«مناهج الطب الجديدة».. مواد كثيرة وضغوط كبيرة لكن «دراسة بجد»
مريم علاء وأحمد حسن
المصدر الوطن . elwatannews.com . أخبار الطب . أخبار التعليم
المصدر الوطن . elwatannews.com . أخبار الطب . أخبار التعليم
داخل غرفة باردة، تفوح منها رائحة مادة «الفورمالين» النفاذة التى تزكم الأنوف وتستخدم لحفظ الجثث، وقف طلاب الفرقة الأولى بطب قصر العينى يستمعون إلى شرح الدكتور المحاضر، وكان بعضهم يتفقد الجثث الممددة أمامهم على السرير، محاولين استكشافها، بعدما ألفوا الوضع والرائحة، وما إن انتهى «سيكشن التشريح» حتى هرول الجميع إلى المبنى المقابل للمشرحة، للحاق بمحاضرة «الفارما» أو ما يعرف بـ«علم الأدوية»، التى دائماً ما تتجاوز مدتها 90 دقيقة.
على السلالم المؤدية لمبنى المحاضرات وقفت مريم علاء، وهى طالبة بالفرقة الأولى، درست فى مدارس حكومية قريبة من مسكنها بمحافظة الجيزة، ولم يمض على التحاقها بكلية الطب سوى «تيرم واحد»، تحكى عن تجربتها مع نظام المناهج الجديدة، الذى يتم تطبيقه للمرة الأولى، حيث أصبحت الدراسة فى الكلية بنظام الخمس سنوات وسنتين امتياز، بدلاً من 6 وواحدة امتياز، قائلة: «أكتر حاجة بتسبب لنا أزمة هى الكم الكبير للمناهج فى وقت قصير، يعنى مثلاً السنين اللى قبلنا كانوا بيدرسوا فى التيرم الواحد أربع مواد، لكن دلوقت إحنا بندرس 8 مواد»، مشيرة إلى أن بعض المواد كانت تدرس للفرق الأكبر ثم قررت عليهم: «يعنى مادة زى الفارما دى أصلاً كانت عند سنة تالتة، بس نزلت لنا السنة دى».
"مريم": "كم المادة العلمية كبير وبناخد فى التيرم 8 مواد بدل 4".. و"أحمد": "الدكاترة" لا ينتبهون لأن المقررات تعتمد على مواد أخرى لم ندرسها
رغم تلك المساوئ والضغط الكبير الذى تتحدث عنه «مريم»، إلا أن هناك بعض الجوانب الإيجابية التى لا يمكن إغفالها، حيث نمّى النظام الجديد عند الجميع روح التعاون: «النظام حقق التكامل وبقى فيه نظام البريزنتيشن اللى ماكانش موجود قبل كده»، مضيفة أنه أصبح بإمكانهم النزول إلى المستشفيات ومراقبة الطبيب وهو يعاين المرضى: «ده طبعاً مفيد لينا جداًَ وبيخلى المعلومة تثبت ومابقتش الدراسة كلها نظرى».
لا يختلف الوضع كثيراً داخل أروقة كلية الطب، جامعة عين شمس، فأمام قاعة المحاضرات بالطابق الثانى، جلس بعض طلاب الفرقة الأولى، أثناء فترة الاستراحة يتبادلون شرح بعض المحاضرات، وعلى مقربة منهم وقف أحمد حسن، وهو يحمل حقيبته الممتلئة بالكتب والملازم فوق ظهره، بينما استقر البالطو الأبيض فى راحة يده اليمنى، ليسأل أحد المحاضرين، الذى بدا أنه على عجلة من أمره، عن بعض المعلومات، التى لم يستوعبها فى مادة «الميكروبيولوجى»، وهى المادة المتعلقة بدراسة «الأحياء الدقيقة الميكروسكوبية والمناعة»، ومن المقرر أن يتم عقد امتحانها الأسبوع المقبل.
«هنا فى جامعة عين شمس الامتحانات دورية بعد انتهاء كل مديول»، هكذا قال «أحمد»، الذى يقطع يومياً مسافة كبيرة من مسكنه بمنطقة إمبابة ليصل إلى كليته فى العباسية، ثم جلس فوق أحد المقاعد الخشبية يرتب أغراضه قبل أن يهم بالرحيل، بعد انتهاء اليوم الدراسى الطويل.
بدأ الطالب فى شرح ما يلاقونه من معاناة منذ تطبيق النظام الجديد، قائلاً: «المشكلة إن الدكاترة بيشرحوا لنا المواد الجديدة اللى اتضافت علينا واللى أغلبها من سنة تالتة على أساس إننا فاهمين، وإحنا مش مستوعبين لأن المعلومات اللى بيقولوها لينا مترتبة على حاجات تانية إحنا لسه مخدنهاش، والجامعة لم تنتبه لذلك».
"نيرمين": الامتحانات كثيرة جداً لكنها مفيدة.. و"محمد": مشكلتى مع امتحان مزاولة المهنة.. و"فارس": نظام التدريس لا يؤهل الطلاب لخوض الامتحانات
إلى جوار «أحمد» جلست يارا عبدالرازق من محافظة القليوبية، وتقيم فى المدينة الجامعية للطالبات، والتقطت أطراف الحديث، قائلة: «لا تختلف أزمتى كثيراً عن زميلى لكنى استطعت التغلب عليها بالالتحاق بالكورسات التى يقدمها عدد من المعيدين فى بعض المواد رغم ارتفاع أسعارها».
وأضافت: «أول كام يوم كده كنت تايهة، ومش عارفة حاجة، لحد ما سألت الناس اللى أكبر منى ونصحونى أحضر كورسات لحد ما أحس إنى فاهمة الدنيا، وبقيت ألجأ للدكاترة فى بعض الحاجات البسيطة»، وتابعت أن النظام الجديد ربط جميع المواد ببعضها: «من كلام الدفعات اللى قبلنا وإنهم كانوا بيدرسوا نظرى لحد سنة تالتة، حسيت إننا بناخد طب بجد، يعنى دلوقت بندرس باثولوجى اللى هو علم الأمراض، وبناخد معاها مادة فارما الخاصة بالأدوية والعلاج، وده بيثبت المعلومة عندنا غير لما نكون بناخد كل مادة فى سنة لأن ده بيعرضنا للنسيان».
واستطردت: «السنة اللى فاتت والسنين اللى قبلها كانوا مثلاً يدرسوا الهيستولوجى ودى عبارة عن مادة خلايا يعنى بنقعد ندرس شكل الخلية ولونها تحت الميكروسكوب بيكون عامل إزاى وده مش بيفيدنا مثلاً لما نييجى نكشف على العيان».
نيرمين عادل، الطالبة بكلية الطب جامعة المنصورة قالت: «الامتحانات كتيرة قوى وعندنا امتحان بمعدل كل أسبوع»، وذلك فى بداية حديثها عما وصفته بـ«الكم الرهيب من الضغوط الملقاة على كاهلها»، مضيفة أن دراسة المواد باللغتين الإنجليزية واللاتينية كانت عائقاً بالنسبة لها: «أنا كنت مدارس عربى، والإنجليزى كان مادة واحدة بس، فدراسة كل حاجة بالإنجليزية كان صعب بالنسبة لى وعلى ما بدأت أتأقلم لقيت الامتحانات اللى ما بلحقش أفوق منها».
وعلى الرغم من ضغط الامتحانات، إلا أن «نيرمين» ترى فيها ميزة: «صحيح ما بنلحقش نرفع راسنا من الكتاب بسبب الكويز، اللى بعد كل مديول، بس فى امتحانات آخر السنة بنكون مرتاحين شوية، وبيكون ذهننا حاضر والمذاكرة ما بتكونش تقيلة للدرجة دى».
"يارا": من إيجابيات النظام أنه ربط المواد ببعضها واضطررت للحصول على كورسات خاصة لفهم الدراسة
محمد على، طالب بكلية الطب بجامعة أسيوط، لا يشعر بالاستياء من تطبيق النظام الجديد، رغم موجة الإحباط التى أصابت عدداً من زملائه بالدفعة، فالنظام الذى يلزمه بالتدريب الإلزامى «فترة الامتياز» لعامين لا يشكل عائقاً له، إلا أن مشكلته تمحورت حول امتحان مزاولة المهنة، الذى سيخضع له الطلاب خريجو دفعة عام 2025 بعد حصولهم على درجة البكالوريوس من جامعاتهم على مستوى الجمهورية، حيث ستقوم الهيئة المصرية للتدريب الإلزامى بإجراء ذلك الامتحان للسماح لخريج الطب بممارسة المهنة.
وتساءل الطالب العشرينى الذى اضطرته الظروف إلى الحصول على الشهادة الثانوية على مدار عامين: «ليه بعد ما آخد بكالوريوس أروح أمتحن تانى عشان أقدر أشتغل بشهادتى اللى الجامعة ادتها لى؟»، ويضيف أن «مثل هذه الامتحانات تعتبر مضيعة للوقت والجهد الذى يمكن استغلاله فى التحضير للماجستير والدكتوراه».
واستطرد «محمد»: «لو فعلاً عايزين يرتقوا بنوعية الأطباء اللى تستحق تمارس المهنة، فلازم يكون فيه تدريب بعد التخرج على مستوى عالى، واللى يشرف عليه دكاترة واستشاريين كبار، ويتم من خلاله تقييم الطبيب واستحقاقه للمهنة من عدمها»، مؤكداً أن «الامتحانات لا تعتبر مقياساً، خاصة أنها غير موجودة فى الجامعات العالمية، ما سمعناش عن القانون ده فى فرنسا ولا إنجلترا ولا ألمانيا».
زميله فارس ممدوح، الذى أجبره مجموعه فى الثانوية العامة على الالتحاق بكلية طب أسيوط، رغم أنه من أبناء القاهرة، التقط أطراف الحديث ليقول: «لا أرى مشكلة من حيث المبدأ فى الخضوع للامتحان، الذى يُسمح لى بعده بمزاولة المهنة، لكن أعترض على عملية التأهيل لخوض ذلك الامتحان»، مضيفاً أنه «لا يعلم إلى أى مدى يمكن لنظام التدريس المتبع فى جامعته أن يؤهل الطلاب لخوض مثل هذه الامتحانات». استطرد أن «عدم تحديد نوع الامتحان الذى سيخضع له الطالب، هل هو أكاديمى أم علمى، يشكل تخوفاً لدى عدد من الطلاب».
تعليقات
إرسال تعليق