محمد الباز يكتب: "صائد الأفاعى".. المفاتيح السبعة لشخصية عبدالفتاح السيسى.. المفتاح الأول الاستقامة .. قصة الشائعات التى أطلقها سامى عنان ضد الفريق.. ودور الشاطر فى صياغة شعار «يسقط حكم العسكر»
نقلاً عن اليومى..
- السيسى قاد ثورة تصحيح داخل المجلس العسكرى ساعده فيها بعض الجنرالات بعد أن شعروا بالخطر على المؤسسة العسكرية ومصر
- طنطاوى رفض الاستقالة فى 30 يونيو خوفا من محاكمته.. والفريق السيسى غضب من إهانته بالمشاركة فى حكومة هشام قنديل رغم أن «المشير» قرر عدم حضور اجتماعاتها
- عنان قرأ الفاتحة مع مرسى قبل وصوله إلى السلطة وتعهد له أن يكون مخلصاً وولاؤه كاملا له.. والمفارقة أن عنان هو الذى طلب ذلك
- ما فعله الفريق السيسى فى الجيش كان مطمئنا جدا لقيادات المؤسسة العسكرية التى بدأت تستعيد عافيتها.. ووجود عنان كان سيؤدى إلى تفكيك قيادتها
لماذا قبل الفريق أول عبدالفتاح السيسى منصب وزير الدفاع دون أن يرجع إلى المشير محمد حسين طنطاوى؟ لماذا ذهب إلى قصر الاتحادية فى 12 أغسطس 2012 ليؤدى يمين المنصب الدستورية أمام محمد مرسى دون أن ينتظر رأيه وهو الذى عمل معه لسنوات طويلة داخل وزارة الدفاع، جعلت طنطاوى يتعامل معه كابنه ويدفعه إلى الأمام غير ملتفت إلى أحقاد من حوله على الجنرال الصاعد «طنطاوى قال مرة إن السيسى يذكره بشبابه لكنه يعرف أن مستقبله سيكون أفضل منه كثيرا».
ما رأيكم أن نعدل صيغة السؤال قليلا وليكن: هل شارك عبدالفتاح السيسى فى خطة محمد مرسى للإطاحة بالمشير طنطاوى من منصبه ومعه سامى عنان؟
الإجابة عن السؤال بهذه الصيغة يمكن أن تكون دقيقة ومنطقية، ولنبدأ الحكاية من أولها.
كان هناك إلحاح على المشير طنطاوى من بعض رفاقه فى المجلس العسكرى أن يتقدم باستقالته من منصبه فى 30 يونيو 2012، وهو اليوم الذى أوفى فيه بوعده وسلم السلطة لرئيس مدنى انتخبه الشعب.
ساعتها كان طنطاوى سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، لكنه ربما خاف أن تتم محاكمته فقرر أن يستمر راضيا بالإهانة التى لحقت به، عندما أصبح وزيرا فى حكومة يرأسها هشام قنديل الذى يقترب بالكاد من عمر أولاده.
قرر المشير طنطاوى ألا يحضر اجتماعات مجلس الوزراء التى يعقدها هشام قنديل، وقال إنه لن يفعلها إلا فى الاجتماعات التى يحضرها الرئيس مرسى بنفسه، لكن مشهد وقوفه أمام مرسى ليؤدى اليمين الدستورية وأدائه التحية العسكرية له كان مستفزا لكثيرين ممن كانوا يريدون للرجل خروجا كريما، وكان السيسى واحدا من هؤلاء.
كان السيسى يعرف أن استمرار طنطاوى فى الجيش تحت قيادة محمد مرسى سيؤدى حتما إلى انهيار داخلى فى المؤسسة التى أصابتها الجراح من جراء سياسات طنطاوى، والذى لن يكون سهلا عليه أن يترك السلطة بسهولة، ولذلك فلن يتردد فى محاولة مقاسمة مرسى سلطاته، وهو ما يمكن أن يدفع الجيش ثمنه.. ولذلك فلابد أن يخرج الرجل الآن وليس غدا، ولم يكن السيسى وحده الذى رأى ذلك، بل هناك آخرون فى المجلس العسكرى وقفوا إلى جواره ليكون هو من يقوم بثورة تصحيح فى المؤسسة العسكرية.
هذا عن طنطاوى فماذا عن سامى عنان؟
عنان الرجل الطامح والطامع فى منصب وزير الدفاع.
لقد جرى فى الأيام القليلة التى سبقت إعلان فوز محمد مرسى بالرئاسة أن جلس معه سامى عنان، وقرأ الرجلان الفاتحة التى تعهد بعدها عنان بأن يكون مخلصا لمرسى ويكون ولاؤه كاملا له.
عرف السيسى -هناك من يرجح أنه حضر هذه الجلسة بنفسه- أن سامى هو من طلب قراءة الفاتحة أمام مرسى، وأنه كان يقدم له فروض الولاء والطاعة دون أن يطلبها الرئيس الإخوانى منه، وكان طبيعيا أن يتأكد السيسى أن استمرار عنان فى المؤسسة سيكون خطرا عليها، لن يكون فى صفها أبدا، «المفارقة أن هذا الموقف لم يعجب محمد مرسى أيضا».
قبل السيسى المنصب إذن وهو يعرف أن قبوله هذا يعنى إبعاد طنطاوى وعنان نهائيا عن الصورة، لكنه فعل ذلك من أجل تضميد جراح المؤسسة العسكرية، وهو ما جعل الكاتب الكبير عبدالله السناوى يصف صعود السيسى إلى المنصب الكبير فى وزارة الدفاع بأنه نصف انقلاب ونصف اتفاق.
نصف انقلاب على قيادات أدرك قادة المجلس العسكرى أن استمرارهم يمكن أن يضر بالمؤسسة العسكرية، ونصف اتفاق مع محمد مرسى أراد السيسى من خلاله أن يعود بالجيش إلى ثكناته مرة أخرى مبتعدا به عن العمل السياسى الذى بدأ بهتاف «الجيش والشعب إيد واحدة».. وانتهى بهتاف «يسقط يسقط حكم العسكر».. لكنه لم يكن اتفاقا على تسليم الجيش لمحمد مرسى وجعله فى خدمته.
كان الفريق السيسى يعرف أن هتاف «يسقط حكم العسكر» صناعة إخوانية خالصة.
أحد التقارير الأمنية رصد اجتماعا فى مكتب الإرشاد كان يقوده خيرت الشاطر، وفيه قرر أن يدفع بهتاف يسقط حكم العسكر للوقيعة بين الثوار والمجلس العسكرى، ومن بين ما قاله خيرت الشاطر أنه ليس عليهم إلا أن يصكوا الهتاف ويلقوا به بين صفوف الثوار الذين خرجوا غاضبين بعد أحداث محمد محمود الأولى - 19 نوفمبر 2012 - وبعدها سيلتقطه إعلاميون وكتاب وثوار ويلتفون حوله ويرددونه متحمسين له وبه، فلا تكون للجماعة أدنى علاقة به «واجهت أحد الثوار بهذه الحقيقة فقال لى إن الهتاف تردد للمرة الأولى عن كشوف العذرية، لكنى أعتقد أن ما رصده التقرير الأمنى كان أدق».
كان الفريق السيسى يعرف عمق الجرح الذى تعانى منه المؤسسة العسكرية، كانت لديه ثلاثة تحديات واضحة عندما تولى مسؤولية وزارة الدفاع، الروح المعنوية المنهارة لدى قياداته وجنوده، والتسليح الذى كان ضعيفا جدا، والتدريب الذى تراجع كثيرا بسبب وجود القوات فى الشوارع لفترة تقترب من الثمانية عشر شهرا.
منذ اليوم الأول عمل السيسى على هذه الملفات الثلاثة، وتؤكد تجربته أنه نجح تماما فيما قرره، فقد استطاع أن يرفع الروح المعنوية لجنوده، ويرفع التسليح عبر عدة صفقات للسلاح، أما التدريب فحدث عنه ولا حرج، فقد نزل بنفسه إلى معسكرات جنوده، وكان يتريض معهم بنفسه فى طوابير الصباح ليعطى القدوة والمثل، وكانت النتيجة أنه منح الجيش نضارة لم تكن فيه، بعد أن ظل طويلا يرقب قياداته وهى تشيخ فى مقاعدها.
ما فعله الفريق السيسى فى الجيش كان مطمئنا جدا لقيادات المؤسسة العسكرية التى بدأت تستعيد عافيتها، لكنه كان مقلقا جدا لمن لا يريدون خيرا للجيش المصرى، أحد المراقبين الإسرائيليين قال عنه: هذا الرجل خطر.. لقد تركنا ننشغل بالإخوان المسلمين وماذا سيفعلون فى الحكم، وتفرغ هو للجيش.
قد تقول إن إزاحة طنطاوى كانت ضرورية، فبقاؤه على رأس المؤسسة العسكرية لم يكن فى صالحها على الإطلاق، لكن ماذا عن سامى عنان؟
ألم يكن الفريق قادرا على صياغة المؤسسة العسكرية من جديد؟
ألم يكن قادرا على أن يقف بالجيش فى وجه أى محاولة لاختطاف الوطن؟
أقول لك إن وجود سامى عنان فى المؤسسة العسكرية كان أخطر عليها من وجود طنطاوى، ولذلك جاء خروجه بتوافق كبير بين القيادات، فصعوده إلى منصب وزير الدفاع كان سيؤدى إلى تفكيك القيادات وتفتتها، وربما كان الفريق أول عبدالفتاح السيسى أول ضحاياه.
لم يكن سامى عنان راضيا عن حالة الصعود التى رافقت رحلة السيسى داخل المؤسسة، بل يمكن أن نقول أنه كان غاضبا جدا من علاقته وقربه من المشير طنطاوى، وقد امتدت رحلة الشائعات التى أطلقها سامى عنان على السيسى منذ عملهما سويا فى المجلس العسكرى وحتى الآن، ويمكن أن نرصد هذه الشائعات على النحو التالى:
الشائعة الأولى جرت وقائعها بعد أحداث محمد محمود الأولى، حيث نشرت صحيفة يومية معارضة بعض التلميحات التى تشير إلى أن الفريق السيسى مدير جهاز المخابرات الحربية وقتها هو المدبر الحقيقى للأحداث، وهو ما يجعله خصما واضحا للثوار، وفى اليوم التالى تبين أن الفريق سامى عنان كان هو من يقف وراء هذا التسريب بهدف ضرب السيسى وتصفيته معنويا لمنع صعوده إلى منصب وزير الدفاع؟، خاصة أن الجميع كان يعرف أن المشير طنطاوى لن ينزل عن كرسيه إلا بعد أن يضع السيسى عليه، بصرف النظر عن حالة القرب التى تم الترويج لها بين طنطاوى وعنان.
الشائعة الثانية كانت بعد بيان السيسى فى 3 يوليو الذى عزل به محمد مرسى، حيث أشاع عنان عبر المقربين منه أن أول اتصال تلقاه قائد الجيش كان من الرئيس مبارك لتهنئته على انحياز الجيش إلى الشعب، فى إشارة خبيثة إلى أن السيسى ينحاز إلى مبارك، لكن الشائعة تلاشت أمام حالة الصدق المطلقة التى كان يعمل بها ومن خلالها السيسى.
الشائعة الثالثة وكنت شاهدا على بدايتها، وأطلقها عنان أيضا وكانت خاصة بزيارة السيسى إلى مبارك فى مستشفى المعادى العسكرى بعد أن تم وضعه تحت الإقامة الجبرية، وهى الزيارة التى نسجت الشائعة تفاصيلها بأنها كانت لمدة عشرين دقيقة وكان السيسى يرتدى فيها الزى المدنى، وقام بها الفريق فى ذكرى احتفالات أكتوبر فى إشارة إلى اعتزازه بالدور الذى قام به مبارك فى الحرب، وكان طبيعيا أن يروج عنان لهذه الشائعة بعد أن تم استبعاده من الاحتفالات بالذكرى الأربعين للحرب والاكتفاء بدعوة المشير طنطاوى... وكان أن تبين لى أن هذه الشائعة محض افتراء كامل ولم يحدث منها أى شىء.
الشائعة الرابعة جرت بعد أن قام عنان بنشر بعض صوره المدنية التى التقطها له المصور الشهير كريم نور فى حديقة منزله بالتجمع الخامس، وهى الصور التى قابلها المصريون بسيل جارف وعنيف من السخرية عبر برامج الفوتوشوب.. عرفت عبر بعض أعضاء حملة سامى عنان الرئاسية أنه يؤكد لمن حوله أن الفريق السيسى هو من دفع ببعض العناصر للقيام بهذه الحملة، وهو تصور ساذج بالطبع، فما لا يعرفه الفريق رئيس أركان حرب الجيش المصرى السابق أن الساخرين ليسوا فى حاجة لتوجيه من أحد، وأنه بالفعل وبما فعله يستحق السخرية الكاملة والمطلقة.
كان إخراج سامى عنان من منصبه إذن أمر ضرورى ولازم للحفاظ على تماسك قيادات المجلس العسكرى، ولذلك خرج فى حزمة واحدة مع المشير طنطاوى الذى لم يفكر فى يوم من الأيام فى أن يجعل من سامى خليفته فى وزارة الدفاع.
كيف لنا أن نوظف هذه الواقعة -وقوف السيسى وراء تصحيح الأوضاع فى المؤسسة العسكرية- على مساحة المفتاح الأول الذى نقرأ من خلاله شخصية، وهو مفتاح الاستقامة.
استقامة السيسى تتبدى من خلال اتساق ما يفكر فيه وما يخفيه مع قراراته العلنية، إنه لا يتبرأ من شىء فعله، ولم يضبطه أحد متلبسا بحديث عن مفاجأته بتولى منصبه، لكنه كان يعرف جيدا ما يتم التخطيط له، وكان موافقا عليه لأنه كان فى مصلحة المؤسسة العسكرية.
لقد تبدت استقامة السيسى مبكرا جدا، فرغم أنه كان واحدا من أعضاء المجلس العسكرى بعد ثورة 25 يناير، إلا أنه لم يكن موافقا على كثير مما فعلوه، ففى مارس 2011 تفجرت قضية كشوف العذرية، ففى اليوم التاسع من هذا الشهر شهد ميدان التحرير اشتباكات بين المؤيدين لاستمرار الاعتصام فى الميدان والمطالبين بإخلائه، تبادل الطرفان الضرب بالأسلحة البيضاء والحجارة، وأطلقت مجموعة منهم النار فى الهواء لتفريق المعتصمين وسط حالة من الكر والفر بين المجموعتين.
تسببت الاشتباكات فى توقف حركة المرور بالميدان لمدة ساعة قبل أن تتدخل القوات المسلحة للفصل بينهما، وتلقى القبض على عدد كبير من المشاركين فى الأحداث، وكان بعضهم مسلحين بالفعل.. النشطاء السياسيون الذين تم القبض عليهم أشاروا إلى أنه تم الاعتداء عليهم وضربهم داخل المتحف المصرى -وهو ما حدث بالفعل- وأكدوا كذلك أنه تم احتجاز حوالى 17 فتاة وأكثر من 500 شاب، وتم نقلهم إلى المنطقة س 28، وتم إجراء كشوف العذرية للفتيات.
سارع عدد من أعضاء المجلس العسكرى إلى نفى أن يكون شىء من هذا حدث بالفعل، لكن المفاجأة أن عبدالفتاح السيسى وحده كان من اعترف بإجراء كشوف العذرية، قال ذلك فى تصريحات لبعض أعضاء من منظمة العفو الدولية، ونقلتها عنهم الإذاعة البريطانية البى بى سى، وقالت إنه برر ذلك بأن كشوف العذرية تتم لحماية الفتيات ولحماية جنود الجيش من الاتهام بالاغتصاب.
لم يبرر السيسى ما حدث لأنه خطأ من وجهة نظره، ولكنه فعل ذلك لأن الأمر حدث بالفعل، ولذلك لا داعى لإنكاره، فلا شىء فوق هذا التراب لا يرى، ولا شىء يرى إلا ويذكر، ولا شىء يذكر إلا ويخلد.. وهنا تتبدى لى استقامته، فهو لا ينكر شيئا فعله، ولا يشيع شيئا لم يفعله سعيا وراء مكسب قريب أو بعيد.
استقامة السيسى تتبدى كذلك فى علاقته بالمشير طنطاوى وفى علاقته بالرئيس المعزول محمد مرسى على السواء.
لقد تعجب البعض من ثناء السيسى على المشير طنطاوى، وهو الثناء الذى أذيع عبر فيديو مسرب له، قال فيه أنه رجل عظيم جدا، وما لا يعرفه الكثيرون أن السيسى يقدر لطنطاوى دوره فى الحفاظ على الجيش وتماسكه وعدم تحويله إلى قوات لمواجهة الإرهاب كما خطط لذلك الأمريكان والإسرائيليين، وهو ما وافق عليه مبارك، لكن طنطاوى وقف وقفة صلبة، ولو لم يفعل طنطاوى إلا هذا لكفاه عند السيسى، ولذلك فهو لا ينكر فضله.
ثم إن العلاقة بينهما بالفعل مثل علاقة الأب بالابن، فلا ينسى السيسى أن طنطاوى كان من وقف خلفه ودفعه إلى الأمام، وتحمس له، كان طنطاوى معجبا جدا بعبدالفتاح السيسى، فهو بالنسبة له ملتزم وهادئ ويتميز بشخصية قيادية ومسيطرة، ثم هو من بين المحيطين به الأكثر حرصا على تنفيذ الأوامر العسكرية، وهذه بالنسبة لطنطاوى كعسكرى محترف ميزة عظيمة جدا.
استقامة السيسى تبدت أيضا فى حرصه على دعوة طنطاوى لحضور الاحتفالات بمرور أربعين عاما على حرب أكتوبر، كان يعرف أن هناك من سيؤاخذه على ذلك، وأن هناك من يعترض على وجود الرجل الذى يحمله المصريون كل أخطاء وخطايا المرحلة الانتقالية، ولم يكن طنطاوى نفسه سعيدا -كما قال لى مقربون منه- من حضوره، فلم يذكر اسمه فى أى جملة قيلت خلال الاحتفال، وكان حضوره تذكاريا مثل المناسبة التى يشارك فيها، إلا أن السيسى أصر على حضوره فى لافتة تؤكد حبه لهذا الرجل ووفاءه له.
لم تختف استقامة السيسى فى أى مرحلة من مراحل علاقته بالرئيس محمد مرسى، فقد أخلص له النصح حتى اللحظة الأخيرة، وترك له الفرصة كاملة كى ينقذ نفسه، رغم أنه كان يعرف أن الرجل سيورط نفسه كلما تكلم، فلم يعترض على كلمته الأخيرة التى بثها التليفزيون فى 2 يوليو 2013، وهى الكلمة التى سجلها فى دار الحرس الجمهورى فى وجود عدد من معاونيه ورجاله، تركه السيسى اعتقادا منه أن مرسى يمكن أن يقدم للناس ما يجعلهم يمنحونه فرصة أخيرة، لكن مرسى كعادته تجاوز كل حدود المنطق والعقل وكرر كلمة الشرعية ما يزيد على سبعين مرة، فأغلق المصريون كل الأبواب فى وجهه، ولم يفعل السيسى إلا مراقبة المشهد من مكتبه فى وزارة الدفاع. عندما أقسم السيسى أنه لم يخن الرئيس مرسى كان صادقا فى قسمه، ليس لأنه لا يكذب ولكن لأن هذا ما حدث بالفعل، فقد أعلن موقفه بوضوح فى 23 يونيو 2013، عندما أعلن أنه يمنح كل الفرقاء أسبوعا للجلوس والاتفاق على صيغة للخروج من المأزق.. وهو البيان الذى فهم الإخوان المسلمون منه أن السيسى ينحاز إلى الشعب ولن يتردد عن خلع مرسى إذا ما نزلت الملايين إلى الشارع، وكان مرسى الأكثر معرفة بالسيسى واثقا من أنه لا يريد الانقلاب عليه، ولذلك طلب لقاءه ليستفسر منه عن سبب هذا البيان. الإخوان المسلمون أشاروا إلى أن السيسى مارس سياسة التخدير مع مرسى، وأنه أعطاه حقنة بنج طويلة المفعول عندما قال له أنه لم يصدر هذا البيان إلا لأن هناك من بين قيادات الجيش من يضغطون عليه، وأنه يحاول أن يمتص غضبهم، لكن ما أشاعه الإخوان لم يكن صحيحا، فقد كان السيسى واضحا وصريحا مع محمد مرسى حتى النهاية، قال له لابد أن تسمع إلى أصوات الناس فى الشارع، وإلا فإن كل شىء سيضيع وهو ما حدث بالفعل.
اقرأ غدا..
لماذا رفض عمر سليمان تعيين السيسى مديرا للمخابرات الحربية؟
أسرار الحرب بينه وبين حبيب العادلى بسبب التنصت على تليفونات أعضاء المجلس العسكرى
- السيسى قاد ثورة تصحيح داخل المجلس العسكرى ساعده فيها بعض الجنرالات بعد أن شعروا بالخطر على المؤسسة العسكرية ومصر
- طنطاوى رفض الاستقالة فى 30 يونيو خوفا من محاكمته.. والفريق السيسى غضب من إهانته بالمشاركة فى حكومة هشام قنديل رغم أن «المشير» قرر عدم حضور اجتماعاتها
- عنان قرأ الفاتحة مع مرسى قبل وصوله إلى السلطة وتعهد له أن يكون مخلصاً وولاؤه كاملا له.. والمفارقة أن عنان هو الذى طلب ذلك
- ما فعله الفريق السيسى فى الجيش كان مطمئنا جدا لقيادات المؤسسة العسكرية التى بدأت تستعيد عافيتها.. ووجود عنان كان سيؤدى إلى تفكيك قيادتها
لماذا قبل الفريق أول عبدالفتاح السيسى منصب وزير الدفاع دون أن يرجع إلى المشير محمد حسين طنطاوى؟ لماذا ذهب إلى قصر الاتحادية فى 12 أغسطس 2012 ليؤدى يمين المنصب الدستورية أمام محمد مرسى دون أن ينتظر رأيه وهو الذى عمل معه لسنوات طويلة داخل وزارة الدفاع، جعلت طنطاوى يتعامل معه كابنه ويدفعه إلى الأمام غير ملتفت إلى أحقاد من حوله على الجنرال الصاعد «طنطاوى قال مرة إن السيسى يذكره بشبابه لكنه يعرف أن مستقبله سيكون أفضل منه كثيرا».
ما رأيكم أن نعدل صيغة السؤال قليلا وليكن: هل شارك عبدالفتاح السيسى فى خطة محمد مرسى للإطاحة بالمشير طنطاوى من منصبه ومعه سامى عنان؟
الإجابة عن السؤال بهذه الصيغة يمكن أن تكون دقيقة ومنطقية، ولنبدأ الحكاية من أولها.
كان هناك إلحاح على المشير طنطاوى من بعض رفاقه فى المجلس العسكرى أن يتقدم باستقالته من منصبه فى 30 يونيو 2012، وهو اليوم الذى أوفى فيه بوعده وسلم السلطة لرئيس مدنى انتخبه الشعب.
ساعتها كان طنطاوى سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، لكنه ربما خاف أن تتم محاكمته فقرر أن يستمر راضيا بالإهانة التى لحقت به، عندما أصبح وزيرا فى حكومة يرأسها هشام قنديل الذى يقترب بالكاد من عمر أولاده.
قرر المشير طنطاوى ألا يحضر اجتماعات مجلس الوزراء التى يعقدها هشام قنديل، وقال إنه لن يفعلها إلا فى الاجتماعات التى يحضرها الرئيس مرسى بنفسه، لكن مشهد وقوفه أمام مرسى ليؤدى اليمين الدستورية وأدائه التحية العسكرية له كان مستفزا لكثيرين ممن كانوا يريدون للرجل خروجا كريما، وكان السيسى واحدا من هؤلاء.
كان السيسى يعرف أن استمرار طنطاوى فى الجيش تحت قيادة محمد مرسى سيؤدى حتما إلى انهيار داخلى فى المؤسسة التى أصابتها الجراح من جراء سياسات طنطاوى، والذى لن يكون سهلا عليه أن يترك السلطة بسهولة، ولذلك فلن يتردد فى محاولة مقاسمة مرسى سلطاته، وهو ما يمكن أن يدفع الجيش ثمنه.. ولذلك فلابد أن يخرج الرجل الآن وليس غدا، ولم يكن السيسى وحده الذى رأى ذلك، بل هناك آخرون فى المجلس العسكرى وقفوا إلى جواره ليكون هو من يقوم بثورة تصحيح فى المؤسسة العسكرية.
هذا عن طنطاوى فماذا عن سامى عنان؟
عنان الرجل الطامح والطامع فى منصب وزير الدفاع.
لقد جرى فى الأيام القليلة التى سبقت إعلان فوز محمد مرسى بالرئاسة أن جلس معه سامى عنان، وقرأ الرجلان الفاتحة التى تعهد بعدها عنان بأن يكون مخلصا لمرسى ويكون ولاؤه كاملا له.
عرف السيسى -هناك من يرجح أنه حضر هذه الجلسة بنفسه- أن سامى هو من طلب قراءة الفاتحة أمام مرسى، وأنه كان يقدم له فروض الولاء والطاعة دون أن يطلبها الرئيس الإخوانى منه، وكان طبيعيا أن يتأكد السيسى أن استمرار عنان فى المؤسسة سيكون خطرا عليها، لن يكون فى صفها أبدا، «المفارقة أن هذا الموقف لم يعجب محمد مرسى أيضا».
قبل السيسى المنصب إذن وهو يعرف أن قبوله هذا يعنى إبعاد طنطاوى وعنان نهائيا عن الصورة، لكنه فعل ذلك من أجل تضميد جراح المؤسسة العسكرية، وهو ما جعل الكاتب الكبير عبدالله السناوى يصف صعود السيسى إلى المنصب الكبير فى وزارة الدفاع بأنه نصف انقلاب ونصف اتفاق.
نصف انقلاب على قيادات أدرك قادة المجلس العسكرى أن استمرارهم يمكن أن يضر بالمؤسسة العسكرية، ونصف اتفاق مع محمد مرسى أراد السيسى من خلاله أن يعود بالجيش إلى ثكناته مرة أخرى مبتعدا به عن العمل السياسى الذى بدأ بهتاف «الجيش والشعب إيد واحدة».. وانتهى بهتاف «يسقط يسقط حكم العسكر».. لكنه لم يكن اتفاقا على تسليم الجيش لمحمد مرسى وجعله فى خدمته.
كان الفريق السيسى يعرف أن هتاف «يسقط حكم العسكر» صناعة إخوانية خالصة.
أحد التقارير الأمنية رصد اجتماعا فى مكتب الإرشاد كان يقوده خيرت الشاطر، وفيه قرر أن يدفع بهتاف يسقط حكم العسكر للوقيعة بين الثوار والمجلس العسكرى، ومن بين ما قاله خيرت الشاطر أنه ليس عليهم إلا أن يصكوا الهتاف ويلقوا به بين صفوف الثوار الذين خرجوا غاضبين بعد أحداث محمد محمود الأولى - 19 نوفمبر 2012 - وبعدها سيلتقطه إعلاميون وكتاب وثوار ويلتفون حوله ويرددونه متحمسين له وبه، فلا تكون للجماعة أدنى علاقة به «واجهت أحد الثوار بهذه الحقيقة فقال لى إن الهتاف تردد للمرة الأولى عن كشوف العذرية، لكنى أعتقد أن ما رصده التقرير الأمنى كان أدق».
كان الفريق السيسى يعرف عمق الجرح الذى تعانى منه المؤسسة العسكرية، كانت لديه ثلاثة تحديات واضحة عندما تولى مسؤولية وزارة الدفاع، الروح المعنوية المنهارة لدى قياداته وجنوده، والتسليح الذى كان ضعيفا جدا، والتدريب الذى تراجع كثيرا بسبب وجود القوات فى الشوارع لفترة تقترب من الثمانية عشر شهرا.
منذ اليوم الأول عمل السيسى على هذه الملفات الثلاثة، وتؤكد تجربته أنه نجح تماما فيما قرره، فقد استطاع أن يرفع الروح المعنوية لجنوده، ويرفع التسليح عبر عدة صفقات للسلاح، أما التدريب فحدث عنه ولا حرج، فقد نزل بنفسه إلى معسكرات جنوده، وكان يتريض معهم بنفسه فى طوابير الصباح ليعطى القدوة والمثل، وكانت النتيجة أنه منح الجيش نضارة لم تكن فيه، بعد أن ظل طويلا يرقب قياداته وهى تشيخ فى مقاعدها.
ما فعله الفريق السيسى فى الجيش كان مطمئنا جدا لقيادات المؤسسة العسكرية التى بدأت تستعيد عافيتها، لكنه كان مقلقا جدا لمن لا يريدون خيرا للجيش المصرى، أحد المراقبين الإسرائيليين قال عنه: هذا الرجل خطر.. لقد تركنا ننشغل بالإخوان المسلمين وماذا سيفعلون فى الحكم، وتفرغ هو للجيش.
قد تقول إن إزاحة طنطاوى كانت ضرورية، فبقاؤه على رأس المؤسسة العسكرية لم يكن فى صالحها على الإطلاق، لكن ماذا عن سامى عنان؟
ألم يكن الفريق قادرا على صياغة المؤسسة العسكرية من جديد؟
ألم يكن قادرا على أن يقف بالجيش فى وجه أى محاولة لاختطاف الوطن؟
أقول لك إن وجود سامى عنان فى المؤسسة العسكرية كان أخطر عليها من وجود طنطاوى، ولذلك جاء خروجه بتوافق كبير بين القيادات، فصعوده إلى منصب وزير الدفاع كان سيؤدى إلى تفكيك القيادات وتفتتها، وربما كان الفريق أول عبدالفتاح السيسى أول ضحاياه.
لم يكن سامى عنان راضيا عن حالة الصعود التى رافقت رحلة السيسى داخل المؤسسة، بل يمكن أن نقول أنه كان غاضبا جدا من علاقته وقربه من المشير طنطاوى، وقد امتدت رحلة الشائعات التى أطلقها سامى عنان على السيسى منذ عملهما سويا فى المجلس العسكرى وحتى الآن، ويمكن أن نرصد هذه الشائعات على النحو التالى:
الشائعة الأولى جرت وقائعها بعد أحداث محمد محمود الأولى، حيث نشرت صحيفة يومية معارضة بعض التلميحات التى تشير إلى أن الفريق السيسى مدير جهاز المخابرات الحربية وقتها هو المدبر الحقيقى للأحداث، وهو ما يجعله خصما واضحا للثوار، وفى اليوم التالى تبين أن الفريق سامى عنان كان هو من يقف وراء هذا التسريب بهدف ضرب السيسى وتصفيته معنويا لمنع صعوده إلى منصب وزير الدفاع؟، خاصة أن الجميع كان يعرف أن المشير طنطاوى لن ينزل عن كرسيه إلا بعد أن يضع السيسى عليه، بصرف النظر عن حالة القرب التى تم الترويج لها بين طنطاوى وعنان.
الشائعة الثانية كانت بعد بيان السيسى فى 3 يوليو الذى عزل به محمد مرسى، حيث أشاع عنان عبر المقربين منه أن أول اتصال تلقاه قائد الجيش كان من الرئيس مبارك لتهنئته على انحياز الجيش إلى الشعب، فى إشارة خبيثة إلى أن السيسى ينحاز إلى مبارك، لكن الشائعة تلاشت أمام حالة الصدق المطلقة التى كان يعمل بها ومن خلالها السيسى.
الشائعة الثالثة وكنت شاهدا على بدايتها، وأطلقها عنان أيضا وكانت خاصة بزيارة السيسى إلى مبارك فى مستشفى المعادى العسكرى بعد أن تم وضعه تحت الإقامة الجبرية، وهى الزيارة التى نسجت الشائعة تفاصيلها بأنها كانت لمدة عشرين دقيقة وكان السيسى يرتدى فيها الزى المدنى، وقام بها الفريق فى ذكرى احتفالات أكتوبر فى إشارة إلى اعتزازه بالدور الذى قام به مبارك فى الحرب، وكان طبيعيا أن يروج عنان لهذه الشائعة بعد أن تم استبعاده من الاحتفالات بالذكرى الأربعين للحرب والاكتفاء بدعوة المشير طنطاوى... وكان أن تبين لى أن هذه الشائعة محض افتراء كامل ولم يحدث منها أى شىء.
الشائعة الرابعة جرت بعد أن قام عنان بنشر بعض صوره المدنية التى التقطها له المصور الشهير كريم نور فى حديقة منزله بالتجمع الخامس، وهى الصور التى قابلها المصريون بسيل جارف وعنيف من السخرية عبر برامج الفوتوشوب.. عرفت عبر بعض أعضاء حملة سامى عنان الرئاسية أنه يؤكد لمن حوله أن الفريق السيسى هو من دفع ببعض العناصر للقيام بهذه الحملة، وهو تصور ساذج بالطبع، فما لا يعرفه الفريق رئيس أركان حرب الجيش المصرى السابق أن الساخرين ليسوا فى حاجة لتوجيه من أحد، وأنه بالفعل وبما فعله يستحق السخرية الكاملة والمطلقة.
كان إخراج سامى عنان من منصبه إذن أمر ضرورى ولازم للحفاظ على تماسك قيادات المجلس العسكرى، ولذلك خرج فى حزمة واحدة مع المشير طنطاوى الذى لم يفكر فى يوم من الأيام فى أن يجعل من سامى خليفته فى وزارة الدفاع.
كيف لنا أن نوظف هذه الواقعة -وقوف السيسى وراء تصحيح الأوضاع فى المؤسسة العسكرية- على مساحة المفتاح الأول الذى نقرأ من خلاله شخصية، وهو مفتاح الاستقامة.
استقامة السيسى تتبدى من خلال اتساق ما يفكر فيه وما يخفيه مع قراراته العلنية، إنه لا يتبرأ من شىء فعله، ولم يضبطه أحد متلبسا بحديث عن مفاجأته بتولى منصبه، لكنه كان يعرف جيدا ما يتم التخطيط له، وكان موافقا عليه لأنه كان فى مصلحة المؤسسة العسكرية.
لقد تبدت استقامة السيسى مبكرا جدا، فرغم أنه كان واحدا من أعضاء المجلس العسكرى بعد ثورة 25 يناير، إلا أنه لم يكن موافقا على كثير مما فعلوه، ففى مارس 2011 تفجرت قضية كشوف العذرية، ففى اليوم التاسع من هذا الشهر شهد ميدان التحرير اشتباكات بين المؤيدين لاستمرار الاعتصام فى الميدان والمطالبين بإخلائه، تبادل الطرفان الضرب بالأسلحة البيضاء والحجارة، وأطلقت مجموعة منهم النار فى الهواء لتفريق المعتصمين وسط حالة من الكر والفر بين المجموعتين.
تسببت الاشتباكات فى توقف حركة المرور بالميدان لمدة ساعة قبل أن تتدخل القوات المسلحة للفصل بينهما، وتلقى القبض على عدد كبير من المشاركين فى الأحداث، وكان بعضهم مسلحين بالفعل.. النشطاء السياسيون الذين تم القبض عليهم أشاروا إلى أنه تم الاعتداء عليهم وضربهم داخل المتحف المصرى -وهو ما حدث بالفعل- وأكدوا كذلك أنه تم احتجاز حوالى 17 فتاة وأكثر من 500 شاب، وتم نقلهم إلى المنطقة س 28، وتم إجراء كشوف العذرية للفتيات.
سارع عدد من أعضاء المجلس العسكرى إلى نفى أن يكون شىء من هذا حدث بالفعل، لكن المفاجأة أن عبدالفتاح السيسى وحده كان من اعترف بإجراء كشوف العذرية، قال ذلك فى تصريحات لبعض أعضاء من منظمة العفو الدولية، ونقلتها عنهم الإذاعة البريطانية البى بى سى، وقالت إنه برر ذلك بأن كشوف العذرية تتم لحماية الفتيات ولحماية جنود الجيش من الاتهام بالاغتصاب.
لم يبرر السيسى ما حدث لأنه خطأ من وجهة نظره، ولكنه فعل ذلك لأن الأمر حدث بالفعل، ولذلك لا داعى لإنكاره، فلا شىء فوق هذا التراب لا يرى، ولا شىء يرى إلا ويذكر، ولا شىء يذكر إلا ويخلد.. وهنا تتبدى لى استقامته، فهو لا ينكر شيئا فعله، ولا يشيع شيئا لم يفعله سعيا وراء مكسب قريب أو بعيد.
استقامة السيسى تتبدى كذلك فى علاقته بالمشير طنطاوى وفى علاقته بالرئيس المعزول محمد مرسى على السواء.
لقد تعجب البعض من ثناء السيسى على المشير طنطاوى، وهو الثناء الذى أذيع عبر فيديو مسرب له، قال فيه أنه رجل عظيم جدا، وما لا يعرفه الكثيرون أن السيسى يقدر لطنطاوى دوره فى الحفاظ على الجيش وتماسكه وعدم تحويله إلى قوات لمواجهة الإرهاب كما خطط لذلك الأمريكان والإسرائيليين، وهو ما وافق عليه مبارك، لكن طنطاوى وقف وقفة صلبة، ولو لم يفعل طنطاوى إلا هذا لكفاه عند السيسى، ولذلك فهو لا ينكر فضله.
ثم إن العلاقة بينهما بالفعل مثل علاقة الأب بالابن، فلا ينسى السيسى أن طنطاوى كان من وقف خلفه ودفعه إلى الأمام، وتحمس له، كان طنطاوى معجبا جدا بعبدالفتاح السيسى، فهو بالنسبة له ملتزم وهادئ ويتميز بشخصية قيادية ومسيطرة، ثم هو من بين المحيطين به الأكثر حرصا على تنفيذ الأوامر العسكرية، وهذه بالنسبة لطنطاوى كعسكرى محترف ميزة عظيمة جدا.
استقامة السيسى تبدت أيضا فى حرصه على دعوة طنطاوى لحضور الاحتفالات بمرور أربعين عاما على حرب أكتوبر، كان يعرف أن هناك من سيؤاخذه على ذلك، وأن هناك من يعترض على وجود الرجل الذى يحمله المصريون كل أخطاء وخطايا المرحلة الانتقالية، ولم يكن طنطاوى نفسه سعيدا -كما قال لى مقربون منه- من حضوره، فلم يذكر اسمه فى أى جملة قيلت خلال الاحتفال، وكان حضوره تذكاريا مثل المناسبة التى يشارك فيها، إلا أن السيسى أصر على حضوره فى لافتة تؤكد حبه لهذا الرجل ووفاءه له.
لم تختف استقامة السيسى فى أى مرحلة من مراحل علاقته بالرئيس محمد مرسى، فقد أخلص له النصح حتى اللحظة الأخيرة، وترك له الفرصة كاملة كى ينقذ نفسه، رغم أنه كان يعرف أن الرجل سيورط نفسه كلما تكلم، فلم يعترض على كلمته الأخيرة التى بثها التليفزيون فى 2 يوليو 2013، وهى الكلمة التى سجلها فى دار الحرس الجمهورى فى وجود عدد من معاونيه ورجاله، تركه السيسى اعتقادا منه أن مرسى يمكن أن يقدم للناس ما يجعلهم يمنحونه فرصة أخيرة، لكن مرسى كعادته تجاوز كل حدود المنطق والعقل وكرر كلمة الشرعية ما يزيد على سبعين مرة، فأغلق المصريون كل الأبواب فى وجهه، ولم يفعل السيسى إلا مراقبة المشهد من مكتبه فى وزارة الدفاع. عندما أقسم السيسى أنه لم يخن الرئيس مرسى كان صادقا فى قسمه، ليس لأنه لا يكذب ولكن لأن هذا ما حدث بالفعل، فقد أعلن موقفه بوضوح فى 23 يونيو 2013، عندما أعلن أنه يمنح كل الفرقاء أسبوعا للجلوس والاتفاق على صيغة للخروج من المأزق.. وهو البيان الذى فهم الإخوان المسلمون منه أن السيسى ينحاز إلى الشعب ولن يتردد عن خلع مرسى إذا ما نزلت الملايين إلى الشارع، وكان مرسى الأكثر معرفة بالسيسى واثقا من أنه لا يريد الانقلاب عليه، ولذلك طلب لقاءه ليستفسر منه عن سبب هذا البيان. الإخوان المسلمون أشاروا إلى أن السيسى مارس سياسة التخدير مع مرسى، وأنه أعطاه حقنة بنج طويلة المفعول عندما قال له أنه لم يصدر هذا البيان إلا لأن هناك من بين قيادات الجيش من يضغطون عليه، وأنه يحاول أن يمتص غضبهم، لكن ما أشاعه الإخوان لم يكن صحيحا، فقد كان السيسى واضحا وصريحا مع محمد مرسى حتى النهاية، قال له لابد أن تسمع إلى أصوات الناس فى الشارع، وإلا فإن كل شىء سيضيع وهو ما حدث بالفعل.
اقرأ غدا..
لماذا رفض عمر سليمان تعيين السيسى مديرا للمخابرات الحربية؟
أسرار الحرب بينه وبين حبيب العادلى بسبب التنصت على تليفونات أعضاء المجلس العسكرى
المصدر اليوم السابع
تعليقات
إرسال تعليق