صراعات المياه تُلبد سماء "حوض النيل".. ومصر تتطلع لـ "حسن النوايا" في "كامبالا"
المصدر بوابة الاهرام
تذهب مصر إلى العاصمة الأوغندية كامبالا، وقد ملأت جعبتها بحمل ثقيل من ملفات قضايا المياه، التي طالما شغلت فكر مواطنيها، لتضعها على طاولة اجتماع قادة دول حوض النيل، المقرر عقده نهاية الأسبوع الجاري، متطلعة إلى تبديد رياح "شُح المياه" التي لبدت سماءها، قادمةً من الجنوب.
إلى "قمة كامبالا" يمضي الوفد المصري، بعد 7 سنواتٍ عجافٍ غابت خلالها مصر عن دفء الحضن الإفريقي، بتجميد عضويتها في مبادرة حوض النيل، اعتراضًا على توقيع ست دول من حوض النيل منفردة على الاتفاقية الإطارية لإعادة تقاسم حصص مياه النهر، في مدينة عنتيبي الأوغندية، ضاربين بحقوق مصر التاريخية، التي تكفلها معاهدات دولية "عرض الحائط".
تأتي الاستجابة المصرية لحضور قمة "رؤساء دول حوض النيل"؛ لإيجاد صيغ توافقية، تتبدد معها شواغل القاهرة من توجهات عدد من دول حوض نهر النيل تجاهها، والتي تتمثل في السعي إلى إنشاء عدد -ليس بالهين- من السدود على مجرى النهر "العجوز"، أو التشدد الواضح لإعادة تقاسم وتوزيع مياه النيل، بطريقة ذهبت معها "اجتماعات التفاوض" على مستوى الوزراء "أدراج الرياح".
تصعيد قضايا المياه إلى المستوى الرئاسي، لا يوجد له سوى تفسير واحد، هو أن القضايا المتعلقة بمجالات المياه، أصبحت لا تتعلق بالجوانب الفنية فقط، ولكنها اتخذت بُعدًا سياسيًا، ربما تسببت في ظهوره دول إقليمية، أرادت تصفية حساباتها مع مصر، واستغلت فيه عوز دول القارة السمراء كذريعة لتحقيق أهدافها الشيطانية في المنطقة، وباتباع تلك الدول هذا النهج، أصبح وضع قضايا المياه لا يحتمل التأجيل، ولا ينفع معه التسويف، ولم يعد من المُجدِ إعطاء دول الحوض ظهرها لمثل دعوات الحوار.
السعي الإفريقي لإعادة مصر إلى قلب القارة السمراء لم يأتِ من فراغ، ولكن بسبب دبلوماسية مصرية ناجحة على المستوى القاري والإقليمي، استطاعت من خلالها مصر إقناع عدد من دول نهر النيل بقضاياها وشواغلها المائية، فضلا عن استجابة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقف تمويل مشروعات التنمية في دول نهر النيل، لحين التوصل إلى صيغة توافقية في قضايا المياه المشتركة، بما لا يتسبب في ضرر لدول أخرى.
باتهامات متبادلة ستجلس دول حوض النيل إلى طاولة الحوار، التي ستعرض عليها كل منها ما يدور بفلك أفكارها، وبدورها ستضع مصر عليها أوراق"حسن النية" التي قدمتها، ومرونتها في تفاوضها مع دول نهر النيل حول القضايا المائية.
بالطبع سيتردد اسم "سد النهضة" الإثيوبي بقوة، في اجتماع قادة دول حوض النيل، كأحد أكبر "الشواغل" المصرية من جهة، وكأحد أبرز مشروعات التنمية في إثيوبيا من جهة أخرى، ورغم تحفظ مصر على بنائه؛ لأنه -وفقًا لخبراء- سيؤثر على حصتها المائية، إلا أنها أبدت مرونة خلال جولة المفاوضات الطويلة مع إثيوبيا.
وعندما منع تعنت أديس أبابا سريان مفاوضات سد النهضة، الذي لم تتخل عنه خلال رحلة التفاهمات، ألقت مصر حجرًا في "المياه الراكدة"، بالتوقيع على إعلان المبادئ بالخرطوم في 2015، إعلانًا منها بعدم معارضة إثيوبيا في توجهها نحو إنشاء مشروعات تنموية عملاقة، شريطة عدم الإضرار بمصالح القاهرة المائية، إلا أن استمرار تعنت أديس أبابا تجاه الشواغل المصرية فيما يتعلق بالأمور الفنية المتعلقة بالسد، دفعت المفاوضات للوصول إلى طريق مسدود.
ستواجه مصر في "قمة كامبالا" اتهامات، ترددت على مدى سنوات طويلة، وكانت سببًا في توقيع اتفاق عنتيبي، أظهرت من خلالها إحدى دول الحوض-وربما أكثر- من خلال هذه الاتهامات دولة المصب في صورة الـ"معتدية" على نهر النيل، وأن لها "وصاية" على كامل النهر، نظرًا لنصوص معاهدات دولية تُلزم دول الحوض بضرورة موافقة مصر والسودان على أي مشروعات تقام على النيل، فضلا عن الترويج لاستحواذ مصر على "نصيب الأسد" من مياه هذا النهر، بموجب اتفاقيات دولية، تراها الآن عدد من دول حوض النيل "استعمارية"- بحسب وصف وسائل إعلام إفريقية- ولا يجب الاستمرار في الالتزام بها.
دفاع مصر عن نفسها لمواجهة هذه الاتهامات لن يكون بالاسترسال، أو مبادلة الدول بإلقاء الاتهامات جزافًا، ولكنه دون شك سيُبنى على معلومات وحقائق، تؤكد أن 1561 مم من الأمطار تسقط على بحيرة فيكتوريا، و2400 مم من مياه الأمطار تروي مراعي إثيوبيا، لم تشفع لعدم وضع "مياه المصريين" بين "مطرقة" سد النهضة، و"سندان" اتفاق عنتيبي، بينما لا يتعدى متوسط هطول الأمطار على مصر في أفضل حالاتها 200 مم، بما يعد "ابتزازًا" مائيًا لمصر.
وستدفع مصر في حجتها أيضًا، أن دول حوض النيل التي ترى أن حصة مصر "الثابتة" من مياه النهر والبالغة 55.5 مليار م3 تعد "نصيب الأسد"، تعمدت ألا ترى أن ما يتجاوز1600 مليار م3 من الأمطار تسقط على القارة، كافية لتلبية احتياجات شعوب إفريقيا، فضلا عن تغاضي هذه الدول -عمدًا أو سهوًا- عن أن مناخها الذي ترتفع نسبة الرطوبة به يساعدها على عدم فقدان المياه بصورة كبيرة بالبخر، على عكس مناخ مصر الذي يتسبب في تبخر المياه بنسبة تصل إلى 10%، بالإضافة إلى أن دولًا عدة بحوض النيل تجري في "عروق أراضيها" فروع عديدة للنيل، على عكس مصر التي لا يجري في عروقها سوى "شريان واحد"، اسمه نهر النيل هو مصدر حياتها.
النقاط الخلافية بين مصر ودول الحوض، بدت في صورة اتهامات متبادلة بين أشقاء القارة السمراء، رغم أنها لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ويمكن الوصول لحلول لها إذا صدقت نوايا دول نهر النيل لذلك، لتصبح "قمة كامبالا" الفرصة الأخيرة لإعادة ميزان "العدل المائي" في دول حوض النيل إلى نقطة الاتزان من جديد، دون إفراط أو تفريط، بوضع جميع مصادر المياه في الاعتبار، والحفاظ على الحقوق التاريخية لدول المصب، انطلاقًا من قواعد الانتفاع المشترك بين الدول دون استئساد، ورغبة في تنفيذ مشروعات تنموية تستقطب فواقد جريان النيل، وتجميع مياه الأمطار، في اعتراف يشهد عليه العالم، برغبة شعوب حوض النيل في استمرار "معزوفة النهر الخالد".
تعليقات
إرسال تعليق