المغتربون العرب في مصر.. شردتهم الحروب ووحدتهم "المحروسة" وتظل فرحة العيد واحدة

المصدر بوابة الاهرام
حب الوطن والارتباط به، يبدأ مع اللحظات الأولى من وعى وإدراك الإنسان بالمفردات من حوله، ويبدأ فى التكوين بحب الوطن الصغير، والمتمثل فى الأهل، ثم يتجسد فى حب البلد الوطن الأم، وعندما يتعرض الوطن لأزمة يزداد هذا الحب، بل ويتطلع صاحبه لتقديم كل نفيس من أجله، ومع موجة الثورات الربيع العربى والحروب بعدد من دول الوطن العربى، يعانى الأشخاص من الغربة والحنين الشديد لوطنهم، مع مرارة صعوبة العودة فى الوقت الحالى.


وفى إطار أن الوطن هُوَ الحُبُ الوَحِيدُ الخَالِي مِن الشَوَائِبِ، حُبٌ مَزرُوعٌ فِي قُلُوبِنَا وَلَم يصنَع، رصدت "بوابة الأهرام" بعض من مشاعر المُجبرين على مغادرة أوطانهم نتيجة للحروب الدائرة فيها، كيف يقضون عيدهم فى مصر، وما هى الطقوس التى يحرصون على الحفاظ عليها حتى يتحقق حلم العودة إلى الوطن، وإن اختلفت الجنسيات ولكن المشاعر متقاربة.

ابتسام أبو سعدة، شاعرة فلسطينية شابة، ومتزوجة من فلسطينى، وأم لطفلين، من مدينة غزة الفلسطينية المحاصرة، قالت لـ"بوابة الأهرام" إن الجالية الفلسطينية فى مصر ذابت فى نسيج الشعب المصرى، فأصبحوا لا يشعرون بأية غربة، ولم تختلف طقوس العيد فى مصر عن غزة فالتراث متقارب، حيث يقومون بتصنيع كعك فلسطينى، والذى يختلف فى طريقة العجن والمكونات عن الكعك الموجود فى مصر- وكذلك حلويات جزائرية، حيث كانت إقامتها فترة طفولتها مع أسرتها، كما أن طقوس وجبة الغذاء شبه متطابقة، حيث يقومون بطبخ الفتة الفلسطينى والتى تصنع من الرقاق بدلا من العيش، والمقلوبة والفتة والفراخ المحشية كطقس رئيسى أول أيام العيد.

وعقب أداء صلاة العيد، تتجمع الأسرة عند الأهل، ويبدأون القيام بزيارات عائلية، لتبادل التهانى بالعيد، وبالنسبة للأطفال، فلا يتنازلون عن حقهم فى ملابس العيد الجديدة بكل بنودها، وأخذ العيدية كطقس قديم.

فيما روى حسام محمد على، 42 سنة، رب أسرة مكونة من الزوجة وأربعة أبناء، ينتمى للعاصمة السورية دمشق، لـ"بوابة الأهرام" كيف ابتكر أبناء الجالية السورية فى مصر -والبالغ عددها 100 ألف سورى- طقوس جديدة تميزهم بين أبناء المجتمع المصرى، حيث يقومون بتوزيع "صرة ملابس" على الأطفال المصريين والسوريين عقب صلاة العيد بالمساجد والساحات، كما يقوم كل سورى فى الحى السكنى التابع له، بتوزيع الحلوى السورية على المصلين بالمجان، مثل "البرازق والغريبة والبيتى فور".

وأضاف، أن أعضاء الجالية السورية استاجروا ناديًا فى مدينة العاشر من رمضان –التابعة لمحافظة الشرقية، وتعد من أكبر المدن الصناعية الجديدة، وهي من أقربها لمدينة القاهرة- لتنظيم أنشطة اجتماعية وثقافية، حيث يقومون بإقامة ألعاب ملاهى مجانية للأطفال فى الأعياد، ويوزعون عليهم حلوى وشيبسي.

باقي الطقوس فى العيد، تتمثل فى زيارة الأهل والأقارب، وهو ما ينفذه حسام بزيارة إخوته، الذين انتقلوا للعيش فى مصر، ولكنه يفتقد بشدة رؤية والديه، اللذين لم يقويا على ترك سوريا، والمتوفين بالمقابر، وهو الأمر غير المتوفر بمصر، لوجودهم بالمقابر بسوريا.

واعتبر حسام، أن المصريين والسوريين الآن، أصبحوا فى مركب واحد، وعليهم مساندة بعضهم البعض، حتى فى أحلك الظروف الاقتصادية التى يعانى منها المجتمع المصرى الآن، مؤكدا، أن ارتفاع أسعار السلع أثر سلبا على تجارته لارتفاع أسعار كل الخامات المستخدمة فى الحلويات والمأكولات السورية.

دكتور فوزى الحداد، باحث سياسى ليبى، مقيم بالقاهرة، قال لـ"بوابة الأهرام" إن مصر لا يوجد بها اختلاف فى الطقوس، بالمقارنة بليبيا، سواء فى العيد أو فى رمضان، مشيرا إلى أن الليبيين، يفضلون قضاء رمضان والعيد بمصر، حتى إن هناك عائلات ليبية مقيمة بأوروبا تأتى خصيصا لقضائهم بمصر، حتى إن أعداد الجالية اقترب من نصف مليون ليبى موجود فى مصر.

ولفت الحداد، المنتمى لمدينة طبرق الليبية (شرق ليبيا) إلى أن طقوسهم بالأعياد تتمثل فى خبز الكعك الليبى، الذى يتميز بشكل مختلف فى تزيينه، حيث تجتمع العائلات سويا لعمل كعك العيد، كما أن كل مدينة ليبية تشتهر الأكلة محددة صبيحة كل عيد، حيث تشتهر مدينته طبرق بعمل "مجعصة" وهى عبارة عن خليط من الدقيق المعجون والمخصص للإفطار صباح أول أيام العيد، وتعد وجبة شعبية.

وأشار إلى أن الليبين فى مصر، خلال فترة الأعياد، ينظمون جولات ترفيهية فى الأعياد لزيارة بعض الأماكن التاريخية والدينية، مثل شارع المعز والقاهرة الفاطمية ومنطقة الحسين، مؤكدا، أن الحميمية الموجودة داخل المجتمع المصرى، قللت من وقع الغربة عليهم، حتى إنهم يقومون بممارسة جميع عاداتهم الغذائية والاجتماعية، ويقومون بعمل مبادرات تربوية وعائلية، كما قاموا بعمل تكوينات حضارية خاصة بهم من تجمعات ثقافية واجتماعية، وأقاموا مطاعم لتقديم الطعام الليبى، فضلا عن تمتعهم بأهم شىء كانوا يفتقدونه، منذ اندلاع الحرب فى وطنهم، وهو عنصر الأمن والأمان.

فيما قال محمد سبأ، الفنان التشكيلى اليمنى، المقيم بالقاهرة لـ"بوابة الأهرام" إن العيد في اليمن له نكهة خاصة، حيث تقوم النساء بتجهيز الكعك وحلويات العيد في المنزل، ويبدأن هذه العملية قبل العيد بيومين أو ثلاثة، ويشتري الأهل الزبيب والمكسرات والعصائر المختلفة، استعدادا لتقديمها للضيوف من الأهل، والذين يتجهون بعد صلاة العيد إلى الزيارات العائلية من الأهل والأقارب، ويتبادلون الكلام والتهاني بالعيد، ويجلس الأهل مع بعض في العيد، ويكون فرصه لالتقاء الأطفال من الأهل واللعب مع بعض.

وأضاف سبأ، أن هناك عادات أخرى تتميز بها اليمن، حيث يقدم الرجال مبلغًا من المال للنساء، وذلك عند اكتمال الزيارة والخروج من المنزل، وتسمى بـ"العوادة" وهي عادة في أغلب محافظات اليمن، حيث يعطي الرجال للنساء المال كنوع من التعاون بين الأهل، تقديرا لمجهودهن، واحتراما لهن، وتعبيرا عن الحب والتعاون بين الأسرة، كل على حسب استطاعته، ويكمل الرجال زيارة جميع الأهل، ولا مفر من ذلك في العيدين الفطر والأضحى، حيث لابد من زيارة الأهل، وهذا شيء أساسي في العيد، ويعتبره اليمنيون واجبًا دينيًا لتفقد وزيارة الأقارب، والاطمئنان عليهم، مهما كانت الظروف، فإن الرجال يعتبرون من العيب أن لا يزور الأقارب في أيام العيد، وغالبا ما تكون الزيارات في أيام العيد الثلاثة الأولى.

وكذلك من أهم ما تقوم به العائلات اليمنية في أيام العيد، هو الاحتفال مع العائلة بفرحة العيد، فيتجهون مع الأطفال للاحتفال بالعيد في الحدائق والمتنزهات، ويزورون المحافظات الأخرى لقضاء الإجازة في أماكن مختلفة، كزيارة المدن الساحلية والاستمتاع بالبحر، أو زيارة المناطق الجبلية الخضراء، ومشاهدة المناظر الجميلة والمتنزهات، كما يجتمع الرجال أيضا في مجالس الأصدقاء والجيران فترة بعد العصر إلى قبل المغرب، ويتبادلون شرب القهوة والشاي.

وعند الانتقال للإقامة بمصر، يتجسد الاحتفال بالعيد فى زيارة الأصدقاء والزملاء، وغالبا ما تنظم الجالية اليمنية رحلات جماعية إلى الحدائق باجتماع الزملاء من الطلاب والعائلات المتواجدين في مصر، ويمارس اليمنيون العيد مع المجتمع المصري، ويزورون الحدائق والمتنزهات، ويزورن المحافظات الأخرى، مثل الإسكندرية والغردقة والأقصر، وينظمون رحلات جماعية أو منفردة، كما يتبادلون الاتصالات مع الأهل في اليمن لتهنئتهم بالعيد.

تعليقات

المشاركات الشائعة