د. جبريل العبيدي يكتب : «يوسبريدس» تنتصر على "داعش"

العبيدي يتحدث عن داعش

المصدر بوابة الوفد -  نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط

بنغازي «يوسبريدس»، أو حدائق التفاح الذهبي، كما أطلق عليها الإغريق فيالفترة من 525 ق.م إلى 515 ق.م، حيث كان التفاح ثمناً للحرية كما جاء فيالإلياذة أو كما يحلو للبعض تسميتها شعبياً «رباية الدايح»، أي مأوى لمن لامأوى له، ومصدر رزق لكثيرين، ممن ضاقت بهم الأرض بما رحبت، فبنغازي الحريةالثائرة على مر العصور، والتي منها كانت صرخة الحرية على ظلم طال عقوداً،فمن يسعى فيها بزرع الخوف وصناعة الموت والرعب والفزع يعد مفسداً في الأرض.رغم إشعال فتيل الاغتيالات، والقتل والاختطاف، من قبل ميليشيات الإسلامالسياسي «الدروع» قبل عامين، وتحريك الخلايا النائمة للجماعات الإرهابيةبعد أن ضاق بها الحال اليوم بعد حصارها في آخر جيوبها غرب بنغازي، إلا أنهاعجزت عن تركيع أهالي بنغازي في القبول بـ«داعش» أو أخواتها أو أن تكونحاضنة لميليشيات الإسلام السياسي تحت أي مسمى؛ فبنغازي التي عايشت سنوات منالإرهاب والقتل والخطف بدأت تنجلي عنها بعد انتصارات الجيش الليبي وتحريرأغلب مناطق بنغازي وأحيائها وأصبحت «داعش» محاصرة في بضعة كيلومترات تستجديممراً آمناً عبر عرابي الإسلام السياسي الذين سقطت عنهم ورقة التوت، وأظهروامناصرة لـ«داعش» وبقاياها المختبئين خلف النساء والأطفال.الأمن والأمان هو منة الله على عباده «وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ»، فجعل أمن الناسمسبقاً على غيره من الأمور، فلا تقوم الحياة بغير أمن، بعد أن أبدلهم اللهبعد خوفهم أمناً، بعد أن كان الشيطان قد أوهمهم بالخوف «وَلَيُبَدِلَنَهُمْ مِنْ بَعْدِخَوْفِهِمْ أَمْناً».لغة الاختطاف والتفجير والاغتيال، لغة عقيمة لا تحقق شيئاً، سوى الفوضىوالفزع والرعب بين الناس، وهذا ما حرمه الله في جميع كتبه، وليست سبيلاًلتحقيق أي مطلب وليست أداة «للقصاص»، فالقصاص حق أصيل للحاكم من خلالالقضاء وواجب التنفيذ لولي الأمر لا سواه، وعدا ذلك تصبح فوضى وخروجاً عنحكم الله وشرعه، قبل أن يكون خروجاً عن حكم ولي الأمر، فالقتل بدم بارد دونمحاكمة، يوجب المحاربة، كما أن إفزاع الآمنين وترهيبهم بالتفجيرات والرصاص،هو أيضاً خروج عن شرع الله، بترويع من منّ الله عليهم بنعمة الأمان، يعدمحاربة لله.الشارع الليبي عامة والبنغازي خاصة، أظهر تماسكاً ولحمة وطنية، في أغلبحوادث التفجيرات والاستهداف الصاروخي، وأظهر شجاعة في التظاهر وتكراره فيالساحات والميادين نفسها التي تعرضت للقصف والتفجيرات الإرهابية من قبلميليشيات «داعش» و«مجلس شورى» إرهاب بنغازي المتحالف مع «داعش»، والمتحصنوالمختبئ معها في الخندق ذاته، شجاعة افتقدتها بعض النخب السياسية التيأمطرت الشارع بسيل من الإسهالات التحليلية عوراء الرؤية، تلاسنت من خلالهامع خصومها السياسيين، دون أن تقدر وتستشعر حرمة الموت وفاجعة أهل الضحايا،وترتقي إلى حجم الفاجعة وأحزان الوطن، لا أن تتنازع وخصومها استثمار أيحادثة تفجير أو استهداف صاروخي إرهابي في بنغازي، الذي من العادة استهدفالمدنيين ويترك وراءه الكثير من الضحايا لا بواكي لهم لدى ما يسمى حكومةالوفاق، التي لا وفاق عليها من قبل الليبيين، بل إن هناك من جاهر بالتأييدورفض الإدانة لهذه الجماعات، بل أصر على وصفهم بـ«الثوار» المصطلح الفضفاضالذي يختبئ خلفه حتى من بايع سفيه بغداد أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعشالإرهابي.بنغازي تستحق الأمان لأنها قدمت الكثير، وكانت حاضنة لجميع القبائلالليبية، فكانت بيتاً لمن لا بيت له، فتعايش فيها جميع سكان ليبيا ضمنفسيفساء وطنية نادرة في مجتمع قبلي، بجميع مكوناتهم وقبائلها، فتعايش فيهاالقادمون من البحر في هجرات متتالية، ووجدت في شواطئ يوسبريدس ملاذاً آمناًلهم عبر العصور، فاستوطنها من ضاقت به السبل، لأنها آمنة عبر التاريخ،وستبقى كذلك رغم أنف المفسدين بعد أن شارف الجيش الليبي على استكمالتحريرها من «داعش» وأخواتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة