«هيلا هوب».. لا تكسبك البطولات !
المصدر الاهرام - سمير الشحات - قضايا و آراء
وتنشيط روح المقاومة بين الجماهير، خاصة في أوقات الأزمات والحروب. وليس كمصر بلد لجأ إلي هذا المسلك عبر تاريخه كله، فكم سمعنا من أغانٍ، وكم أطربتنا الشعارات في كل العصور.
غير أن الاتكال علي تلك الشعارات وهذه الأغاني وحدها، لتحقيق الإنجاز والتقدم، سيكون بالتأكيد فخًا كبيرًا، ومصيدة لا تقود إلا إلي عكس النتائج المرجوة، لسببين، أولهما الاعتقاد بأن الأغنيات هي سر النجاح، وهو الأمر البعيد كل البعد عن الكياسة والمنطق، والثاني أن الأغنيات تكون محلقة في الخيال، وغارقة في الأماني، بما يملأ الروح بالكسل والتواكل والغيبية غير المستحبة.
وفي هذا السياق، ربما يكون في استدعاء التجربة الأخيرة لمنتخبنا الوطني، في البطولة الإفريقية، القدوة والمثل. لقد شهدنا طوال المباريات الخمس الأولي للمنتخب ( مالي، وأوغندا، وغانا، ثم المغرب، فبوركينا)، كفاحًا غاية في الاستماتة، وحققنا نتائج ما كان الكثيرون منا يتوقعونها.
ثم حانت لحظة الحقيقة، وجاءت المباراة الأخيرة، ( مباراة اللقب)، فإذا بنا نقدم شوطًا لم نقدمه من قبل، جعل لاعبي الكاميرون يقفون مبهوتين، وهم الذين ظنوا بنا الظنون، وحسبونا لقمة سائغة لهم، وأحرز «النني» الحريف الهدف.
.. ثم أذّن المؤذن لبداية الشوط الثاني، وأطلق السيد الحكم صافرته، فماذا رأينا؟ رأينا فريقًا ليس هو الفريق الذي عرفناه، ولاعبين كأنهم ليسوا بلاعبين، وتعبًا وإجهادًا ليس كمثلهما تعب ولا إجهاد، وبوغتنا بالنهجان المتوالي لشبابنا، فكأنهم في الستين من العمر، أوكأنهم مخدرون، وهو ما جعلهم ينكمشون إلي الخطوط الخلفية، ما جرّأ أسود الكاميرون غير المروضة علينا، فاندفعوا يدكون مرمي الحضري بكل ما لذ وطاب من القذائف المدفعية بعيدة – وقصيرة- المدي، فكادت قلوبنا تتوقف مع كل هجمة.. وأخيرًا كان ما كان !
ورغم تحليلات المحللين، وتبريرات المبررين، مع كامل احترامنا للمحللين وللمبررين، إلا أن ثمة عدة دروس ينبغي التوقف عندها، وصولًا إلي تحقيق الاستفادة المبتغاة، خاصة ونحن علي أعتاب استكمال التصفيات المؤهلة لكأس العالم، والتوجه إلي موسكو في العام المقبل بحول الله تعالي.
ولعل الدرس الأول هنا، أن قوة العزيمة، وصخرية الشكيمة، ليسا وحدهما ما يضمن النجاح، وإن كانا مطلوبيْن طبعًا، إنما الأهم توافر القوة الجسدية واللياقة البدنية، وهو ما رأيناه في لاعبي إفريقيا السمراء فاندهشنا له، تساءلنا: لماذا لا يتمتع بهذه القوة الخرافية لاعبونا يا تري؟
والإجابة ببساطة، هي أن كرة القدم، لم تعد أبدًا مجرد حرفنة حاراتية، ولا تغريزًا حلزونيًا يطرب المشاهدين، ولا ترقيصًا علي واحدة ونُصّ، ولا إنجازًا لأكبر عدد من «الكباري» يُلبسها اللاعب لخصمه ليصفق الجمهور، بل هي علم ودراسة وإعداد بدني للاعب يستغرق وقتًا طويلًا، وهو ما يبدو أننا نفتقده مع الكثير من لاعبينا، واسأل إن شئت من توجه منهم إلي الاحتراف الخارجي، فأجلسوه هناك علي الدّكة، فاكتفي بالمشاهدة والتصفيق!
والدرس الثاني، أن الكرة باتت لعبة جماعية، ولكل مركز من مراكز اللعيبة في المستطيل الأخضر واجبات محددة، فلايصح أن تدفع بلاعب إلي مركز لا يجيده، وإلا فسوف يأكل عليه الخصم خبزًا مدعومًا وغير مدعوم، كما لا يجب التهاون أبدًا مع لاعب ترك مساحته التي كلفه بها «الكوتش»، وراح يمرح في أرض الله الواسعة، وكأنه يلعب في «الجُرن».
والواقع أن هذا الالتزام الخططي، والانضباط التكتيكي، مفقودان عندنا في الكثير من الأحيان، ليس في كرة القدم وحدها، بل في كل مجالات حياتنا، وبتنا كل واحد منا يفعل ما يحلو له، فتركنا مساحات التقدم والإبداع مفتوحة علي مصارعها لكل من هبّ ودبّ، فلا إنجازًا حققنا، ولا إبداعًا أنجزنا. يا سادة، إن عودة الانضباط إلي أداء المهام التي نكلف بها، هي طريقنا إلي تجاوز ما نحن فيه الآن من عشوائية و«سبهللة» ولخبطة.
والدرس الثالث، هو أن الدفاع ليس دائمًا هو الطريق إلي تحقيق الانتصار، كما يحسب البعض منا، بل إن الهجوم، فالهجوم، ثم الهجوم، هو ما يحقق لك الفوز، (ألا يقولون إن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم)؟ إنك قد تضطر في بعض الأوقات إلي الدفاع، لكن أن يصبح هذا الدفاع هو فلسفتك في الحياة، وطريقتك المثلي لمواجهة المشكلات والخطوب، فإن في ذلك خطأ منهجيًا مدمرًا.. فتخلصوا يرحمكم الله من هذه العقلية الوقائية الدفاعية إذا أردتم النجاة.. فالحياة لا يكسبها إلا المقتحمون.
وإن أردت الحق، فإن لجوءنا إلي الدفاع في هذه البطولة ( وكل بطولة)، بدا في الكثير من الأحيان، دليل عجز وقلة حيلة، وقد لا يعرف الكثيرون أن طريقة اللعب مدافعًا طوال 90 دقيقة يُتعب اللاعبين أكثر من اللعب بطريقة الهجوم، لماذا؟ لأنك – وأنت تدافع- لا تكون أمامك خيارات كثيرة للتصرف، وتحبس نفسك في حيز ضيق، ما يشجع الخصوم علي أن يكيلوا لك الضربات من كل اتجاه، ويعطيهم الفرصة لاقتناص الفاولات منك (علي قفا من يشيل)، فينالون الضربات الثابتة، ويوجهون إلي الحضري المكافح الصواريخ!
.. لكن يظل الدرس الرابع والأهم، أنه- ورغم كل تلك «السفسطات» السابقة- فإن ما بذله رجالنا خلال تلك البطولة يستحق التكريم والإشادة، ليس فقط لأنهم أرادوا بكل السبل إسعادنا، ورفع اسم مصر عاليًا خفاقًا، وليس فقط لأنهم واجهوا ظروفًا مناخية وأرضية ملعب أرهقتهم، لكن لأنهم لعبوا وهم في أمسّ الحاجة لمن يعلمهم الكرة الحديثة.. وهذا ما نتوقعه من مسئولينا مع النشء القادم، كي لايتكرر ما جري في الجابون!
اقرأ أيضاً :
=======
تعليقات
إرسال تعليق