عبد المنعم أبو الفتوح.. سقوط ذراع الإخوان الخفية
المصدر الأهرام . ahram.org.eg . أخبار الاخوان
حصان طروادة فى قبضة العدالة بأدلة دامغة تكشف حقيقة دوره
سبعة اتهامات على الأقل، أبرزها التخطيط لإثارة الفوضى فى البلاد، وتنفيذ سلسلة من عمليات الإرهاب والعنف، وأعمال التخريب ضد مؤسسات حيوية، بالتوازى مع بث الشائعات وإذاعة الاخبار الكاذبة، لإثارة مشاعر المصريين، تواجه القيادى الاخوانى عبد المنعم أبو الفتوح فى التحقيقات التى بدأتها معه نيابة امن الدولة العليا قبل يومين، من شأنها أن تعيد «ذراع الجماعة الخفية» من جديد إلى غياهب السجون، بعد سنوات من الخديعة، سعى خلالها الى تقديم نفسه إلى الرأى العام فى مصر، باعتباره أحد المناهضين لمنهج العنف الذى انتهجته جماعة الإخوان خلال الفترة الماضية، وهيمنة ما يسمى «التيار القطبي» على صناعة القرار بها.
والحقيقة أن هذه الصورة التى سعت الجماعة لتكريسها عبر سلسلة من المناورات المفضوحة، لم تقنع كثيرا من المراقبين والمحللين الذين ظلوا ينظرون الى أبو الفتوح باعتباره «حصان طروادة» الذى اخترقت من خلاله الجماعة الإرهابية المشهد السياسى المصرى فى أعقاب ثورة يناير، إذ ظل كثير من المراقبين ينظرون الى قرار مجلس شورى جماعة الاخوان الصادر فى يونيو من عام 2011 بفصل عبد المنعم أبو الفتوح، باعتباره مناورة تكتيكية نفذتها الجماعة حينذاك، ولعب أبو الفتوح نفسه دورا كبيرا فيها، من أجل الوصول الى المقعد الرئاسي، وذلك عبر ايهام الرأى العام فى مصر، بانشقاقه عن الجماعة، ومن ثم طرح نفسه كوجه مدنى فى مواجهة مرشحين آخرين محسوبين على ثورة يناير، بهدف تشتيت الأصوات الانتخابية، وافساح المجال فى مرحلة الحسم لمصلحة المرشح الحقيقى لجماعة الاخوان محمد مرسي، لتجد قوى ثورة يناير نفسها فى مواجهة معادلة صعبة، اما التصويت لمصلحة الجماعة التى ارتدت مسوح الرهبان، وقدمت نفسها فى غير مناسبة عبر استراتيجية «صناعة المظلومية» للرأى العام المحلى والعالمي، واما إعادة انتاج نظام مبارك، بالتصويت لمصلحة رئيس الوزراء الأسبق احمد شفيق، بينما كانت الشوارع تمور بالثورة والغضب، على مجمل سياسات نظام مبارك، الذى شهد فى السنوات العشر الأخيرة قبل رحيله، هيمنة حفنة من رجال المال والانتهازيين فى صناعة القرار فى المطبخ السياسي.
منذ انسحابه العلنى من المشهد السياسي، فى اعقاب ثورة 30 يونيو، وتردده المستمر على عدد من العواصم الغربية، وتحركات أبو الفتوح تثير العديد من علامات الاستفهام، خصوصا فى ظل المواقف السياسية التى أعلنها حزبه المسمى «مصر القوية» الذى تأسس فى نهايات العام 2012، والذى كان يضم بين قيادات مكتبه السياسى وجوها ليبرالية ويسارية وإسلامية مستنيرة، كانت دائما ما تصب فى نهاية الأمر فى مصلحة جماعة الاخوان، قبل أن يعلن الحزب عن انتماءاته على نحو صريح، بإدانة العمليات الأمنية التى استهدفت فض اعتصامى رابعة والنهضة فى أغسطس من عام 2014، والبدء فى الترويج لسلسلة الأكاذيب التى اطلقتها الجماعة عقب عملية الفض، وهى الأكاذيب التى لم تتوقف عند هذا الحد، بل ذهبت إلى تبنى كثير من الشائعات وترويجها فى أوساط طلابية وشبابية، حول ما يطلق عليه الحزب والجماعة «الاختفاء القسري» وحملات الدهم التى يتعرض لها سياسيون، وعشرات آلاف من المعتقلين فى السجون المصرية، وهى الأكاذيب التى دحضتها العديد من المنظمات الموثوقة المعنية بحقوق الانسان، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى غير مناسبة عدم صحتها، مؤكدا عدم جود أى معتقل سياسى فى السجون المصرية، وأن هناك إجراءات عادلة للتقاضى تتم فيها مراعاة كل الإجراءات القانونية.
يبدو عبد المنعم أبو الفتوح فى نظر كثير من المحللين ومن بينهم منشقون عن جماعة الاخوان قبل سنوات بعيدة، اقرب ما يكون الى «بندول الساعة» لا تستطيع ان تحدد له موقفا واضحا، فهو اليوم مع جماعة الإخوان، وغدا ضدها، لكنه فى كل الأحوال «لم يترك الجماعة فى يوم» حسبما يقول القيادى الاخوانى المنشق ثروت الخرباوى الذى يقول على نحو مباشر:» أبو الفتوح لم يترك الجماعة، ولا يزال على اتصال بالتنظيم الدولي، لأنه يرى أنه أحق الناس بقيادة الجماعة».
لم يكن قد مر على وصول عبد المنعم أبو الفتوح من العاصمة البريطانية لندن، سوى وقت قصير، عندما دهمت قوات الأمن منزله الكائن فى التجمع الخامس مساء الأربعاء الماضي، ليتم اقتياده إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق معه فى اتهامات، من شأنها ان تقضى على ما تبقى من أحلامه، سواء داخل الجماعة التى كان يسعى جاهدا على مدى سنوات للقفز على مقعد مكتب الارشاد بها، على ما يعنيه ذلك من سطوة ونفوذ إقليمى ومحلي، او على مستوى نجاحه فى مهمته التى بدأها منذ القرار المسرحى بعزله من الجماعة فى يونيو من عام 2011، وما صاحب ذلك من خيالات بالوصول ذات يوم الى مقعد الحكم فى البلاد.
ربما لم يكن أبو الفتوح نفسه يتوقع ان يواجه بمثل ما شاهده فى مقر نيابة امن الدولة، اذ كان كل شيء موثقا بدقة وعلى نحو لا يمنح فرصة لإنكار، بدءا من لقاءاته المسجلة بالصوت والصورة، مع قيادات التنظيم الدولى للجماعة، وليس انتهاء بلقائه مع جمال حشمت وحسام الشاذلي، القياديين الهاربين إلى تركيا، والاثنان يعدان من العقول المدبرة لعدد من العمليات الإرهابية التى ضربت البلاد خلال الفترة الأخيرة، فضلا عن العديد من العمليات التى استهدفت رجال الجيش والشرطة والقضاة، والمخطط حسبما بدا واضحا: إثارة البلبلة فى البلاد، بالتوازى مع قيام مجموعات إرهابية مسلحة بأعمال تخريبية، ضد عدد من المنشآت الحيوية، بهدف إيجاد حالة من الفوضي، تعلق الجماعة آمالا عريضة عليها فى العودة من جديد إلى صدارة المشهد السياسي! المعلومات التى أكدها جهاز الأمن الوطنى التى بنى عليها قرار التوقيف الصادر بحق أبو الفتوح، كانت تشير بوضوح إلى المخطط الكبير الذى شرع عبدالمنعم أبو الفتوح فى تنفيذ محوره الأول، عبر محاولات التغلغل فى الأوساط الطلابية والسياسية، بهدف التأثير عليهم، وقد بدأت أولى مراحل تنفيذ هذا المخطط، بالمقابلة التى أجراها أبو الفتوح مع القيادى الإخوانى لطفى السيد على محمد، بالتنسيق مع عدد من الكوادر الإخوانية العاملة بقناة «الجزيرة» فى لندن، والتجهيز لظهوره على شاشة القناة فى حوار مفتوح، يتخذ كمنصة لترويج الأكاذيب والادعاءات، لاستثمارها لاحقا عبر شبكات التواصل الاجتماعى وغيرها، فى استكمال تنفيذ المخطط عقب عودته للبلاد .
التحقيقات التى تجريها نيابة أمن الدولة العليا، سوف تكشف العديد من المفاجآت الى جانب ما تم كشفه خلال الساعات الماضية، وجميعها سوف توضح تفاصيل وملامح الدور الخفى الذى لعبه «حصان طروادة» الاخواني، ومن خلفه حزبه «مصر القوية» فى دعم مخططات الجماعة الإرهابية، لنشر الفوضى بالبلاد، وهو الدور الذى يواجه بسببه أبو الفتوح حاليا، اتهامات تتعلق بنشر وإذاعة أخبار كاذبة، من شأنها الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، وتولى قيادة بجماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصيةِ للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، ومشروعية الخروج على الحاكم، وتغيير نظام الحكم بالقوة، والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر.
المؤكد أن الضربة التى وجهها جهاز الأمن الوطنى للجماعة، بتوقيف أبو الفتوح، لم تكن فى الحسبان، ويبدو انها اربكت الجماعة على نحو لم تتحسب فيه، لأنها قد تفضح بنفسها الدور الذى لعبه رجلها على مدى اكثر من سبع سنوات، كان خلالها حسبما قالت الجماعة فى يونيو 2011 مفصولا ومطرودا من الجنة، فبعد ساعات قليلة من إعلان قرار الحبس، خرجت جماعة الإخوان ببيان يبدو عليه الارتباك، تعلن خلاله تضامنها مع أبو الفتوح، ونائبه محمد القصاص، ربما من دون ان تدرى أنها بهذا البيان تفضح الدور المشبوه الذى لعبه رئيس حزب مصر القوية، وضلوعه مع قيادات الجماعة فى نسج مؤامرة تستهدف الوطن وأمن المواطنين، .
التحقيقات التى تجرى مع أبو الفتوح من المؤكد انها لن تتوقف عن حد الدور الذى لعبه على مدى السنوات الماضية فى التخطيط والتوجيه والتكليف لتنفيذ سلسلة من الاعمال العدائية للدولة المصرية، وهو ما تؤكده العديد من الوثائق التى عثر عليها فى بيته، من بينها محاور التكليفات الصادرة له بالعمل على الحشد، وتضخيم الأزمات، لكنها حتما سوف توجه الأنظار إلى حزب مصر القوية الذى يترأسه، وهل هو بعيد عن الاتهامات الموجهة لرئيسه وما دوره مع جماعة الإخوان الارهابية؟.
الحزب من جانبه قرر تعليق أعماله بعد القبض على أبو الفتوح، وهو قد يشى بوضوح الى اتفاق ضمنى بين ما ينفذه أبو الفتوح وبين الحزب، فمواقف أبوالفتوح وتصريحاته التى يطلقها دائما ما تنتهى بصفته رئيسا لحزب مصر القوية، وهو ما يجعل حزبه أيضا يخرج عن إطار النشاط السياسي، إلى اعتباره ذراعا تستخدم فى خدمة أغراض جماعة الاخوان، وهنا يبدو التساؤل مشروعا عن مصادر تمويل الحزب، الذى لا يضم حسبما هو معروف بين صفوفه أيا من رجال الأعمال، كى ينسب لهم إسهامهم فى تمويل الحزب، فمن أين ينفق الحزب إذا على نشاطاته ومصروفات مقاره المختلفة؟.
من المؤكد أن قضية عبدالمنعم ابوالفتوح سوف تشهد تورط شخصيات أخرى والكشف عن دورهم الحقيقى فى المخطط الذى حاولت من خلاله الجماعة الارهابية استغلال فترة الانتخابات الرئاسية، لتنفيذه وإثارة الفوضى والبلبلة داخل البلاد و هو الأمر الذى تعمل عليه أجهزة الأمن لكشف أبعاد المخطط.
تعليقات
إرسال تعليق