الفريسة الثمينة !

بريد الجمعة : يكتبة : احمد البرى
أعيتنى الحيل، وتفرقت بى السبل، وفشلت فى الوصول إلى حل لما أعانيه، فقررت أن أكتب إليك حكايتي، عسى أن تجد لى مخرجاً مما انسقت إليه بإرادتي، وأصبحت أسيرا له، فأنا رجل فى الثانية والستين من عمري، عشت حياة عادية، حيث تخرجت فى إحدى الكليات، وعملت فى شركة كبرى،


 وتزوجت، ورزقنى الله بولد وبنت، وحاولت كثيرا تجاوز الخلافات بينى وبين زوجتى من أجل أن تمضى بنا سفينة الحياة، إلى أن استحالت العشرة بيننا، وأنا فى سن الرابعة والخمسين، فسافرت إلى إحدى دول الخليج العربي، وانضم ابناى إلى والدتهما، وحرصت على التواصل معهما، والاطمئنان عليهما، فهما قرة عيني، وفى إطار بحثى عن زوجة تستقر بها حياتي، تعرفت على سيدة مغربية تحمل جنسية دولة أوروبية رائدة، عن طريق موقع للزواج على شبكة الإنترنت، وقد صرت أسيرا لها، إذ حاصرتنى بشتى السبل، لتعرف كل اخباري، وموقفى المالي، وعلاقتى بابنيّ، وأوعزت لأخريات من بنات جلدتها بتتبع أخباري، فكن يتصلن بى عن طريق نفس موقع الزواج، ويحاولن معرفة ما أكون قد أخفيته عنها من معلومات، ولم أكن أدرى أنهن على اتصال ببعضهن!.
وحسمت أمرى بالزواج منها، وعرضت عليها المجيء للمعيشة معى فى الدولة الخليجية التى أعمل بها، لكنها رفضت، وطلبت منى السفر إليها فى بلدها الأوروبي، بحجة أنها مرتبطة به، ولكى تكون قريبة من ابنتها هناك، وأقنعتنى بأن حياتنا فى أوروبا سيكون لها طعم آخر، ولا أود الدخول فى تفاصيل الإنهاك والابتزاز المادى الذى تعرضت له منها، والمراوغات والمماطلات فى إتمام هذه الزيجة، حتى وجدتنى مستقيلا من عملي، وجامعا كل ما معى من حصيلة بيع سيارتى و«عفشى» ومستحقات نهاية الخدمة، وأودعتها فى حسابها، ثم سافرت إليها، وهناك واصلت مماطلتها فى إتمام الزواج بأكاذيب وحجج اتضح لي، فيما بعد عدم مصداقيتها، فلقد أبلغتنى أن المسئولة عن ملف الزواج فى البلدية التى يتبعها سكنها فى إجازة، فصدقتها خصوصا أننى تأكدت بالفعل أنها قدمت الملف، ومعها ما يثبت ذلك، وبالمصادفة كنت أتجول بمفردي، ومررت من أمام مقر البلدية، فدخلت لأسأل عما إذا كانت المسئولة عن الزواج، قد عادت من إجازتها أم لا، فوجدتها أمامي، وقالت لى أنها ليست فى إجازة، وإن ملف زواجى من هذه السيدة قد أغلق بناء على طلبها، وإنها مستعدة لفتحه مرة أخرى كمساعدة منها لي، ثم سألتني: هل تعرفها جيدا لكى تتزوج منها؟... وعندما لاحظت دهشتى من السؤال، ومحاولتى استيضاح الأمر منها، أنهت المقابلة بأسلوب مهذب، دون أن تجيب على استفساري، وخرجت من البلدية، وقد انفجر داخلى بركان من الضيق والحزن، ودار فى رأسى شريط علاقتى بها، وابتزازها لي، وملاحقتها هى وصديقاتها لكل خطواتي، وفور عودتى إلى المنزل واجهتها بما قالته لى المسئولة عن ملف الزواج، فراحت تتذرع بأكاذيب أخري، ومبررات واهية، لم أقتنع بها بعد أن تغلغل الشك فى نفسي، فطلبت منها تسليمى مالي، كما اتفقنا من قبل، فوعدتنى بتحويله لى فى اليوم التالي، ثم أجلت التحويل يوما بعد يوم بحجج بدت لى مكشوفة جدا، وحاولت أن تكون أكثر ودا ولطفا معى عن ذى قبل، ولكنى أصررت على موقفي، وكلما تحدثت فى الهاتف تجرى ابنتها نحوي، وتحتضنني، وتضع رأسها على كتفي، فى محاولة مكشوفة لكى تعرف مع من أتكلم، ثم تبلغ أمها بما سمعته، وذات يوم طلبت منى أن نخرج معا فى نزهة بسيارتها نتفق خلالها على ما أريده، وأعطت مفتاح البيت لشخص آخر، ورتبت معى الأمر على أن تعطينى مالي، وأعود إلى مصر، وعدنا إلى البيت آخر النهار، وبت ليلتي، وفى الصباح ذهبت إلى مكتب الطيران لحجز تذكرة السفر، وانتظرتها أن تأتى لى بالمبلغ الكبير الذى أودعته لها فى البنك، لكن الوقت مر، وأغلق المكتب أبوابه، ولم تأت ثم جاءنى اتصال منها، بأنها فى طريقها إليّ، وأنها تأخرت لظروف خارجة عن إرادتها، ومضت ساعات طويلة، وأنا لا أدرى ماذا أفعل، ثم فوجئت بها أمامي، ومعها حقيبة ملابسي، فألقت بها على الرصيف، حيث كنت واقفا، وأنا فى ذهول شديد، وعندما سألتها عن أموالي، قالت لى «مالكش عندى شيء» وانطلقت بالسيارة بسرعة البرق، وفتحت الحقيبة، فلم أجد بها المستندات التى تثبت أننى أودعت أموالى باسمها، فاتصلت بالكثيرين من المصريين والعرب بهذه الدولة، لإفادتى ماذا أفعل إزاء هذا الموقف العصيب، فلم يساعدنى أحد، ولم يكن ممكنا إبلاغ البوليس، وقتها دون أن يكون معى مستند يثبت أن لى حقا لديها، أو أننى أودعت باسمها أى مبلغ ووجدتنى بلا مأوى ولا ملاذ، ولا معين فى هذا البلد الأجنبي، وارتميت على الأرض مغشيا عليّ نتيجة صدمة مخية، وشلل نصفى مؤقت، ولما أفقت تلفت حولي، فإذا بى فى غرفة الإنعاش فى المستشفى الجامعى والرئيسي، حيث حملنى المارة إليه، وقد طلبت مغادرته، لأننى لا أملك تكاليف العلاج، فأكد لى الأطباء الذين تناوبوا على علاجي، أننى من المستحيل أن أخرج من المستشفى إلا بعد الشفاء التام، وأن مسألة التكلفة لن تكون محل مناقشة إلا بعد انتهاء العلاج، ولما علموا بقصتى حولونى إلى الإخصائى الاجتماعى بالمستشفي، الذى وجهنى إلى إخصائى قانونى لتوجيه النصح، والإرشاد لى للخلاص من الأزمة التى عصفت بي، والحقيقة أنه ساعدنى فى الحصول على نسخة من مستندات إيداعى أموالى باسم السيدة المغربية، وفى رفع دعوى نصب واحتيال ضدها أمام القضاء، ونظرا لعدم إجادتى لغة هذا البلد، ولقوة علاقات هذه السيدة التى تمتد لأكثر من اثنين وعشرين عاما، والتى تتغلغل فى جميع مؤسسات الدولة، كما أن زوج أختها يعمل فى البوليس، فقد تم تمرير التحريات، ومن ثم حفظ الدعوى الجنائية ضدها، وليس أمامى سوى إقامة دعوى مدنية، وحاولت اللجوء إلى أى جهة مصرية تساعدنى فى استعادة حقي، ولو على مستوى النصح القانوني، فقوبلت بالتجاهل الشديد حتى من السفارة المصرية هناك.. وانسدت كل الأبواب فى وجهي، وتحولت إلى مريض نفسي، وبالفعل دخلت مستشفى للأمراض النفسية، فتعرفت فيه على سيدة أوروبية، تخضع فى المستشفى للعلاج من إدمان «المسكرات» التى أصابتها بحالة نفسية سيئة، وحكيت لها قصتي، واعتمدت عليها فى ترجمة الرسائل المرسلة لى من المدعى العام، بخصوص السيدة المغربية، والحقيقة أنها انتشلتنى من الحيرة التى تملكتني، فلقد عرضت عليّ المبيت بشقة أمها المقيمة بدولة أوروبية أخري، حيث إنها لا تأتى إلى بلدها إلا فى أوقات متباعدة جدا، فوافقت على عرضها شاكرا فضلها، وأعطتنى مبلغا بسيطا من المال كعربون إقامة دعوى مدنية ضد المغربية، وذهبت إلى محام لتوكيله فى القضية، وبعدها بأيام تعرضت لضغوط رهيبة لمغادرة هذه الدولة، وعدم اقامة الدعوي، لدرجة أن المحامى نفسه قال لي: إننى حتى لو كسبت القضية فلن أستطيع استرداد أموالي، إذا ادعت هذه السيدة عدم قدرتها على السداد، إذ لا يجبرها القانون على تسديد المال فى حالة عدم توافر فائض لديها، ونصحنى بالسفر إلى مصر إلى أن يتمكن من إقامة الدعوي، وفعلت ما أشار عليّ به، وتكبدت عناء اتصالات دولية عديدة به، دون الوصول إليه، ففى كل مرة كانت سكرتيرته هى التى ترد عليّ، وتعدنى بإخباره، ثم أعاود الاتصال به، واكتشفت أننى أبحث عن سراب.. ولم أجد ملجأ سوى السيدة الأوروبية التى قابلتها فى المستشفي، والحق أنها لم تتأخر عن مساعدتى فى الاتصال بالمحامى وهيئات المساعدة القانونية المجانية للضغط عليه لرفع الدعوي، وعندما حل موعد الجلسة كان يتعين عليّ حضورها، ولكن سفارة هذه الدولة بمصر رفضت إعطائى تأشيرة دخولها بحجج مختلفة، وعندما علمت السيدة الأوروبية بالمأزق الذى أواجهه عرضت عليّ الزواج، فقبلت بالارتباط بها مع أنها فى مثل عمري، وسافرت إليها وتزوجتها، وحضرت الجلسة الأولى بعد أن تم تأجيلها عدة مرات.
وبعد زواجى من الأوروبية ظهرت الشخصيات القميئة لها ولأهلها، فهى مدمنة خمر حتى الثمالة، وتتخيل أشياء لم تحدث، وكانت لذلك انعكاسات سيئة على صحتى البدنية والنفسية، وعانيت الأمرين من أهلها، إذ إنهم لم يخفوا كراهيتهم العرب والمسلمين، وسعوا حثيثا لطردى من البيت لعلمهم أننى فى حاجة إليه، وليس لى مأوى غيره، وساعدتهم زوجتى على طردى أحيانا بضغط منهم، ثم كانت تساعدنى دون علمهم لحاجتها الشديدة إليّ حيث إننى أرعاها، وأشترى لوازم المنزل لها، وأطهو الطعام، وأمنعها من تعاطى الخمور قدر المستطاع، وقد وصل بهم الأمر إلى حد إخراجى من المنزل رغما عني، ولكن البوليس منعهم، حيث إننى أقيم به رسميا، وهنا توقفت عن اعداد الطعام، وأصبحت اتناوله خارج البيت، وعرفت أن زوجتى تخشى الخروج من المنزل، وأن ما تريده منى هو خدمتها أو أن أغادر المكان ولما رفضت لفقت أم زوجتى لى اتهامات عديدة، لكى تضعنى فى موقف سيئ مع البوليس، فاستأجرت أحد العرب من بلدان شمال افريقيا، ليسحبنى خارج المنزل بحجة احتياجه لى للذهاب معه إلى مكان بعيد لقضاء حاجة له، ونجحت فيما فكرت فيه، وغيرت مفتاح الشقة، فاضطررت إلى الإقامة فى مكان آخر، لكن زوجتى كانت تعيدنى إلى المنزل فى الأوقات التى تكون حالتها فيها على ما يرام، إذ كانت تتردد على المستشفى لفترات طويلة.. وتكررت القصة معها ومع والدتها بسيناريوهات مختلفة مما أثر سلبيا على حالتى النفسية، فى الوقت الذى لاحقتنى فيه السيدة المغربية فى كل إدارة حكومية أذهب اليها طلبا لخدمة ما، لكى تضيق الخناق عليّ، وترسل بنى جلدتها لكسر صندوق البريد الخاص بى وبزوجتى فى مدخل العمارة، وسرقة ما به من مراسلات، فتثور المشكلات بيننا ظنا من زوجتى بحالتها المرضية أننى أستولى على بريدها.. واضطررت من جديد للعلاج فى مستشفى الأمراض النفسية مع المماطلات فى القضية من جانب المسئولين هناك لتجنب إدانة مواطنتهم المغربية، وللأسف فإن القضاء لا يناقش مثل هذه القضية إلا مرة واحدة كل عام، واتهمت المحامى بالموافقة الضمنية على هذه المماطلة، وقد استجاب لى أخيرا، وها أنا أنتظر الحكم القابل للاستئناف خلال شهور.. أما بخصوص طردى من المنزل الذى أقيم به، فلقد نصحنى الإخصائى الاجتماعى فى المستشفى بالشكوى إلى دائرة الإسكان لافتعال مشكلة مع أم زوجتى لطردها من المنزل، أو على الأقل كتابة عقد ايجار جديد يكون اسمى مذكورا فيه، لكن لم أشأ الخوض فى هذا الشأن حتى لا تتسع دائرة مشاكلي، والتركيز فى قضيتى الأهم مع المغربية، وحتى لا أكون ناكرا وجاحدا لوقفة هذه السيدة الأوروبية معي.
وأنى أسألك: هل أغادر هذا البلد، وأعود إلى مصر بعد الحصول على حكم المحكمة بإعادة ما أودعته باسم المغربية لى، وتطليق هذه الزوجة التى زادت مرضي، وأصبحت الغيرة الشديدة تصيبها لو تحدث معى ابنى أو ابنتى أو أحد اصدقائى القدامى باللغة العربية، أو كلما خرجت من البيت لأداء الصلاة فى المسجد، وصرت سجينا، لا عمل لى سوى خدمتها.. هل أفعل ذلك؟ أم أنتظر عامين آخرين إلى أن أحصل على إقامة دائمة بهذه الدولة فأتمتع فيها بتأمين خدمى ممتاز، وأنال إعانة شهرية، ولكنى حينئذ سأكون سجين هذا الزواج إلى نهاية العمر؟!
إننى أعانى وحدة قاتلة هنا، وكنت من قبل كثير التحرك والسفر لطبيعة عملى السابق الممتع، وقد صرت الآن أسيرا للمرض والهواجس، وتشتت الذهن ولا أدرى ماذا أفعل؟.. فبماذا تشير عليّ؟.
 ولكاتب هذه الرسالة أقول:
هناك جوانب عديدة للأزمة التى أوقعت نفسك فيها، أبرزها ما يتعلق بالسيدة المغربية حاملة الجنسية الأوروبية، التى تأكد لها أنك صيد ثمين، من خلال الدردشة بينكما عبر أحد مواقع الزواج على الإنترنت، فنصبت شباكها حولك، ونجحت فى الإيقاع بك، بعد أن تجمعت لديها كل الخيوط التى حاولت إخفاءها عنها، إذ حصلت على المعلومات الدقيقة التى كونت بها فكرتها المتكاملة عن كل ما يخصك من خلال صديقاتها اللاتى دفعتهن فى طريقك، وربما يكن جميعا عضوات فى شبكة للإيقاع بالرجال العرب الذين يطمعون فى الحياة بأوروبا، ويغرينهم بهذا العالم المجهول بالنسبة لهم، فيسعين إلى افتراس ضحاياهن، وما أكثر الإغراءات التى يلقين بها فى طريق الفريسة حتى تصبح أسيرة لهن!.. ويتضح ذلك جليا عندما تكاثرت عليك السيدات، ورحن جميعا يخطبن ودك، وبلعت الطعم، وقلت لكل واحدة منهن معلومات مختلفة عما قلته للأخرى دون أن تدرك الخطة الموضوعة للسيطرة عليك، وأفتراسك فى الوقت المناسب.
وما قالته لك مسئولة الزواج فى البلدية التى تقطن بها السيدة المغربية هو عين العقل الذى غاب عنك عندما سألتك: هل تعرفها؟.. وهو تساؤل لا يحتاج إلى استفسار، فالأمر واضح، وهو أنك وقعت ضحية عملية نصب... لكنك تجاهلت القواعد التى كان يجب أن تتبعها، لأن كل همك هو أن تتزوجها، فأى زيجة هذه التى تدفع المرء إلى تسليم كل ما يملكه لكائن من كان، حتى لو كنت قد تزوجتها بالفعل؟!
ولذلك كانت النتيجة الطبيعية لصنيعك هذا أن أحدا لم يساعدك ممن اتصلت بهم، عندما ألقت إليك هذه السيدة بحقيبة ملابسك على الرصيف ثم لاذت بالفرار، فلقد أودعت مالك فى حسابها البنكى برغبتك، وليس تحت ضغط أو إكراه، بل وأودعته من البلد الخليجى، وقبل سفرك إليها.
ولم تتوقف أخطاؤك عند هذا الحد، وإنما تماديت فيها، حيث تزوجت السيدة الأوروبية من باب الطمع، لأنها سوف تفتح لك باب الاستمرار فى بلدها، والحصول على الإقامة الدائمة فيه، ولم يعنك سنها، ولا حتى إن كنت ترتاح لها عاطفيا أم لا، فكل ما ركزت فيه هو مصلحتك، فلقد تزوجتها، وأنت تعلم أنها «مدمنة مسكرات» على حد تعبيرك، ولم تتعاف من حالتها المرضية.
والواضح من سردك الوقائع المريرة التى واجهتها أنك كنت تبحث عن نموذج مثالى للطرف الآخر، لكنك لم تجده، فشريك الحياة الذى يريد أن يكون شريكه فى العلاقة الزوجية منطبقا على الأفكار التى يرسمها فى ذهنه، والتى يصوغها له عقله فى أحلامه الوردية، يعيش حياة الحرمان عندما يفاجأ بواقع على خلاف ما تصوره، وأن الطرف الآخر يختلف عنه فى أشياء كثيرة، ويرفض أن يقدم تنازلات مطلوبة لاستمرار الحياة الزوجية، وتفهم الظروف المحيطة بشريك الحياة، وتعلم فن تأجيل بعض الرغبات، باعتبار أن الحياة لا تكتمل لأحد، كما أن الزواج الناجح لا يتحقق بالإنترنت، فهو علاقة مباشرة بين اثنين يعرفان بعضهما جيدا، ويعطيان نفسيهما مهلة كافية لدراسة جوانب الاتفاق والاختلاف بينهما، ولا أدرى كيف لرجل عاقل فى مثل سنك وخبرتك وعملك أن ينجرف فى هذا المنحدر برغم ما مر به من تجارب، ومنها زيجتك الأولى من أم ابنيك التى لم تذكر شيئا عن دوافع انفصالك عنها، ومهما يكن من أمر فلقد كان عليك أن تتحسب خطواتك فى زواجك الثانى، وترتبط بمن لك بها علاقة مباشرة، فيها تفاعل ومصداقية، لا أن ترتكب حماقات المراهقين الذين تجذبهم الإغراءات الشكلية، والكلام المعسول.
وإنى أسألك: ألم تدرك بعد انفصالك عن زوجتك الأولى أن الزواج يجب أن يقوم على المشاركة بين الزوجين بصورة عملية وواقعية، والود والاحترام، والمساندة فى الظروف الصعبة؟.. وإذا كنت قد أدركت ذلك، ولم يتوافر فى زواجك منها، فما الذى دفعك إلى المغامرة المدمرة بالجرى وراء أوهام السيدة المغربية التى لم تذكر كيف انسقت إليها إلى هذه الدرجة غير المعقولة؟ واكتفيت بالقول: أنك لم تشأ أن تتطرق إلى ذكر الوقائع التى أوقعتك فى حبالها، وأعتقد أنك فعلت ذلك بإرادتك لكى تثبت لها حسن نيتك، بعد أن حاولت نسج علاقة بمن دفعتهن إلى طريقك لاختبارك، فإذا بك تقول لكل واحدة منهن كلاما يختلف عما تقوله للأخريات، فلما انكشف أمرك، انهرت واستجبت لما أملته عليك، فخسرت كل شىء... مالك واستقرارك وصحتك، وعملك، حتى إنك تتطلع الآن إلى الإعانة المالية التى تمنحها الدولة الأوروبية للمقيمين فيها إقامة دائمة، وترى فى التأمين الصحى سببا كافيا لاستمرار حياتك هناك، فهل من العقل والحكمة أن يغلق المرء حياته على هذا الهدف؟... وهل أن تأكل وتشرب، وتتلقى العلاج فقط ـ دون أن يكون لك طموح فى العمل، حتى ولو بعد سن المعاش بالاشتراك فى الجمعيات الخيرية وخدمة الآخرين، وإضافة شىء جديد للحياة ـ هو كل ما تهدف إليه؟.. إن الأمل موجود ما دامت الحياة قائمة، لكن ما حدث لك هو أنك أصبت بالقلق والحيرة والارتباك، وأصبحت الآن تعانى ألما مستمرا، وصداعا دائما، وأرى أنك تعرف الرأى الصواب، وقد حددته بالفعل، وهو عودتك إلى مصر بعد حكم المحكمة المنتظر فى قضيتك، لكنك تحاول أن تقنع نفسك بالاستمرار فى البلد الأوروبى، وإذا لجأت إلى الحل الثانى، فإنه سوف يقضى على أملك فى حياة مستقرة وسعيدة، فكم تساوى الغربة بهذا الوضع الذى تحياه، ومن أدراك أنك ستسلم من السيدة المغربية بعد ان تستعيد مالك منها، ثم كيف ستقيم مع زوجتك الأوروبية بعد أن طردتك أمها، وحتى إذا حصلت على حق السكن لديها وفقا للقوانين المعمول بها هناك، فمن يدريك بما سيكون عليه رد فعلها؟..
إن المسألة برمتها لا تحتاج إلى تردد، وإنما تحتاج إلى تصميم وعزم أكيد، فإن الشجاعة تكون فى اتخاذ القرار، لا أن تضطرب، وتراوح مكانك، وفى ذلك يقول الشاعر:
إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأى أن تترددا!
وينبغى عليك أيضا أن تنهى الضوائق النفسية التى تعانيها باتخاذ قرار نهائى بالعودة إلى مصر، وتطليق زوجتك الحالية، وبدء صفحة جديدة فى حياتك، فالعمر واحد، والساعة التى تمر لن تعود، ولذلك يجب أن تعيشها فى سعادة، وهذه السعادة لن تتحقق إلا بحسم أمرك، فليس يعبس النفس والوجه كاليأس، فإذا أردت الأمل حارب اليأس، والفرصة سانحة لك الآن، كما أن باب الاطمئنان وراحة البال مفتوح أمامك فتطلع إلى الأمل وتوقع الخير، وفقك الله وسدد خطاك.



المصدر الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة