علامات الطوفان القادم .. الحرارة الشديدة والأمطار الغزيرة
المصدر الاهرام - دنيا
تغيرات المناخ تهدد سواحل أبى قير والمنتزه وكفرالشيخ ومطروح بالغرق
ستبقى مشكلة تغيرات المناخ واحدة من أخطر التحديات التى يواجهها العالم والمنطقة العربية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة.وخطورة المشكلة تكمن فى الآثار المدمرة التى لمسناها من هذه الظاهرة.. فى الإسكندرية والبحيرة مؤخرا، عندما هطلت سيول الربيع بغزارة أغرقت الإسكندرية ، رغم استعداد الإسكندرية الدائم لاستقبال الأمطار، ولكن الأمطار الأخيرة كانت عنيفة وغير مسبوقة وعزلت أحياء وأغرقت الطوابق الأرضية للسكان، وشملت الأمطار محافظة البحيرة أيضا التى تخفض عن مستوى سطح البحر بعدة أمتار.. وكانت دهشة سكان البحيرة من قسوة الأمطار، واستمرار هطولها، والدهشة التى علت وجوههم عندما باح العلماء بأن ما حدث فى البحيرة هو طبيعى لأنها منخفضة عن مستوى سطح البحر!...........................................................
أما القاهرة فقد استقبلت درجة حرارة بلغت 43 درجة مئوية الربيع الماضي، وهو الرقم غير المعتاد أن يخيم على القاهرة، وهذا الرقم فى درجة الحرارة كان مخالفا للواقع، فالحرارة فى وسط القاهرة مع انبعاثات السيارات من الوقود المحترق، والكثيف وبسبب تشغيل أجهزة التكييف فى كل مكان، وأجهزة تكييف المؤسسات والشركات وحتى السيارات وكل الأنشطة مع المنازل جعل مؤشر البارومتر يقفز إلى ما فوق 47 درجة مئوية!! وبات واضحا اشتعال الحرائق لأسباب معروفة وغير معروفة ودائما شماعة «الماس الكهربائي» و«عقب السيجارة» هى الحاضرة فى كل مشهد.. وهو اللهو الخفي، الذى يظهر دائما فى هذا الوقت قرب بداية الجرد قبل حلول السنة المالية الجديدة ويؤكد علماء «علم المناخ» أن المستقبل هو الأسوأ وأن الظاهرتين الماضيتين سوف تتكرران كثيرا.. ولا نراها «موجة» وعدت، ولكنها قد تتكرر وبصور عنيفة!
ونعود إلى المعاناة التى يشكو منها العالم الآن على جميع المستويات مثل التسومانى (ارتفاع أمواج البحر عقب كل زلزال وتجتاح الشواطئ وتغرق البلدات المطلة عليه) وارتفاع مستوى سطح البحر وانخفاض سمك الكتلة الجليدية فى «انتركتيكا» بالقارة القطبية.
وهنا يشير العلماء إلى أن معظم موجات الحر التى اجتاحت دول العالم فى الخمسين سنة المنصرمة، جاءت بسبب الزيادة فى انبعاث الغازات الدفيئة (وفى مقدمتها أكاسيد النيتروجين والكبريت والميثان) وهى عائد نشاط الإنسان الصناعى والزراعى والخدمي، وقد بحت التقارير بأن درجة الحرارة سجلت زيادة بمقدار 0.13 من الدرجة المئوية كل 10 سنوات، ولمست المنطقة العربية زيادة متفاوتة فى حرارة الهواء السطحى سجلت 2.5 درجة مئوية ابتداء من العام 1970 وحتى العام 2004، هذه الاحصاءات صدرت من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (وتضم 10 آلاف عالم من كل الدنيا) وتتوقع الهيئة «ipcc» ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل 3 درجات مئوية بحلول عام 2100، ويصاحبها ارتفاع مستوى سطح البحر بالضرورة 0.58 من المتر! هذا إذا لم تقم الدول بتنفيذ الإجراءات الاحترازية وخفض معدلات الانبعاثات المسببة لهذه الظاهرة، يبقى السؤال بعد كل هذه الأرقام المشئومة والمتوقعة.. من هو المسئول الذى يتحمل هذه المسئولية التاريخية، الدول النامية والفقيرة (138 دولة) أم الدول الكبرى الصناعية؟! (20 دولة) وعلى رأسها أمريكا والصين (50% من الانبعاثات التى تلوث الأرض) وهل هناك دولة بمنأى عن هذا الطوفان القادم؟.. الإجابة تأتى على لسان د.محمد الراعى عضو لجنة تغيرات المناخ وعميد معهد البحوث والدراسات العليا بجامعة الإسكندرية.. بأننا كلنا فى (قارب واحد) والعديد من المناطق حسب موقعها وظروفها لها تأثيراتها المحتملة وتفاعلاتها وانعكساتها السلبية على التنمية الاقتصادية وأحد أسباب عرقلة مسيرة التنمية المستدامة، ممثلة فى صور عديدة مؤلمة مثل تهديد الأمن الاجتماعى والغذائي، وتراجع الموارد المائية، وتدهور الغطاء النباتي، وفقدان التنوع البيولوجي.. وتهديد المناطق الساحلية، والتداعيات الصحية. ونشوء الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتأثيرات تغير المناخ تأتى على الآثار والسياحة والنقل والصحة والبيئة والحياة بصفة عامة.
نكبة تغيرات المناخ على المنطقة
سوف تتعرض المنطقة العربية لبعض الكوارث الطبيعية، مثل الجفاف وشح المواد الغذائية وزيادة وتيرة الفيضانات، وانتشار الآفات وتنشط الأوبئة بالضرورة.
وقد أعدت بعض الدول العربية تقارير الإبلاغ الوطنى عن آثار تغيرات المناخ وجاء فى بلاغ تونس أن ارتفاع معدل درجة الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية.. بحلول عام 2030، سوف تزداد معه حدة الجفاف مع تقلص فى موارد البلاد المائية بنحو28%، وسوف يفقد 20% من الأراضى الزراعية، 50% من أراضى الغابات غير المروية جنوب تونس.. هذه هى نكبات تغير المناخ على تونس.
وعرض لبنان فى بلاغه الوطنى أن ارتفاع درجة الحرارة سوف يؤدى بالضرورة إلى نزوح فى المناطق الجبلية، مع توقع نقص فى الأمطار، وغمر لبعض المناطق الشاطئية والجزر الصغيرة القريبة من السواحل اللبنانية.
بينما قدم المغرب فى محتوى البلاغ الوطنى أنه بحلول عام 2020 سيكون الارتفاع المتوقع فى درجة الحرارة (ما بين 1.1و0.6) درجة مئوية وسوف يسفر عنه نقص قدره 15% فى الموارد المائية، مع توقع انخفاض الإنتاج الزراعى 50% فى سنوات الجفاف وتصل إلى 10% فى نسبة معدل هطول الأمطار الطبيعى على المغرب من الأمطار.
وعرضت السعودية توقعات فى درجات الحرارة فى فصل الصيف بين (2.2 ـ 2.7) درجة مئوية فى المناطق الشمالية، وبين (0.2 ـ 0.4) درجة مئوية فى الجنوب والجنوب الغربي، هذا معناه ارتفاع سلبى فى الإنتاج الزراعى يتراوح بين (5 إلى 25%) فى جميع المناطق، وسوف يرتفع مستوى سطح البحر بحدود نصف متر بحلول 2100، وهو ما سوف يغمر 2663 هيكتارا من الشواطيء الرملية فى المملكة السعودية.
وتوقع السودان ارتفاع الحرارة بين (1.5 إلى 3.1 مئوية) وذلك حسب الفصول مع نقصان فى الأمطار قدره حوالى 6 ملليمتر شهر، أثناء موسم الأمطار، وهو ما سوف يؤثر سلبا على الزراعة والموارد المائية والصحة العامة.
أما شمالى كردوفان فان التوقعات تشير إلى ارتفاع فى درجات الحرارة السطحية بمقدار 1.5 درجة مئوية بين عام (2030 ـ 2060) مما سيؤدى إلى انخفاض فى الأمطار بمقدار 0.5%، وهو ما يؤثر على محصول الذرة البيضاء بمقدار 70%!
ونظرة على مصر التى أعدت إعلان الإبلاغ الثالث لتغير المناخ، نجد حدوث تغيير جوهرى فى غلات المحاصيل المهمة مثل (القمح والذرة) وتآكل فى شواطيء الدلتا.. وتداخل مياه البحر المتوسط مع المياه العذبة فى منطقة الدلتا، وبعض الخلل فى النظم البيئية نتيجة تغير المناخ، وهناك ارتفاع محتمل فى منسوب سطح البحر قدره بين (0.5 إلى 1 متر) خلال المائة سنة القادمة، وهو ما يؤدى إلى غرق 30% من مناطق مدينة الإسكندرية، وترك ما لا يقل عن مليونى شخص لمنازلهم، وخسارة 195.000 وظيفة وخسائر اقتصادية كبيرة فى حال عدم اتخاذ أى إجراء فان قطاعات الزراعة، الموارد المائية، السياحة، الصحة، بل والآثار أيضا والهجرة القسرية، والطاقة.. سوف تتأثر بصورة أو بأخري.. ومعها النقل بالطبع.
أين المجلس القومى لتغيرات المناخ؟
نحن لدينا مجلس قومى لتغيرات المناخ، يرأسه د.خالد فهمى وزير البيئة وعضوية 28 عالما يمثلون كل الوزارات المعنية، ومهمتهم التعامل مع هذه الموجات العنيفة والحادة وبأسلوب التخطيط الاستباقى مدعوما بتكنولوجيا متقدمة، لأن اللجنة الدولية الحكومية لتغيرات المناخ ipcc باحثا بأن مصر والسعودية والإمارات ـ فى النموذح العالمى قد تم رصد متاعب هذه الدول من المناخ، وعرضت تسعة نماذج عن أثر تغير المناخ على المياه والأمطار فى مصر وحدها منها ثمانية نماذج تشير إلى نقص فى الأمطار بنسب تتراوح بين 15 إلى 55%، بينما نموذج واحد فقط هو المتفائل وأشار إلى زيادة الأمطار بنسبة 30% أعالى النيل.
وأشارت النماذج التسعة إلى ارتفاع متوقع فى مستوى سطح البحر يحقق زيادة قدرها 100 سنتيمتر بنهاية عام 2100، ولما قمنا بحساب هذه الزيادة ـ والكلام هنا على لسان د.محمد الراعى عضو اللجنة ـ وجدنا أنه سوف يعلو مستوى سطح البحر بمعدل 10 سنتيمترات كل عقد من الزمان، وعلى مدى المائة سنة (2100) سوف يرتفع مستوى سطح البحر بالتوقعات 100 سنتيمتر، هذا معناه معاناة المناطق المنخفضة المطلة على ساحل المتوسط من الغرق مثل مناطق أبى قير، والمنتزه، وكفرالشيخ، والسويس، ومنطقة «روميل» فى محافظة مطروح وخليج السويس لانخفاض أراضيها وبما اننا رصدنا تلك المناطق فان القرار بدأ تنفيذه بوضع الاحتياطات والتكيف، بل أستطيع إن أقول أن المواجهة بدأت منذ شهور، واتجهت إلى ظاهرة الأمطار العنيفة التى أغرقت الإسكندرية.. وعجزت شبكة الصرف الصحى على استيعابها وشرب البحر بعضها وهنا بدأنا العمل الاستباقى بألا يتكرر هذا الهدر فى مياه الأمطار ، ووضعنا الآلية والاستراتيجية للاستفادة من موجات الأمطار العنيفة المتوقع هطولها فى الشتاء المقبل وعقدنا مؤتمرات مع المشرفين على الأمر.. بعدم تكرار نزح المياه إلى الصرف وخليج المكس لقد فقدنا 8 ملايين متر مكعب أمطار شربها خليج المكس وهى كمية نحن فى أشد الحاجة إليها لإعادة تدويرها لرى صحراء المنطقة ظهير الإسكندرية الصحراوي.
تسونامى تهدد مدن السواحل
والكلام يمضى مع العالم المصرى د.محمد الراعى عن كل الخطوات الاستباقية عندما درسوا احتمال هجوم «تسونامي» على السواحل المصرية المطلة على المتوسط من جراء احتمال وقوع زلزال فى منطقة ومحيط جزيرتى كريت وقبرص وبعض جزر اليونان النشطة زلزاليا وما هى الاحتياطات؟
لقد قمنا بدعم حائط محمد على الذى انشأه منذ قرنين من الزمان لحماية الإسكندرية من تغول أمواج الأبيض المتوسط فى بعض شهور الشتاء، وأثناء حلول «النوات» (التى يقتنع بها سكان السواحل) وباتت إلى حد ما صادقة فى مواعيد هبوبها.. ولكن زيارتها باتت عنيفة.. ولم تكن أمطار الشتاء الماضى قريبة من مثيلاتها فى السابق، فنحن أمام ظاهرة تغير المناخ بوضوح لا يقبل الشك.
وأوراق التاريخ باحت بأن الإسكندرية تعرضت لتسونامى عنيف أنجب الميناء الشرقى سنة 400 ميلادية والذى كان مكانه قصر كليوباترا وبات غارقا الآن!
أوروبا وأمريكا تشكوان العواصف المصرية
والأمر الغريب فى آثار تغيرات المناخ.. عندما رصدت الأقمار الاصطناعية، هبوب العواصف الرملية والترابية من الأرض المصرية على جنوب أوروبا وولاية فلوريدا الأمريكية وهذه العواصف يتكبدون بسببها أربعة مليارات يورو سنويا، وهنا هرعت هذه الدول إلى مصر، لمساعدتها فى تدوير مياه الأمطار العنيفة ـ ولا يتم هدرها فى خليج المكس ـ وذلك بمعالجة ثلاثية تصل فيها نسبة نقاء المياه إلى 90%، لتؤكد صلاحيتها للزراعة وبناء غطاء نباتي، وحزام أخضر يطوق خصر الصحراء الغربية «والساحل» وليكون حائط صد، ويمنع بلوغ العواصف الرملية والترابية مدن الجنوب الأوروبى ولا تعبر الاطلنطى وتعكر مناخ ولاية فلوريدا الأمريكية!
هذا الاتجاه ليس بعيدا عن مؤسسات المجتمع المدني، انهم شركاء فى هذا العمل ابتداء من تجميع المياه وحتى زراعة الحزام الأخضر، إن العمل الأهلى هو شريك العمل التنفيذى الحكومي، وكلاهما يتحمل قدرا من المسئولية حسب طبيعة نشاط كل جمعية أهلية حتى تحصل على نصيبها من الدعم وتقدم نصيبها من الجهد، انها مؤتمرات المسئولية الاجتماعية بفصل مياه الأمطار عن مياه الصرف الصحي، وفى نفس الوقت تتم المعالجة الثلاثية للصرف الصحي، ويصبح الظهير الصحراوى لمنطقة الساحل الشمالى والصحراء الغربية أخضر.. يخفض من درجة الحرارة.. ويمنع عبور العواصف عبر الأبيض والاطلنطي.. يبقى أمامنا موقعان الأول سور محمد على الذى أنقذ مليون إنسان من الغرق بدعم هذا السور وتجميله، ويكون خط الدفاع للإسكندرية، ويبقى الطريق الدولى الساحلى هو خط دفاع الساحل الشمالي.. من غزو مياه البحر للمدينة.
وأمامنا بعض الجزر الصغيرة المطلة على سواحلنا، فإن بناء مصدات للأمواج العاتية وبصورة جمالية، وتشييد الكبارى على الجزر وربطها بالشاطيء كمصدات للموجات الشاذة.. من الأمور المطروحة لحماية مدن ساحل المتوسط من أثر تغيرات المناخ التى سببتها الدول الصناعية الكبري، بسبب ملوثات الصناعات الثقيلة.
الربيع الصامت.. كان البداية
منذ أربعة عقود ويزيد.. لفتت أنظار العالم السيدة «راشيل كارسون» عندما أصدرت صيحتها المبكرة فى منتصف ستينيات القرن الماضي.. وصرخت فى البرية من «الربيع الصامت» ونبهت الأذهان والرأى العالمي، والمعنيين بالهم البيئي، إلى خطورة استخدام المبيدات الزراعية التى قضت على الطيور، وماتت على أغصان الشجر، وصمتت معها «زقزقة العصافير» داخل أوكارها، وهب العالم فى ثمانينيات القرن الماضى أيضا على «تغيرات المناخ» وسخر العالم من هذه الصيحة، وخرجت أصوات تتهم أصحاب هذا القول بأن تغيرات المناخ هى عملية «ابتزاز» للدول الساعية إلى النمو.. كما سخروا من قبل من صيحة «الربيع الصامت»..
والآن .. اقتنع العالم بأن المبيدات شر ينبغى التصدى له.. وخرجت صيحات «الطعام الأخضر أو الأورجانيك».. أو الزراعة بلا مبيدات فى محاولة لنبذ المبيدات فى المزروعات والمحاصيل، كما اقتنع العالم بقضية «تغيرات المناخ» عندما باحت التكنولوجيا بأنها حقيقة وليست وهما، وارتفع مستوى سطح البحر ـ بعد 30 سنة من التحذيرات ـ بمقدار 3.2 ملليمتر. وزادت عدد الجزئيات والملوثات العالقة فى الهواء ـ والتى تسبب الاحترار وغازات الصوبة من أكاسيد (نيتروجينية وأزوتية وكبريتية وكربونية) من 340 جزءا إلى 430 جزءا من الملليمتر! من الهواء الذى نتنفسه.
أمام اللجان العلمية الآن دراسات عن تقرير الإبلاغ الوطنى الثالث. الذى تم الانتهاء منه فى مارس الماضي، وقد طرح الإبلاغ رؤية مصر 2030 فى مسار التنمية المستدامة، وقد تصدت لتغيرات المناخ وأثرها على المتوسط والأحمر.. بالوقاية والتكيف والاحتياط، وطرح كل الاحتمالات من التجارب السابقة وتجارب الدول «الواطئة» مثل هولندا.
وكيف تعاملت مع التوقعات والمفاجآت التى فى جعبة تغيرات المناخ.
اقرأ أيضاً :
=======
تعليقات
إرسال تعليق