تهويد القدس.. هدية واشنطن إلى بيونج يانج!
المصدر الأهرام . قضايا و آراء . ماجد حبتة . ahram.org.eg
ردود الأفعال الشفهية لم تعد تكفي، وضريبة القرارات الجائرة لا ينبغي أن تكون لفظية، وما عادت تجدي اللاءات، الاستنكارات، الإدانات، أو بيانات الرفض والشجب. والخير هو ما فعلته مصر، مع 7 دول، بدعوة مجلس الأمن إلى عقد جلسة طارئة، لبحث تداعيات اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقراره نقل سفارة بلاده إلى المدينة المحتلة، حتى وإن انتهت الجلسة، المقرر انعقادها اليوم الجمعة، إلى لا شيء!.
الرومانسية الزائدة قد تدفعك إلى أن تتذكر تعهدًا جماعيًا قطعته الدول المشاركة في القمة العربية بعمّان سنة 1980 بـ«قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة تقوم بنقل سفارتها إلى القدس». وتكون متفائلًا، زيادة عن اللازم، لو طالبت (أو انتظرت) أن تطرد الدول العربية والإسلامية القواعد العسكرية الأمريكية من أراضيها.
ولست واقعيًا إن طالبت أو حرّضت على إلغاء صفقات سلاح أو التوقف عن إبرام المزيد. والمستحيل بعينه هو أن تنصح ببيع السندات السيادية الأمريكية وشراء سنداتٍ أوروبية أو آسيوية بدلًا منها. ولا أتمنى أن تقودك أوهامك إلى انتظار فك ارتباط عملات بالدولار، أو أن يحل مصطلح بترويورو، بترويوان، أو بتروروبل محل بترودولار، بمعنى أن تكون صادرات النفط بالـ«يورو»، «اليوان» أو «الروبل»!. لا حاجة إلى ردود أفعال رومانسية، تفاؤلية، غير واقعية، مستحيلة، أو وهمية، ضد قرار ينتهك الشرعية الدولية، ويتحدى الأمم المتحدة، بمجالسها وهيئاتها، ويخرق القانون الدولي. وتكون مخطئًا لو تعتقد أن الرئيس الأمريكي تحدى بقراره العرب أو المسلمين فقط. وهنا يكمن الخير وتأتي أهمية دعوة مجلس الأمن إلى عقد جلسة طارئة، لأن انتهاءها إلى لا شيء سيؤكد أن قرارات الأمم المتحدة، بمجالسها وهيئاتها، غير ملزِمة (بكسر الزاي) وأن انتهاكها أو خرقها لا يُفضي إلى عقوبات إلا حسب الهوى.
والإشارة هنا مهمة إلى أن شيئًا لم يحدث، ولم يصدر أي رد فعل، ولو مجرد إبداء القلق، حين أعلن «ترامب» مرارًا وتكرارًا، في حملته الانتخابية، أنه سيقاوم «أي محاولة من الأمم المتحدة لفرض إرادتها على إسرائيل»!. الوضع القانوني لمدينة القدس يقول إنها تحت الاحتلال، الأمر الذي لا يجيز إحداث أي تغيير فيها، بنص القانون الدولي، الذي يحظر أيضًا على الدول شراء أو استئجار أراضيها. وهكذا، يكون ترامب قد انتهك القانون الدولي وخرق قرارات عديدة أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وكذا القرارات الصادرة عن مجلس الأمن: القرار رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967 الذي نص على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة بعد 5 يونيو 1967 وبينها القدس الشرقية. والقرار رقم 478 لسنة 1980 برفض قرار الحكومة الإسرائيلية بضم القدس واعتبارها عاصمة أبدية لدولة إسرائيل. والقرار رقم 2334 لسنة 2016 بشأن عدم اعتراف المجلس بأي تغييرات تجريها إسرائيل على حدود ما قبل سنة 1967 بغير طريق المفاوضات. صفعة «ترامب» التي هوت على خد الشرعية الدولية، الأيمن، سبقتها صفعات من سابقيه تناوبت على الخدين. ويكفي كي تنفجر ضحكًا أن تتذكر أنه بعد وعوده المتكررة بمقاومة أي محاولة من الأمم المتحدة لفرض إرادتها على الإسرائيليين، اعتلى منبر جمعيتها العامة، في 19 سبتمبر الماضي ليدّعي أن «لا أحد أظهر ازدراء للعالم أكثر من نظام كوريا الشمالية». لكنك قد تنفجر غيظًا، حين تراه يفي بوعده وينتهك قرارات عديدة، دون أن يقع تحت طائلة العقوبات التي طالت الدولة التي هاجمها، لمجرد أنها انتهكت قرارًا واحدًا، تم احتسابه ثمانية، لتكرار مرات صدوره منذ 2006، بزعم أن «امتلاك كوريا الشمالية لأسلحة نووية يمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين»، وكأن امتلاك الإسرائيليين، مثلًا، للأسلحة نفسها يمثّل فيلمًا كوميديًا!.
ما الذي يدفعنا إلى الالتزام بقرارات أعدتها (أو طبختها) الولايات المتحدة، وتبناها مجلس الأمن، تفرض عقوبات على كوريا الشمالية؟!. لماذا نشارك في الحظر المفروض على صادراتها ونمتثل للقيود الموضوعة على شحنات المنتجات النفطية المتوجهة إليها، ونوافق على تفتيش سفن الشحن القادمة والمغادرة لموانيها، ونعلّق إصدار تصاريح العمال الذين يحملون جنسيتها؟!. لماذا ننصاع للولايات المتحدة (ولا تقل مجلس الأمن) في فرض عقوبات قاسية، غير شرعية وغير عادلة، لم يسبق أن تم فرضها أو التلويح بفرضها على دول أخرى انتهكت القرارات نفسها؟!. منتهى العبث أن نستمر في مشاهدة فيلم هابط تلعب فيه الأمم المتحدة دورين، نراها في أحدهما قادرة على الفعل وفرض العقوبات،
وفي الثاني تحقق نبوءة الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر دول «عدم الانحياز» سنة 1955، بأنها مجرد نادٍ يذهب إليه المندوبون ليشربوا الشاي ويلعبوا بالكلام بدلًا من أن يلعبوا بالورق!. ونتمنى ألا يكون اللعب بالكلام هو غاية الاجتماع الطارئ الذي سيعقده، غدًا السبت، وزراء الخارجية العرب!.
رد الفعل الأنسب، إذن، على قرار «ترامب» هو أن نرد الخرق بالخرق، وألا نعترف بالقرارات الصادرة ضد كوريا الشمالية. ولا مانع من أن نصفق لـ«بيونج يانج» حين تعلن خارجيتها أن «العالم سيشهد كيف تروض جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية رجال العصابات الأمريكيين».
وبهذا الشكل، تكون «واشنطن» بتهويدها للقدس قد قدمت إلى «بيونج يانج» هدية غالية، غالية جدًا، تستوجب أن يخرج كيم جونج أون، ليوجّه الشكر والتحية إلى نظيره الأمريكي!.
تعليقات
إرسال تعليق