سالم مولى أبى حذيفة: العبد الذى صار إمامًا للمهاجرين
من صحابة الرسول
هو سالم بن معقل، كان عبداً رقيقاً أسلم فرفع الإسلام قدره ومنزلته حتى
تبناه واحد من أشراف قريش في الجاهلية والإسلام، وهو أبو حذيفة بن
عتبة، ولما أبطل الإسلام عادة التبني صار هذا الصحابي الجليل مولى
وأخاً لمن تبناه في الجاهلية, وعرف فيما بعد سالم مولى أبي حذيفة,
وسابقته إلى الإسلام واهتمامه بجانب العبادات والأخلاق والفضائل، كان
ذا منزلة عالية بين المؤمنين وأضحت إخوة الدين أقوى من إخوة النسب
في كثير من الأحايين, لقد أذاب الإسلام ما بين المسلمين من فوارق تقوم
على أساس الجنس أو اللون أو المفاخر التى لم تقسم على أساس الدين..
وحديث القرآن والسنة عن الإخوة الإسلامية لا يزال بين المتدينين
والعقلاء إلي يوم الدين.. ورأينا كيف عامل الأنصار إخوانهم المهاجرين,
وكيف تعفف المهاجرون عما قدم إليهم في ساعة العسرة إلا في أضيق
الحدود.لقد استعاض سالم ونظراؤه عن اجتثاث الأصل الاجتماعي بطاعته
وتقواه, بل كان الشرف والحسب الحقيقي مبنيا على أساس التقوى لقول
الحق (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ....) ولقول المصطفى صلى الله
عليه وسلم "ليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى، و ليس لابن
البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى".وبلغ من رفعة الإسلام له أن زوج أبو حذيفة من فاطمة بنت الوليد بن
عتبة الأمر الذى يأنف منه الجاهليون بل يرفضونه قديما.وصار إماماً للمهاجرين – من مكة إلى المدينة – مدة صلاتهم فى مسجد
قباء, وكان حجة فى كتاب الله حتى أمر النبي "صلى الله عليه وسلم"
المؤمنين أن يتعلموا منه فقال "خذوا القرآن من أربعة: عبدالله بن
مسعود, وسالم مولى أبى حذيفة, وأبى بن كعب, ومعاذ بن جبل"، بل
أثنى عليه المصطفى فقال "الحمد لله الذى جعل فى أمتى مثلك"، وأثنى
عليه إخوانه المؤمنون فقالوا "سالم من الصالحين".كان رضى الله عنه لا تأخذه فى الله لومة لائم ولا يحسب لغير الله
حساباً.. فقد خرج ضمن سرية من السرايا وعلى رأسها خالد بن الوليد..
وقد وصاهم سيد القادة - صلى الله عليه وسلم - بأنه قد أرسلهم دعاة هداة
لا غزاة مقاتلين مغيرين, ولكنه قد حدث فى السرية أمور جديدة حملت
خالد – رضي الله عنه- أن يريق بعض الدماء مما جعل النبى - صلى الله
عليه وسلم - يتوجه الى ربه معتذرا "اللهم انى أعتذر اليك مما صنع
خالد", وكان بسببها أن قال الفاروق رضى الله عنه فيه "أن فى سيف
خالد رهقا"، وما إن رأى سالم ما حدث حتى عدد عليه أخطاءه منكرا
عليه ذلك.. ولم ينظر إلى ماضيهما الذى كان يعد خالدا من أشراف
العرب وسالما من عبيدهم.. فقد سوى بينهما الإسلام والسبق للمتقين،
وكما قال الشاعرأبى الإسلام لا أب لى سواه إذا افتخروا بقيس أو تميمولما بلغ الرسول الخبر سأل قائلا "هل أنكر عليه أحد"؟ وسر النبى
صلوات الله وسلامه حينما أخبر "نعم راجعه سالم وعارضه".إن الرسول غرس فى قلوب أصحابه أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن
المنكر ولا يخشون أحدا إلا الله.سار سالم على الدرب – بعد وفاة الرسول- وما أن سمع بحرب المرتدين
إلا كان سالم وأبو حذيفة فى طليعة المجاهدين الصابرين بل عاد كل
منهما أخاه على الشهادة فى سبيل الله..واندفعا نحو الموت غير مكترثين بالأهوال.. فكان أبو حذيفة ينادى "يا
أهل القرآن زينوا القرآن بأعمالكم"، وكان سالم يصيح "بئس حامل
القرآن أنا لو هوجم المسلمون من قبلى"، وكان يغالب الأهوال والأخطار
حتى بترت يمينه التى حمل بها راية المهاجرين بعد أن رزق الشهادة
حاملها زيد بن الخطاب, ولم يسمح للراية بالهوى بل التقطها بيسراه,
وهو يردد قول الله تعالى (وكأي من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا
لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب
الصابرين), وأحاط به كثيرون من المرتدين حتى استراح بدنه على
الأرض, ولكن روحه لم تزل مرتبطة بالبدن الطاهر حتى قرت عينه
بانتصار التوحيد وحماته وسقوط الشرك وحزبه واندكاك معالمه إلى
الأبد.ومن طريف ما نقل: (أن المسلمين وهم يتفقدون شهداءهم وجدوا سالماً
فى النزع الأخير فسألهم: (ما فعل أبو حذيفة)؟ قالوا استشهد, قال:
فاضجعونى إلى جواره)، قالوا (إنه إلى جوارك يا سالم.. لقد استشهد فى
نفس المكان) لقد سرى فى وجهه ابتسامته العريضة لأنه قد تحقق لهما ما
كان يرجوان, أما اللسان فقد امتنع عن الكلام مع رفاقه المؤمنين – فى
الدنيا- حتى يعود الحديث بينهم فى جنات النعيم.
المصدر الوفد
تعليقات
إرسال تعليق