آراء حرة - صبرى الموجى - الاهرام
الاهرام - شطحات أستاذ جامعى
كان رجلا أقرب إلى القصر منه إلى الطول، دخل على طلابه، مُتأبطا حقيبة اهترأ جلدُها من كثرة الاحتكاك، ثيابه رثة، مُنتعلا فى رجليه(شبشبا باليا)، على وجهه نظارة سميكة العدسات، اعتاد أن يُخفضها أسفل عينيه كلما نظر إلى أحد طلابه.
جلس يقرأ على طلابه بلا توقف، دون أن تبرح عيناه الكتاب؛ خشية الارتباك، فغر الطلابُ أفواههم؛ جهلا بما يقرأ، وكلما سأله أحدُهم التوضيح، جاءت إجابته : فى المسألة نظرٌ- بإخراج لسانه فى الظاء - وكلامٌ سنطرحه فى المحاضرة القادمة، التى تأتى دون أن يطرح شيئا، وهكذا دواليك!هذه صورة حقيقية لأحد أساتذة الجامعات، المنوط بهم إثراءُ البحث العلمى، وتخريجُ طلاب يحملون مشعل التنوير لنهضة مصر؛ ولكن هيهات أن يحدث ذلك، إذ كيف ننشُد خريجا مُؤهلا علميا ، تعلّم على يدِ أستاذٍ فقيرٍ علما وخُلقا، هيئة وهنداما؟ !إن نهضتنا مرهونةُ بالعلم، الذى يعد العالم والمتعلم أهمَ أركانه، وإذا كان لزاما لنجاح العملية التعليمية أن يكون المُتعلمُ نبيها حريصا على التحصيل، فمن باب أولى أن يكون المُعلم مُؤهلا بالعلم، مُتشحا بمكارم الأخلاق، كما هو حال جُل أساتذتنا وعلمائنا .ورغم أن الأمر كذلك، إلا أن هناك بعضا ممن تسوّرا محراب العلم ودخلوه من أبواب خلفية - إما لكونه ابن أستاذ جامعى، جاء مُجاملة لأبيه، وإما أنه عرف من أين تُؤكل الكتف، فأنفق ببذخ حتى يحصل على الدرجة العلمية، دون أن يكون مؤهلا لها بالفعل، وإما أنه صار أستاذا بـ (ضربة حظ) وإما كذا - قوّضوا بنيان العلم بأفعال قتلت ومازالت تقتل البحث العلمى فى مهده؛ مما يتطلب وقفة من المسئولين عن التعليم الجامعى فى مصر، لكبح جماح الأستاذ الجامعى الذى لا يُمكن مُراجعته، خاصة بعد رصد درجات مادته، حتى وإن كان مُخالفا للوائح والقوانين. والمؤسف أنه فى ظل هذا النفوذ الطاغى لأستاذ الجامعة توقف كثيرٌ من الطلاب عن مسيرة البحث بعدما تأكدوا أن مطالبتهم بحقوقهم نوعُ من الحرث فى الماء . نماذج صَلف ِالأستاذ الجامعى كثيرة منها - على سبيل المثال لا الحصر- رسوبُ كل طلاب تمهيدى ماجستير الدراسات الإسلامية بجامعة بنها فى إحدى السنوات على يد أستاذ يرى كثير من زملائه أنه غير مؤهل للتدريس.وليست باقى الجامعات بأحسن حالا، فثمة كثيرٌ مثالب الأساتذة التى تهدد البحث، منها : تفضيلُ بعض الأساتذة للطلبة الوافدين الذين يدفعون بسخاء، لنيل الدرجة العلمية، دون اعتبار للكفاءة، إلى جانب أن بعضهم يُفضل التسجيل مع ( الجنس اللطيف)؛ ترطيبا لحرارة البحث العلمى، مع إهمال للذكور دون التفات للجدارة أو الأقدمية.فضلا عن ترحيب كثيرٍ من الأساتذة بالهدايا العينية، رافعين شعار:( الدفع أو الحجب)، ويعنى: إذا لم تدفع فستُحجب عنك الدرجة، وبعضهم يطرح رسائل على الطلاب نظير مقابل مادى، ناهيك عن لصوص الموضوعات من الأساتذة، الذين يسرقون جهد الطلاب، إذ يرفضون موضوعاتهم بحجة أنها بُحثت من قبل، ثم يقدمونها لباحث آخر كنوع من (المجاملة المقيتة). مثالب أساتذة الجامعات كثيرة، وتحتاج إلى وقفة، لأن خطر هؤلاء الأساتذة ـ وإن كانوا قلة ـ شديدٌ على البحث العلمى الذى هو قاطرة التقدم، ومن المؤكد أنه إذا لم تُفعل قوانين محاسبة هؤلاء فلن يكتمل بناء البحث العلمى ، وصدق القائل: متى يبلغُ البنيانُ يوما تمامه...... إذا كنت تبنى وغيرُك يهدمُ.
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق