقامة جبرية
كشف الفقيه القانوني البارز شريف بسيوني عن تعرضه للاعتقال في فرنسا عام 1957 بسبب الدور الذي لعبه لصالح الثورة الجزائرية، حيث كان منوطا به تدريب نحو 220 ضابطا جزائريا خلال انضمامه لفدائيي الحرس الوطني برتبة قائد فصيلة، وأن من أفرج عنه هو "نهرو" رئيس الحكومة الهندية وقتها، كما كشف كذلك عن ترشحه للعمل كضابط في رئاسة الجمهورية، لكنه رفض بعد أن شاهد صورًا لتعذيب المعارضين السياسيين، وكانت النتيجة أن تم وضعه تحت الإقامة الجبرية لسبعة أشهر.
وأوضح خلال الحلقة الأولى من مذكراته، التي تنشرها صحيفة الشرق الأوسط اللندنية ، إنه بعد انتهاء معركة بورسعيد، وكان حينها ضابطا في فدائيي الحرس الوطني برتبة قائد فصيلة، أي ملازما ثانيا، شاءت الظروف "أن تُسند إلى مهمة سرية، هي تدريب 220 ضابطا جزائريا ينتمون إلى جبهة التحرير الوطنية (إف إل إن)، تتراوح أعمارهم بين 24 و65 عاما، جاءوا إلى مصر في ديسمبر 1956. وكانوا سياسيين تحولوا إلى ضباط عسكريين".
وأضاف: بعد أن عادوا إلى الجزائر، حارب كثير منهم في معركة مدينة الجزائر. لقد اتضح أن هؤلاء الجزائريين لا يجيدون اللغة العربية. وكان العثور على ضباط مصريين يتقنون الفرنسية أمرا صعبا. كنت طالب بعثة في فرنسا في سنتي الثانية.
وفي أغسطس من عام 1956، في أعقاب تأميم قناة السويس، توصّلت إلى أنه لا جدوى من البقاء في فرنسا. عدت إلى مصر، وتطوعت مع فدائيي الحرس الوطني في حرب 1956. وأسندت إلي بعدها، مهمة تدريب الجزائريين من دون علمي. ولما انتهى تكليفنا في الحرس الوطني، في نهاية يناير 1957، عدت إلى فرنسا لاستكمال دراستي، وطبعا من دون أي وعي أو فهم للأمور السياسية، لأنني لم أكن ناضجا سياسيا آنذاك.
وقال بسيوني الذي كان سببًا غير مباشرًا في إلقاء القبض عليه: أنه كان راح يتحدث مع الجميع عما حدث. وكانت الحكومة الفرنسية تقول دائما، إن الجيش المصري هُزم. وكنت أحاول الدفاع عن شجاعة الشعب المصري وبسالته، لأن الجيش لم يهزم.. هزم فعلا سنة 1956، ليس لأنه لم يكن قادرا على المواجهة، ولكن بسبب عجز ضباطه في القيادة العسكرية، وخصوصا عبد الحكيم عامر الذي لم يكن مؤهلا ليكون قائدا أعلى، وأصبح كذلك، لأسباب سياسية، ونظرا لعلاقته الشخصية بجمال عبد الناصر. وقد فشل تماما في عامي 1956 و1967.
قبضت الشرطة الفرنسية عليّ، على أساس أنني كنت مدربا لعدد من الجزائريين الذين كانوا يقومون بحرب وطنية ضد فرنسا. وطبعا، أبلغت السفارة المصرية في فرنسا ووزارة الخارجية، التي أبلغت بدورها والدي. وكان آنذاك متقاعدا. اتصل والدي هاتفيا بنهرو، وذكّره بأنه كان سفيرا في بلاده، وبصداقته، وبجدي. فاتصل نهرو بداغ همرشيلد (ثاني أمين عام للأمم المتحدة 1953-1961-). واتصل همرشيلد، بدوره، بوزير خارجية فرنسا وقتها، كريستيان بينو، وخلال ثلاثة أيام، أفرج عنّي ورُحّلتُ إلى سويسرا.
وكشف البروفيسور محمود شريف بسيوني، أنه عند عودته إلى مصر بعد ذلك، اقترب منه بعض الضباط، على أساس أحاديث جرت عن تعييني في رئاسة الجمهورية، كضابط من الضباط الصغار الذين يعملون فيما كان يسمى «هيئة الرئاسة»، التي كانت تعد آنذاك، السلطة الحقيقية للدولة. ورغم لانتمائي إلى عائلة وفدية، تواصل الحديث معي حول المهمة. كان معروفا وقتها، أن من يعمل مع جهاز الدولة، لا بد أن يكون أهلا للثقة. فقد كان مطلوبا «أهل ثقة» لا «أهل خبرة»، على أن يتحلى أهل الثقة بالطاعة، أي أن يطيع ولا يسأل أي شيء. لكن تكويني وتعليمي، سواء ما تلقيته منه في مصر أو في فرنسا، على العكس من ذلك تماما حيث تعودت على أن أسأل. كنت مستعدا لطاعة الأمر إن كنت مقتنعا بسلامة ذلك الأمر، ولم يكن هذا يتماشى مع ما يريدون طبعا.
ويضيف: في يوم ما، شاءت الظروف أن يعرض علي أحدهم مشاهدة صورة شخصية. ولم أكن أعلم إن كانت الصورة حقيقية أم مركبة، لكن الغرض منها، كان إثارة مشاعري واختباري. كانت الصورة لشخص، حول رأسه من أعلى، أي على جبينه، طوق حديدي ملفوف إلى الخلف ومربوط بقوة، وبدت جمجمته متفجرة ومفتوحة، ويتصاعد من مخه الدخان.
تملكتني قشعريرة، فأخبرني الضابط أن الشخص الذي في الصورة، كان من المعارضين للنظام، ومن الأشخاص الخطرين تماما، وأنهم اضطروا إلى تعذيبه للاعتراف بما كان سيقوم به من أعمال خطيرة ضد الدولة، لكنه لم يعترف، فاضطروا إلى أن يصعدوا التعذيب حتى الوصول إلى هذه الدرجة وقد مات. والسؤال هو: هل لو أعطي لك مثل هذا الأمر كنت تطيعه دون أي سؤال؟
أجبت: بالتأكيد لن أستطيع أن أقوم بهذا، أو أن أعذب أي إنسان آخر.
وتبادرت إلى ذهني وقتها الآية القرآنية التي تقول: «ولقد كرمنا بني آدم»، فقلت له إن الله خلق بني آدم وكرمه ولا يختلف تكريم الرجل عن المرأة، أو المسلم عن المسيحي أو البوذي، أو الأبيض عن الأسود؛ لأن الله سبحانه هو الخالق، لذلك حين نقوم بمثل هذا الفعل، فإننا نقوم بعمل ضد الله ونهدر ما كرمّه، ولذلك فأنا لا أستطيع القيام بهذا. واستمر الكلام، وحصلت مشادة كانت نتيجتها القبض عليّ، ووضعت فيما يسمى «الإقامة المحددة»، أو «الإقامة الجبرية» داخل شقتي، وكانت النوافذ من خشب فقاموا بتسميرها، وأزيل الهاتف من البيت وجهاز الراديو أيضا، وفصلوا الكهرباء، وكان يأتي شخص يوميا يترك لي الطعام داخل الشقة. كان الظلام تاما، وكان هناك عنصر الخوف والتعذيب النفسي والمعنوي، ومن حين لآخر كان يأتي شخص ويقول لي إنني سأنقل في يوم ما إلى مراكز التعذيب وأعذب مثلما رأيت غيري يعذب.
بقيت في هذا المأزق سبعة أشهر. ومنذ الأربعة أيام الأولى، لم أتمكن من التحرك في الشقة. وكان مكاني الوحيد غرفة النوم، ومعظم وقتي في الفراش. ولم يكن مسموحا بأية زيارات إطلاقا، ولا أي اتصال.
المصدر بوابة الاهرام
وأوضح خلال الحلقة الأولى من مذكراته، التي تنشرها صحيفة الشرق الأوسط اللندنية ، إنه بعد انتهاء معركة بورسعيد، وكان حينها ضابطا في فدائيي الحرس الوطني برتبة قائد فصيلة، أي ملازما ثانيا، شاءت الظروف "أن تُسند إلى مهمة سرية، هي تدريب 220 ضابطا جزائريا ينتمون إلى جبهة التحرير الوطنية (إف إل إن)، تتراوح أعمارهم بين 24 و65 عاما، جاءوا إلى مصر في ديسمبر 1956. وكانوا سياسيين تحولوا إلى ضباط عسكريين".
وأضاف: بعد أن عادوا إلى الجزائر، حارب كثير منهم في معركة مدينة الجزائر. لقد اتضح أن هؤلاء الجزائريين لا يجيدون اللغة العربية. وكان العثور على ضباط مصريين يتقنون الفرنسية أمرا صعبا. كنت طالب بعثة في فرنسا في سنتي الثانية.
وفي أغسطس من عام 1956، في أعقاب تأميم قناة السويس، توصّلت إلى أنه لا جدوى من البقاء في فرنسا. عدت إلى مصر، وتطوعت مع فدائيي الحرس الوطني في حرب 1956. وأسندت إلي بعدها، مهمة تدريب الجزائريين من دون علمي. ولما انتهى تكليفنا في الحرس الوطني، في نهاية يناير 1957، عدت إلى فرنسا لاستكمال دراستي، وطبعا من دون أي وعي أو فهم للأمور السياسية، لأنني لم أكن ناضجا سياسيا آنذاك.
وقال بسيوني الذي كان سببًا غير مباشرًا في إلقاء القبض عليه: أنه كان راح يتحدث مع الجميع عما حدث. وكانت الحكومة الفرنسية تقول دائما، إن الجيش المصري هُزم. وكنت أحاول الدفاع عن شجاعة الشعب المصري وبسالته، لأن الجيش لم يهزم.. هزم فعلا سنة 1956، ليس لأنه لم يكن قادرا على المواجهة، ولكن بسبب عجز ضباطه في القيادة العسكرية، وخصوصا عبد الحكيم عامر الذي لم يكن مؤهلا ليكون قائدا أعلى، وأصبح كذلك، لأسباب سياسية، ونظرا لعلاقته الشخصية بجمال عبد الناصر. وقد فشل تماما في عامي 1956 و1967.
قبضت الشرطة الفرنسية عليّ، على أساس أنني كنت مدربا لعدد من الجزائريين الذين كانوا يقومون بحرب وطنية ضد فرنسا. وطبعا، أبلغت السفارة المصرية في فرنسا ووزارة الخارجية، التي أبلغت بدورها والدي. وكان آنذاك متقاعدا. اتصل والدي هاتفيا بنهرو، وذكّره بأنه كان سفيرا في بلاده، وبصداقته، وبجدي. فاتصل نهرو بداغ همرشيلد (ثاني أمين عام للأمم المتحدة 1953-1961-). واتصل همرشيلد، بدوره، بوزير خارجية فرنسا وقتها، كريستيان بينو، وخلال ثلاثة أيام، أفرج عنّي ورُحّلتُ إلى سويسرا.
وكشف البروفيسور محمود شريف بسيوني، أنه عند عودته إلى مصر بعد ذلك، اقترب منه بعض الضباط، على أساس أحاديث جرت عن تعييني في رئاسة الجمهورية، كضابط من الضباط الصغار الذين يعملون فيما كان يسمى «هيئة الرئاسة»، التي كانت تعد آنذاك، السلطة الحقيقية للدولة. ورغم لانتمائي إلى عائلة وفدية، تواصل الحديث معي حول المهمة. كان معروفا وقتها، أن من يعمل مع جهاز الدولة، لا بد أن يكون أهلا للثقة. فقد كان مطلوبا «أهل ثقة» لا «أهل خبرة»، على أن يتحلى أهل الثقة بالطاعة، أي أن يطيع ولا يسأل أي شيء. لكن تكويني وتعليمي، سواء ما تلقيته منه في مصر أو في فرنسا، على العكس من ذلك تماما حيث تعودت على أن أسأل. كنت مستعدا لطاعة الأمر إن كنت مقتنعا بسلامة ذلك الأمر، ولم يكن هذا يتماشى مع ما يريدون طبعا.
ويضيف: في يوم ما، شاءت الظروف أن يعرض علي أحدهم مشاهدة صورة شخصية. ولم أكن أعلم إن كانت الصورة حقيقية أم مركبة، لكن الغرض منها، كان إثارة مشاعري واختباري. كانت الصورة لشخص، حول رأسه من أعلى، أي على جبينه، طوق حديدي ملفوف إلى الخلف ومربوط بقوة، وبدت جمجمته متفجرة ومفتوحة، ويتصاعد من مخه الدخان.
تملكتني قشعريرة، فأخبرني الضابط أن الشخص الذي في الصورة، كان من المعارضين للنظام، ومن الأشخاص الخطرين تماما، وأنهم اضطروا إلى تعذيبه للاعتراف بما كان سيقوم به من أعمال خطيرة ضد الدولة، لكنه لم يعترف، فاضطروا إلى أن يصعدوا التعذيب حتى الوصول إلى هذه الدرجة وقد مات. والسؤال هو: هل لو أعطي لك مثل هذا الأمر كنت تطيعه دون أي سؤال؟
أجبت: بالتأكيد لن أستطيع أن أقوم بهذا، أو أن أعذب أي إنسان آخر.
وتبادرت إلى ذهني وقتها الآية القرآنية التي تقول: «ولقد كرمنا بني آدم»، فقلت له إن الله خلق بني آدم وكرمه ولا يختلف تكريم الرجل عن المرأة، أو المسلم عن المسيحي أو البوذي، أو الأبيض عن الأسود؛ لأن الله سبحانه هو الخالق، لذلك حين نقوم بمثل هذا الفعل، فإننا نقوم بعمل ضد الله ونهدر ما كرمّه، ولذلك فأنا لا أستطيع القيام بهذا. واستمر الكلام، وحصلت مشادة كانت نتيجتها القبض عليّ، ووضعت فيما يسمى «الإقامة المحددة»، أو «الإقامة الجبرية» داخل شقتي، وكانت النوافذ من خشب فقاموا بتسميرها، وأزيل الهاتف من البيت وجهاز الراديو أيضا، وفصلوا الكهرباء، وكان يأتي شخص يوميا يترك لي الطعام داخل الشقة. كان الظلام تاما، وكان هناك عنصر الخوف والتعذيب النفسي والمعنوي، ومن حين لآخر كان يأتي شخص ويقول لي إنني سأنقل في يوم ما إلى مراكز التعذيب وأعذب مثلما رأيت غيري يعذب.
بقيت في هذا المأزق سبعة أشهر. ومنذ الأربعة أيام الأولى، لم أتمكن من التحرك في الشقة. وكان مكاني الوحيد غرفة النوم، ومعظم وقتي في الفراش. ولم يكن مسموحا بأية زيارات إطلاقا، ولا أي اتصال.
المصدر بوابة الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق