شادية وأخواتها. وتهميش إجتماعى إلى متى ؟!

بالتأكيد لم يكن من السهل على الأم شادية التى تركت بناتها الخمس المرضى بالجذام ـ والتى لم تتجاوز الكبرى منهن السابعة من عمرهاـ أسفل كوبرى الجيزة ليلا ليأسها فى مقدرتها على علاجهن بعد أن أوصدت كل الأبواب فى وجهها وهروب زوجها وخوف الأهل من العدوى، فكانت بنات شادية المشردات فى الشوارع وظهور قطع لحمهن العارية من خلال ملابسهن الممزقة أكبر دليل على تخلى وزارة الصحة عن المهمشين وعدم رعايتها لهم خاصة مثل حالة شادية -وأخوات شادية-الكثيرات والتى أصبح التخلى عنهن من شيم الكرام، فوزارة التضامن الاجتماعى فى واد وأغلب المجتمع المهمش ومنهم مرضى الجزام- فى واد آخر.ومازال هذا المشهد الذى مضى عليه أكثر من شهر يطارد أذهاننا .. وإن كان قلب هذه الأم لم يطاوعها ودفع بها إلى نفس المكان فى ذات صباح لتبحث عنهن ليخبرها الباعة أن الشرطة أخذتهن فأسرعت إليهن واحتضنتهن وهى تبكى الى أين؟ لا أحد يعلم.. ربما الى كوبرى آخر تدارى به لحمهن الأبيض االمتعرى! فما هو التفسير النفسى لسلوك لهذه الأم المكلومة تجاه بناتها فلذات كبدها؟.. وماذا عن الأثر النفسى الذى سينتاب هؤلاء الأطفال مستقبلا؟..وما هو دور المجتمع ككل تجاه مثل هذه الحالات المهملة حتى لا تتكرر حالة شادية مرة أخرى؟.. وهل مرض الجذام خطير لهذه الدرجة التى تجعل أما تتخلى عن بناتها وتلقى بهن على قارعة  الطريق؟!..الرد على هذه التساؤلات فى السطور التالية من قبل المختصين:
تدخل علاجي فوري
بداية يصف د.جمال شفيق أحمد أستاذ ورئيس قسم الدراسات النفسية بجامعة عين شمس شخصية شادية ومثيلاتها بأنها شخصية تعانى من الاضطراب النفسى وتحتاج إلى تدخل علاجى فورى لأنها قد - تنتكس- وتعود مرة أخرى لمثل هذا السلوك عندما تتعرض مرة أخرى لضغوط شديدة، ويفسرها الحالة النفسية التى انتابت شادية عند إقدامها على هذا السلوك فبرغم وجود غريزة الأمومة لديها إلا أنها -كإنسان- ومع كثرة الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية المحاصرة لها، قد فقدت الأمل، وعندها تكون قد فقدت السيطرة على كثير من تصرفاتها لتصبح غير سوية وغير طبيعية الى الحد الذى قد تصل فيه الى حد إيذاء النفس كما فى الانتحار أو ايذاء الاخرين بجميع الأشكال وعلى كل المستويات وهنا تكون مثل -أى إنسان فى مثل هذه الحالة- قد فقدت صوابها وقدرتها على التفكير العقلى السليم وبدأت تتصرف بحالة من اليأس واللامبالاة. هل يمكن أن يعود لها .. ولمن هم فى مثل حالتها عقولهم؟
الوازع الديني
يقول د. جمال أحيانا يعودوا بعد عودة الضمير أو العقل اليهم فيراجعون أنفسهم ويغيرون من سلوكهم، وهذا ما حدث مع شادية.. ولذا مطلوب الرجوع للقيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية بمعنى أن الإنسان يكون لديه ما يكفى من الوازع الدينى والأخلاقى والمجتمعى ما يمنعه بقدر الإمكان من ارتكاب مثل هذه الجرائم ، ويؤكد أستاذ علم النفس أن هؤلاء البنات اللاتى تعرضن لهذا العنف يحتجن إلى علاج نفسى مكثف، خاصة أن الحوادث ذات الخبرات الأليمة والمفزعة التى تحدث فى مرحلة الطفولة المبكرة تظل آثارها السلبية تؤثر على الشخصية طوال فترة الحياة، إلى أن يحدث تدخل علاجى يقلل من هذا الأثر قدر الإمكان ولكن إذا ترك الأمر بدون علاج فمن المؤكد أنهن معرضات للاصابة فى المستقبل بالاضطرابات النفسية الشديدة.
الجذام قابل للعلاج
ومن المنظور المجتمعى يرى د.رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان :أن هذه الأم لديها أسباب حقيقية لإصابتها باليأس، فرعاية الجذام لازالت صعبة ومكلفة وليس لديها دعم إجتماعى قوى والدليل على ذلك هروب أقرب الناس اليها، كما أن مرض الجذام لم يتم إلقاء الضوء عليه حتى الآن، حيث إنه مرض قابل للعلاج وهو مرض اجتماعى طبى والدولة من أهم مهامها أن تخصص مستشفيات قوية وجيدة لعلاج مرضى الجذام بحيث يكون هناك دمج بينهم وبين المجتمع، وليس كما هو حادث الآن فى وجود مستعمرة معزولة مخصصة لهم بابو زعبل يضعون فيها مرضى الجذام كأنهم قطط أو فئران الاختبارات، فالعلاج الطبى لمرضى الجذام لابد أن يتسم بالإنسانية وأن تتغير نظرة المجتمع اليهم.
المساعدة لمنع العدوي
ويناشد أستاذ تنظيم المجتمع شبكات الحماية الاجتماعية والمتمثلة فى تقديم المساعدات من قبل رجال الأعمال و أسر المرضى والأصدقاء والأقارب وكل من لديه القدرة على المساعدة المادية أو مكان للسكن أن يتم تقديمه على الفور لهؤلاء المرضى حتى لا تنتشر العدوى للآخرين .
وترى د. شفيقة ناصر أستاذ الصحة العامة بكلية الطب جامعة القاهرة أن مرض الجذام مرض اجتماعى أكثر من كونه مرضا صحيا وخاصة فى حالة شادية حيث انجبت خمس بنات على فترات متقاربة جدا، ولذا لم تتمكن من رعايتهن الرعاية اللازمة بسبب ما تعانيه من فقر
العلاج المبكر
وتوضح أستاذة الصحة العامة أن مرض الجذام يسببه أحد أنواع البكتيريا العضوية وعادة ما يؤثر على الجلد والأعصاب الطرفية والغشاء المخاطى المبطن للجهاز التنفسى وكذلك العيون، وتتمثل أعراضه فى صورة طفح أو حبة (عقدة) جلدية، ويمكن أن يكون أول علامة له منطقة من التنميل (الخدر) بالجلد ويعتبر ظهور بقعة جلدية باهتة أو حمراء فاقدة للإحساس من العلامات المميزة للجذام، وينتقل من خلال قطيرات من الغشاء المخاطى للأنف للشخص المصاب إلى جلد أو غشاء الجهاز التنفسى لشخص سليم ويحتاج انتقال العدوى إلى اختلاط لصيق، وتمتد فترة حضانته وهى (الوقت من حدوث العدوى وحتى ظهور أول عرض أوعلامة للمرض فترة طويلة تتراوح بين خمس و سبع سنوات ويمكن أن تتراوح بين تسعة أشهر وحتى عشرين سنة، وكلما كان العلاج مبكرا كانت النتائج أفضل.




المصدر الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة