رحاب عبداللاه تكتب: عن وائل غنيم أتحدث

تعرفت على “وائل غنيم” فى أعقاب ثورة 25 يناير، كنت أراه دائماً مبتعداً عن أعين الصحفيين وعدسات المصورين فى المسيرات والوقفات الاحتجاجية التى كانت تنظمها القوى الثورية، كان يفضل أن يسير فى آخر الصفوف، وأن يكون جندياً فى المعركة، وليس فى الصف الأول لالتقاط الصور والإدلاء بتصريحات والظهور فى وسائل الإعلام. 
فضل وائل غنيم أن يكون بعيداً عن الأضواء بعد أن كان الأكثر شهرة من نشطاء 25 يناير بعد اختطافه من قبل جهاز أمن الدولة لمدة 12 يوماً قبيل تظاهرات جمعة الغضب، وبعد خروجه ظهر مع الإعلامية منى الشاذلى وانهالت دموع الناشط السياسى التى أحيت الثورة من جديد فى نفوس المحتجين الساعين للإطاحة بالرئيس حسنى مبارك. وبعدها عرف الجميع أنه كان أدمن الصفحة الشهيرة “كلنا خالد سعيد” التى دعت لتظاهرات 25 يناير. 
لم أرَ وائل غنيم يوماً ساعياً لشهرة أو باحثاً عن دور سوى فى مكان يخدم فيه وطنه فى صمت، داعياً لنقطة تواصل بين مختلف التيارات والأطياف، باحثاً عن المشترك، وفضل أن يكون بعيداً عن الأحزاب والحسابات السياسية، ولم أجده سوى داعياً لمبادرات وطنية للوفاق بين القوى السياسية، وخاض معارك للتوفيق بين الكبار، وكان آخرها مبادرة "الأزهر"، إلا أنها جميعاً باءت بالفشل بسبب العند والكبر من كافة الأطراف السياسية. 
ورغم كل ما فعله وائل غنيم إلا أنه لم يسلم من اتهامات العمالة والخيانة، بداية من اتهامات الماسونية والعمالة لأمريكا والعداء للجيش المصرى، الذى وصل لتزوير ترجمة ندوة حاضر فيها بالخارج، وانتهاءً بسلسلة المكالمات والتسجيلات الفارغة، ورغم إن وائل غنيم لم يتكسب من الثورة، كما يدعى البعض، حتى كتابه عن ثورة 25 يناير فضل أن تذهب أرباحه لمشاريع تنموية، من بينها أكاديمية التحرير لنشر العلم والثقافة. 
كان متفائلاً على غير المعتاد، آملا فى غد أفضل، واثقاً أن المصريين أذكى من أى نظام مستبد، متأكداً أنهم سيبنون مصر التى يحلمون بها، وكنت أستغرب من سر تفاؤله وأتعجب من رؤيته للنور فى وسط الظلام الذى عشناه. 
ليس وحده من أبناء الثورة الذى فضل الابتعاد عن المشهد وقرر الصمت حتى صفحة كلنا خالد سعيد التى كانت نبراساً لهذه الثورة وضميرًا حياً للدفاع عن قيم حقوق الإنسان، قرر لها وائل غنيم أن تصمت ابتعاداً عن المزايدين والمهاجمين ومدعى الوطنية.
وائل غنيم مثال حى للثورة حين تآكل أولادها، الذين باتوا إما متهمين بالعمالة والخيانة أو مهددين بالسجن بلا تهم أو باتهامات نعرف جميعاً حقيقتها، ومن يملك الجرأة منهم فقط هو القادر على السير فى الشوارع، وعليه أن يستعد لاعتداءات المواطنين "الشرفاء" المتأثرين بحملات التحريض والتخوين الممنهجة، كما حدث مع إسراء عبد الفتاح، التى هوجمت من نساء منعنها من الإدلاء بصوتها فى الاستفتاء، رغم إنها قادت حملة للتصويت بـ”نعم“ على الدستور، ورغم أنها اتخذت موقفاً مسانداً للجيش منذ الثلاثين من يونيو.
كلامى ليس دفاعاً عن شخص بعينه، لكنه هجوما على التعصب واللدود والفجر فى الخصومة، كيف تحول ثوار 25 يناير بين ليلة وضحاها من أبطال يلتقون كبار قيادات القوات المسلحة ورموز القوى الوطنية ويتم استقبالهم استقبال الفاتحين فى وسائل الإعلام، ليصبحوا الآن مستهدفين ومطاردين ومتهمين بالعمالة بلا دليل إدانة، لماذا لم تذهب التسجيلات التى سربتها بعض الأجهزة الأمنية لجهات التحقيق بدلاً من أن يفتخر برنامج تليفزيونى بإذاعة مكالمات خاصة لمواطنين بالمخالفة للقانون والدستور؟ وإن كانت هذه التسجيلات إدانة لماذا لا يحاكمون بالقانون؟ وأين تسجيلات رموز الحزب الوطنى وقيادات الإخوان؟ أم أن هؤلاء النشطاء الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة هم سبب نكسة مصر الآن. 
يتساءلون الآن لماذا لم يذهب الشباب للاستفتاء؟ فليسألوا أنفسهم، وليسألوا كتابهم وبرامجهم التليفزيونية الكفيلة بأن يكفر الشباب بكل شىء. هؤلاء الشباب الذين نزلوا يوم 25 يناير يحملون أكفانهم على أيديهم غير راغبين فى منصب أو باحثين عن مكاسب شخصية سوى الدفاع عن مطالب عادلة لكل إنسان “عيش.. حرية.. كرامة إنسانية”. 
الآن يحاولون إقناعك أن 25 يناير مؤامرة أمريكية إخوانية حماسية ماسونية، وأن كل من قادها خائن أو عميل، وأن مئات الشباب الذين سالت دماؤهم الطاهرة فى الميادين والشوارع مسجلون خطراً اقتحموا أقسام الشرطة، وأن خالد سعيد تاجر مخدرات، ومن حق الشرطة أن تبرحه ضرباً حتى الموت لمجرد الاشتباه به، هم يحاولون ببساطة أن يخرسوا ضميرك، وأن يقتلوا إنسانيتك، وأن يجعلون القمع إرادة شعبية، وألا نسمع سوى صوت واحد، ورأى واحد، وأن نعيش فى وطن لا يسع سوى فريق واحد. 
لا تحاسبوا الشباب الذين وقعوا فريسة لأطماع الكبار ولا تغتالوهم بعد أن تم استغلالهم من أصحاب المصالح وطامعى السلطة، هم فقط لم يكن لديهم قائد فبحثوا عن قائد وسط نخبة فاسدة هى نتاج لسنوات نظام مبارك الطويلة.
ها أنتم بعد أن فشلتم فى كل معارككم نجحتم فى شىء واحد فقط، أن تقتلوا أحلام جيل لا يزال يحلم بغد أفضل، وبوطن يحقق مطالب لا يختلف عليها أحد “عيش.. حرية.. كرامة إنسانية.. عدالة اجتماعية”
ثورة 25 يناير ليست هؤلاء الشباب الذين يتم تصديرهم لك فى الإعلام كل يوم على أنهم من صانعيها ويبرزون لك خلافاتهم ومشاكلهم ويقولون لك "هما دول بتوع الثورة"، ثورة 25 يناير هى أحلام الملايين الذين نزلوا الميادين والشوارع فى انتفاضة ضد الظلم والقمع، بحثاً عن العدالة والحرية، للمطالبة بعيشة كريمة لكل مواطن، وهذه الثورة هى بالفعل ملك المصريين الغلابة والشهداء المجهولين الذين لم نحصِ عددهم، الذين نزلوا حباً وليس طمعاً فى شىء، وللآسف لم يكن لديهم قائد ولم يثقوا فى أى من تحدث باسمهم. 
أترككم مع آخر كلمات وائل غنيم نشرها عبر صفحته على الفيس بوك بتاريخ 7 يناير بعدما نشرت له بعض التسجيلات التى لم أرها تدينه فى أى شىء، قال فيها: 
مثلى يُفَضّل أن يكون سجيناً مظلوماً رافعاً رأسه مدافعاً عن وطنيته ونزاهته عن أن يعيش هارباً ذليلاً مطأطئ الرأس حتى لو كان بريئاً".
إلى كل من وثق فىَّ يوماً ما: طوال هذه الثلاث سنوات، اجتهدت فأخطأت كثيراً وأصبت أحياناً، لكننى لم أكن يوماً خائناً لوطنى، ولا مفرطاً فى مبادئى، ولا مخالفاً للقانون الذى أدعو لاحترامه، وقدرى أن أدفع ثمناً لذلك من أذى وتشويه أتعرض وتعرضت له أنا وأسرتى طوال هذه السنوات، وهو ثمن يسير مقارنة بما دفعه الكثير من المصريين الذين فقد بعضهم حياته ثمناً لحرية شعب بأكمله. 
وأخيراً، أعتذر لكم عن انقطاعى، وأعتذر لكم عن عدم قدرتى على مواصلة الكتابة والرد على رسائلكم، ولكننى أردت أن أنفذ وصية أسرتى - على غير رغبة منى - فى تبرئة ساحتى أمام الرأى العام، خاصة كل من وثقوا فىَّ يوماً ما.





المصدر اليوم السابع

تعليقات

المشاركات الشائعة