د. فاروق الباز فى حوار مع الأهرام : الرئيس «ضرب ٣ عصافير بحجر»
اليوم دخلت مصر بقوة عصر الحكم الرشيد، وصار لدينا حاكم يدرك حدود أمن بلاده القومى ويسير بخطى ملكة مصر العظيمة حتشبسوت التى حكمت مصر قبل خمسة آلاف سنة، كان هذا هو أول تعليق للدكتور فاروق الباز عضو المكتب العلمى الاستشارى للرئيس عبد الفتاح السيسى ،
وقد كان الدكتور الباز أول من تعرض للهجوم والتجريح من مليشيات الحكم الإخوانى البائد عقب تصريحه الشهير للأهرام بحق أثيوبيا فى تحقيق التنمية ولو ببناء ما تشاء من السدود فى حدود الالتزام بحق مصر المائى فى ضوء الاتفاقيات الدولية، وكان من أوائل من أيدوا دعوة الرئيس السيسى بحق مصر فى الحياة مقابل حق أثيوبيا فى التنمية، كما صفق فى مقعده فى مقر عمله بمركز أبحاث الفضاء والاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن وهو يشاهد التوقيع على الاتفاق الثلاثى الذى ضم مصر والسودان وأثيوبيا، كما شعر بثقة بالغة فى تجاوز فى المفاوضات الصعبة التى تلى التوقيع على اتفاق المبادئ بين البلدين، وطالبنى باستيعاب معنى جملة الرئيس السيسى الذى تفاءل بآفاق التعاون بين مصر وأثيوبيا وخاصة جملته نحن نؤمن ونتعاون مع حق أثيوبيا فى التقدم والتنمية مقابل حق مصر فى مياه النيل التى يرسلها الله عبر هذا النهر منذ الأزل.
سألت الدكتور الباز كيف تابعت مشهد التوقيع وعزم الرئيس على مخاطبة البرلمان الأثيوبى ؟
فقال: أزعجنى فى عصر المراهقة السياسية كثيراً ما جاء فى وسائل الإعلام من دق طبول الحرب مع أثيوبيا والتهديد بضرب سد النهضة، إضافة إلى المهاترات بتغيير مسار نهر الكونغو، وما إلى ذلك من هراء لا فكر فيه ولا تعمق فى تاريخ مصرومكانتها فى إفريقيا.
لذلك أسعدنى كثيراً ما قام به الرئيس السيسى من عمل جليل وتمثل فى الزيارة التى قام بها لكل من السودان وأثيوبيا، وهو عمل يشكر عليه ويُحمد‘ فكما يقول عامة الناس فقد ضرب الرئيس ثلاثة عصافير بحجر واحد، كما يلى :
أولاً : لقد بدأ النقاش فى الخرطوم، عاصمة أقرب دولة إلينا وأقرب الشعوب إلى شعبنا منذ بداية التاريخ.
ثانياً : بادر بزيارة أثيوبيا، وتناقش مع أولى الأمر هناك،وخاطب ممثلى الأمة فى صورة ودية ترقى بمستوى حوار الأشقاء والمودة.
ثالثاً : أشهر بحقنا فى مياه النيل بصوت عالى، دون أن يحد من إيمانه العميق بحق أثيوبيا فى التنمية.
هذا وسوف يدون التاريخ الأهمية القصوى لهذه الزيارة المباركة والناجحة على جميع الأصعدة. وهى مبادرة سلام ومحبة وإخاء اتصفت بالدبلوماسية الحكيمة، والعمل دون كلل للحفاظ على حقوق مصر المشروعة وإزدهار شعبها، دون الضرر بأى طرف آخر.
وكيف ترى آفاق المكسب والخسارة بعد هذه التفاهمات، وماهى الخطوة التى يجب أن نخطوها؟
لقد استفادت الدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا من الإتفاقية . فى نفس الوقت لا يعنى ذلك أننا ننام فى ثبات عميق وننسى الأمر برمته «ونحط فى بطننا بطيخة صيفي» .
علينا أولاً أن نبحث فى سبب وصول الأزمة لما وصلت إليه ولماذا تأخرنا فى معالجتها. علينا أيضاً أن ندرس بالتفصيل كيف نداوم التعاون بيننا وبين السودان وأثيوبيا فى هذا المجال الحيوي.
وعلينا أيضاً أن نأخذ الخطوات التى تؤمن اتفاقية نهائية تتقبلها الأطراف الثلاثة، مع عدم الإضرار بمتطلبات أى منها.، كما علينا أن نجعل ثمار التعاون بيننا أغلى من أن يضحى به أى طرف أمام أى خلاف قد ينشأ لاقدر الله
وماذا عن الدرس الذى تنصح به المفاوض المصري؟
ربما يلزمنا الآن أن نتعمق فى تاريخ مصر القديم وكيف كان القدماء يتعاملون مع دول الجوار والمحافظة على حدودنا لجعل مصر الدولة الوحيدة فى العالم التى لم تتغير حدودها لفترة زادت على 5000 سنة. أحد الدروس التى يجب أن نتوقف عليها لدراسة معناها هى علاقة مصر القديمة الوطيدة بدول الجنوب. علنا نتمعن فى الدرس الذى تركته لنا ملكة مصر العظيمة " حتشبسوت" على جدار الدير البحرى غرب مدينةالأقصر. تطل علينا فى هذا الصرح الراقى رسوم توضح رحلة دبلوماسية إلى بلاد "بونت " أى الحبشة أو أثيوبيا وما حولها.
توضح اللوحة ما أهدته مصر إلى أهل الجنوب مع الهدايا منهم لأهل مصر. مهمات دبلوماسية منذ ذلك الوقت تبين لنا ما يجب أن نفعل وهذا ما بدأه السيد الرئيس مؤخراً لصالح مصر وأمنها المائي.
هل ترى أن نجاح مؤتمر شرم الشيخ قد أسهم فى نجاح زيارة الرئيس لدول الجوار؟
ـ لقد أسعدنى كثيراً أن زيارة السودان وأثيوبيا جاءت فور الانتهاء من مؤتمر شرم الشيخ، وكل ما دار فيه من عمل وتعاون مثمر لصالح الإنماء فى مصر. ربما كان يلزم أولاً أن نثبت للعالم أجمع أننا نعيش فى عهد جديد. قادرون على جمع شمل الأصدقاء من كل أنحاء العالم لغرس بذور الإنماء الحديث فى مصر. وفى نظرى أحد أهم نتائج المؤتمر التركيز على المشروعات التى تزيد من العمالة لأهمية ذلك فى رفعة الطبقات المحدودة الدخل وتشغيل الشباب رجالاً ونساءً، لأن هذا كله كان قد تناساه العهد البائدالذى ثار عليه الشعب، وهو أيضا من علامات النضج والحكم الرشيد.
وماهى ملامح النضج السياسى فى الوضع الحالى داخل مصر التى تؤهلنا لاجتياز هذه المرحلة الصعبة؟
لقد أثبت الرئيس قدرته على تنشيط الفكر الصائب لرفعة الوطن. وأثبت قدرة مصر على الحوار والنقاش السياسي، سواء فى الخارج أو بين كل أفراد المجتمع، وبدأت بالفعل الخطوات التى تؤهل عودة مصر إلى مكانتها المرموقة عالمياً،لا خوف الآن من تمادىالإعلام ـــ وخاصة الغربى فى النقد والمطالبة بالحريات الشخصية دون حدود. علينا أن نبدأ بفتح الباب أمام شباب مصر رجالاً ونساءً للمشاركة الفعالة فى إدارة الدولة والنقاش فيما يجب عمله. إننى أؤمن إيماناً كاملاً بأهمية الشباب فى نجاح المشاريع مهما كانت صفتها ، ومن خلال أبحاثهم ونتائجها أجد أنهم يتمتعون بقدر أكبر من احتمال المبادرة والإبتكار والتجديد، وكلها أشياء يصعب على كبار السن إتباعها. علينا إذاً أن نعطى شبابنا فرصاً أكثر وأكبر لإصلاح ما أفسده الدهر.
لكل هذا، فإجابتى عن السؤال عن الوضع الحالى فى مصر هى كما يلى :
أولاً : أحيى الرئيس على رحلتى السودان وأثيوبيا وعلى ما تم خلالهما من إتفاق لثبات مكانة مصر وحقها التاريخى فى مياه النيل.
ثانياً : أحيى الرئيس على النجاح الباهر لمؤتمر شرم الشيخ وكل ما نتج عنه من دعم لمصر ومكانتها ومستقبل اقتصادها.
ثالثاً : أحيى المهندس إبراهيم محلب لدعمه للشباب وحث حكومته على الاستماع لرأى الشباب واستخدام علمهم ومعرفتهم لصالح الوطن.
رابعاً : أهنىء شعب مصر على بداية حكم رشيد تعمل إدارته نهاراً وليلاً لصالح الإنماء ودعم كل طبقات المجتمع وخاصة الفقيرة منها.
لكل ذلك علينا جميعا أن نتحلى بالنظرة الموجبة لما يدور من حولنا. لقد تعود الناس فى مصر على الإحباط والنظرة السيئة لكل ما يقال، وهذا يجب علينا أن نرفضه وأن ننظر إلى ما خلق الله من حولنا بمنظار وردى و ندعم كل ما هو صالح وأن نصحح ما هو سييء بهدوء ورصانة لكى يوفقنا الله لرفعة الوطن وأهله جميعاً ، وتحيا مصر.
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق