الوفد ترصد أحزان "حلب القديمة"
المصدر بوابة الوفد - تحقيقات و حوارات
المدينة السورية العريقة كوم تراب.. والعائدون يبحثون عن ذكرياتهم تحت الأنقاض
بعثة الأمم المتحدة توزع الابتسامات على المشردين لزوم «الشو الإعلامى»
3 حكايات مؤلمة: «حليمة» تبحث عن رغيف نظيف.. و«حسن» يبحث عن أصدقائه المفقودين.. و«عليا» نجحت فى الهرب من «السبى»
من الجانى ومن المجنى عليه فى صراع الحرب السورية.. سؤال يحتاج لأكثر من عقل لاستيعاب الواقع الذى خلفته هذه الحرب هل هى دينية أم حرب استعمارية؟ أياً كان السبب لكن النتيجة أن هناك أرضاً ومنازل وآثاراً وحضارة و1400 مصنع، فما تم تدميرها كانت أكبر وأهم مدينة تعتمد عليها سوريا فى اقتصادها، نصفها وأكثر أصبح أطلالاً ليس فى حلب فقط ولكن فى العشرات فى المدن السورية حمص- تدمر - الرقة - درعا - حماة - ريف دمشق، والنتيجة آلاف المشردين والنازحين فى المخيمات يعيشون على «الكفاف» والجفاف ويواجهون قسوة البرد.
حاولنا الوصول لمعسكر اليرموك حول ريف دمشق لكن لأن معظمه تحت سيطرة الجماعات المسلحة فلم نستطع، لكن فى مخيم «جبرين بشرق حلب كان الواقع أشد قسوة، مما رصدته وكالات الأنباء والفضائيات.. أسر تعيش فى غرف ضيقة وفصول مدرسية صعبة نفسياً للأطفال لكن هو ما استطاعت الدولة السورية تدبيره فى ظل هذه الظروف، دخلنا مخيم «جبرين»، وكان قد سبقتنا بعثة الأمم المتحدة التى ظهرت مؤخراً وتسابقت حولها الكاميرات لترصد الابتسامات الباهتة، وهم يلتقطون الصور مع الأطفال والأسر من الفارين من جحيم القصف بحلب الشرقية، ورغم ضيق الوقت وقسوة البرد التى ظهرت بوضوح على الأطفال والكبار حاولنا رصد الواقع الصعب، لكن قبل الذهاب لمخيم جبرين استوقفنا مشهد العائدين من محيط حلب القديمة الذين جاءوا بيوتهم فى أحياء صنارة والسبع بحيرات ومنطقة خلف الجامع الأموى وسوق الزرب القديمة والمنطقة التجارية المعروفة بمنطقة محيط قلعة حلب.
عائدون وسط الدمار
منطقة محيط قلعة حلب تمثل عدة أحياء فى مدينة حلب القديمة أهم وأعرق أحياء المدينة التاريخية ذات الثقل التجارى والصناعى والأثرى والسياحى فى سوريا ومصدر الغذاء الأول بها والذراع الاقتصادية، وتضم منطقة سوق زرب الأثرى والمسجد الأموى أو كما يطلقون عليه الجامع الأموى الكبير الذى تم بناؤه فى القرن الثامن الميلادى، وتم بناء مئذنته عام 1090 وتعرض للدمار وهدم المئذنة فى عام 2013 عندما سيطر المسلحون على المسجد واتخذوه حصناً لهم وأقاموا تحته شبكة من الأنفاق وأزالوا حوائطه المبنية من الحجارة الضخمة لعمل ممرات لهم وحصنوه بأكياس الرمال وأسطوانات البوتاجاز وبراميل خرسانية وشقوا فى حوائطه فتحات للقنص وإطلاق الرصاص الحى كله تحول لأكوام من التراب خاصة منطقة صنارة التى تتفرع منها شوارع حلب القديمة وأمام باب القلعة الرئيسى.. ومع بداية وجود الدولة السورية بمعدات رفع الإشغالات، وتمهيد الشوارع للمرور، بدأ توافد أهل حلب لالتقاط صور تذكارية.. على باب القلعة نساء وأطفال مدارس وشباب وعجائز، بينما جاء العديد من الأسر تبحث عن بقايا أطلال منازل لهم عن ماضٍ سعيد عاشوه وذكريات الصبا والشباب والجيرة والأمن.. لكن كيف يكون الأمل ممكناً وسط أكوام الحطام ودمار التاريخ على يد وحوش اللا إنسانية، توقفت وزميلى المصور لرصد أحلام العودة لمنازل خربة لم يبق منها سوى الحجارة والأنقاض وآثار الحرق والتدمير فى مساحة كبيرة على مرمى البصر تجعلك لا تملك إلا الحزن والحسرة والتساؤل: من الجانى فى هذه المعركة وفى المجنى عليه ومن المستفيد؟.. أى أيدٍ دمرت وحطمت الآثار والتاريخ؟
حكاية الثلاث تكبيرات
حالة من الذهول أصابت المهندس الكهربائى «أبومريم» الذى حضر هو وزوجته وابنته ذات الخمسة عشر عاماً.. قال والحسرة تملأ عينيه وقلبه: جئت لأبحث عن بقايا منزلى الذى عشت فيه شبابى وصباى أنا وزوجتى وابنتى، عشت فى أحد أحياء حلب القديمة فى منطقة «صنارة» ورأيت وشاهدت بعينى أفعال المسلحين المجرمين الذين كانوا يحللون كل شىء لمصلحتهم تحت مسمى الدين ومقاومة الكفار.. كانوا يأخذون منا الجزية ويجندون الشباب والأطفال ويضعونهم فى مقدمة صفوف القصف وتبادل النيران مع قوات النظام المتمركزة فى المواجهة فى القلعة التى حاول المسلحون اقتحامها، والسيطرة عليها، كانوا يأخذون البيوت المريحة ويأخذون عفشنا وفرشنا ويأكلون الطعام والشراب الجيد ويتركون لنا أسوأ ما تبقى منهم، وأضاف أبومريم: كل هذا كان من الممكن احتماله لكن كانت عندهم شهوة «سبى» النساء، وعندما تعجبهم امرأة حتى لو متزوجة يقومون بإحضارها هى وزوجها ويكبرون عليها ثلاث تكبيرات، ويقولون هى الآن أصبحت مطلقة من زوجها وحلالاً لنا، وعندما بدأ الطمع يتسلل لابنتى الطفلة التى كان عمرها 13 عاماً وحاولوا تزويجها لأحد عناصرهم هربت أنا وهى وزوجتى وعشت عند أقاربى فى حماية قوات النظام، وهناك زوجتها لأحد أقاربنا وطبعاً تركت المدرسة، وقالت الطفلة «مريم»: عشت عامين محرومة من كل شىء لم نأكل اللحم ولا الخبر النظيف، وكنا نشرب أسوأ مياه ويحرموننا من المدارس وممارسة اللعب مثل كل الأطفال، ويجبروننا على ارتداء النقاب والخمار وليس العبادة ويعطوننا الدروس التى كانت تقول إن «الأسد» ونظامه كفار ومسيحيون ويجب قتلهم وقتل كل من يتبعهم، وأضافت: حاولوا أن يزوجونى من أحد عناصرهم بالقوة.
أم حمدون وعذاب 3 سنوات
سيدة تخطى عمرها الـ55 عاماً اسمها أم حمدون تقول كان لى منزل وابن شاب وكنا نعيش فى أمان وفى حماية الدولة بعد وفاة زوجى، ولكن دخل المنطقة هؤلاء المسلحون الذين كانوا يجبروننا على خدمتهم، وتضيف: عشت سنوات سوداء وصعبة للغاية، كان ابنى يعمل عندهم وفى خدمتهم وحراستهم مقابل كيس من الخبز والجبن لا يكفى شخصاً وتركوا لنا حصيرة فقط ننام عليها وأخذوا منزلنا الذى كان يصل سعره لنصف مليون ليرة ووضعونا فى منزل قديم، أيام مريرة مرت علينا كأننا كنا فى كابوس والحمد لله انزاح وتحررنا بعد أن أصبحنا عرايا لا نملك من الدنيا شيئاً.
دراجة وسط الأنقاض
وفى شارع من شوارع خلف الجامع الأموى لاحظت طفلين معهما دراجة ويلعبان وسط أكوام حطام المبانى.. اقتربت منهما وهدأت خوفهما، وسألتهما ماذا تفعلان؟ قال الأكبر منهم واسمه «مصطفى - 10 سنوات»، الذى يلعب مع شقيقه «على - 8 سنوات»: كنا نعيش هنا مع أسرتنا وحرمنا الإرهابيون من كل شىء.. الطعام النظيف والمدرسة واللعب عشنا فى حلم مظلم كما قالها مصطفى بالنص، وكان محظوراً علينا الخروج من المنطقة وأمى لم تغادر المنزل إلا متخفية، وأبى كان يعمل معهم فى شراء الخبز وتوزيعه وأحياناً صنعه ولكن شيئاً ليس له طعم ولم يعطونا اللحم إلا مرة فى الشهر وربما فى الشهرين، وكان كل شىء لا يمكن أكله لكن كنا نأكله لكى نعيش، وكانت أمى تصبرنا وتخاف علينا من الخروج من المنزل.
وأضاف مصطفى: فى أحد الأيام صممت على الخروج بدراجتى فضربنى المسلحون وأهانوا أبى وكادوا يأخذون أمى وحبسونى فى المنزل أسبوعاً لا أغادر أنا وشقيقى، وكنا نصرخ عند سماع القذائف كل يوم ونموت رعباً وكنت أدرك أن الموت ينام معنا فى منزلنا الذى نهبوا كل شىء فيه، وبعد أن دخلت عساكر البلد كما قال وأذاعوا ذلك قررت أن أخرج بدراجتى أنا وأخى لأبحث عن أصدقائى فلم أجد أحداً منهم، ولم أستطع تمييز منازلهم وسط هذا الدمار ولم تبق سوى الحجارة، وكانت أمى أخفت علينا موت أحد أصدقائى أمام باب المسجد عندما قام الإرهابيون بضرب النيران على عساكر الدولة فى قلعة حلب.
حامل الخبز
أثناء جولتى وسط أكوام الخراب شاهدت شاباً يحمل كيساً من الخبز على رأسه ويتجول فى المنطقة المدمرة فى حى «هنانو» يبحث عن ضحايا ومعزولين بعد هروب المسلحين ليمدهم بالخبز، اقتربت منه لأسأله عما يفعل والتفت يميناً ويساراً وقال: أبحث عن البشر أين رحلوا وأين من تبقى من كانوا تحت الحصار.
وأضاف بصوت حزين: كنا نعيش قبل هذا الاحتلال الذى لا نعرف هويته ولا ماذا أتى، حياة هادئة مستقرة حيث كان العمل والتجارة والسياحة والحياة بكل صخبها ولكن الآن تحولنا لأطلال وعشت مرغماً بين هؤلاء المسلحين الذين أجبرونى على حمل السلاح لمواجهة الكفرة يقصدون بها نظام بشار والمسيحيين، وكانوا يحرِّمون علينا الخروج من هذه المنطقة أو الاقتراب من قوات بشار المتمركزة فى القلعة.
وأضاف: حاولت الهرب لكن خشيت على والدى ووالدتى وشقيقتى الصغيرة حتى تمكنت فى الهرب، أما أنا فبقيت أنتظر الموت أو الهرب فى كل لحظة لكنها لم يأتنا، وأتى الفرج لكن بعد أن تحولنا لبقايا بشر وتحول منزلنا الذى كان فسيحاً مريحاً وسعره يزيد على المليون ليرة إلى أنقاض. وأضاف «عمار»: طوال سنوات أربع ظللت أبحث عن إجابة لسؤال من على حق وصواب ومن على خطأ فى هذه الحرب ولم أجد المسلحين على صواب فكانوا يستخدمون الدين لمصلحتهم، وأما النظام فكان به فساد لكن كانت هناك حياة وعمل وأمان.
مخيم «جبرين»
بعد هذه اللقاءات التى رصدناها عند باب قلعة حلب فى محاولة للبحث عن بقايا الحياة وسط الدمار أخبرتنا مسئولة الإعلام فى محافظة حلب أن هناك وفداً من الأمم المتحدة يزور مخيم جبرين للنازحين من حلب الشرقية، وعلينا أن نتبعهم وهناك شهدت حياة خارج الحياة لأكثر من ألف أسرة فى «جبرين»، وكان المخيم عبارة عن هناجر أقامتها الدولة لعمل منطقة صناعية لكن أوقفتها الحرب وتحولت لمخيم بعد خروج المسلحين الذين دمروا فى تبادل القصف بكل أنواع الأسلحة أحياء حلب الشرقية، وهى أحياء السكرى والشعار والزيدية والميدان والمدينة القديمة والجامع الأموى وسوق الزرب ومحيط قلعة حلب وباب أنطاكيا وسوق باب أنطاكيا وساحة ساعة باب الفرج، وميدان السبع بحيرات وحى هنانو مما أدى إلى هروب جزء من سكان هذه المناطق ومنهم من تبقى رهن الاحتلال الجديد الذى كان ينتشر فى كل أنحاء حلب الشرقية، بينما احتفظ النظام بحلب الغربية وهذا التقسيم لم يكن سائداً قبل الحرب لكن هى الحرب التى تقسم كل شىء، وكانت المفارقة غريبة بين المنطقة الشرقية وآثار الدمار التى تحتضن بقايا التاريخ، والغربية التى كانت ولا تزال كأنها بعيدة عن نطاق الحرب بأحيائها الراقية وأسواقها ومقاهيها وشوارعها ومبنى الجامعة وبعض الفنادق ومنطقة الفلل وبيوت حلب الجميلة المبنية كلها بالحجر وحولها الشجر والشوارع المنظمة.
ابتسامات صفراء
على باب المخيم المبنى على ثلاثة هناجر ضخمة تم تحويل هنجر منها إلى مدرسة، والباقى غرف ضيقة تم تصميمها لاستيعاب الأسر النازحة فى حلب الشرقية بينما بقايا الخبز الجاف منتشرة خارج الغرف مع مناشر الغسيل، وأمام كل غرفة تجلس الأسر تبحث على شعاع الشمس لعلها تجد خيوطاً من الدفء لكن كيف يكون ذلك وسط درجات حرارة أقل من الصفر؟ أطفال يلعبون ببراءة يبحثون عن قطعة لحم بين كراتين المعلبات التى جاء بها الوفد الأممى لكن تبخر حلمهم لأنهم بالطبع لم يروا اللحم منذ شهور.. اقتربت من طفلة صغيرة تحمل بعض المعونات مع والدتها وقالت ببراءة شديدة لم يتطرق لها خيالى ولم يصطنعها قلمى وسألت: معاك لحم.. أنا وأسرتى منذ شهور لم نتذوق طعم اللحم حيث يعطوننا طعاماً لا يكفى للبرد خبز سيئ وأكل دون ملح وليس به لحم.. وتساءلت: مفيش مدفئة؟ البرد هنا يحلل عظامنا وننام خمسة فى غرفة ضيقة.. كانت غرفتى بمنزلنا فى منطقة جبل سمعان أريد أن أعود إلى حارتنا لألعب مع صديقاتى قل لى متي سأعود قبل أن تصورنى.
«حسن» عن أصدقائه
يلعب حسن مع أطفال فى سنه وسط مبانى المخيم.. استوقفته وسألته عن حاله فقال: أبى قال إن منزلنا فى قريتنا بريف حلب تم تدميره وتدمير القرية وأنا أذهب لفصل المدرسة الضيق.. أكاد أختنق أبحث عن أصدقائى فى الحى القديم بقريتنا أين ذهبوا؟ أنا أبحث عنهم كل يوم بين سكان المخيم لكن لا أجدهم ولماذا يتركوننا نعيش هنا وسط البرد والأكل لا يكفى، لكن أمى والكلام للطفل تقول لى احمد الله إننا عايشين إحنا كدة عايشين!؟
مسرحية هزلية
وقفت حائراً أمام أسئلة هذا الطفل البرىء وتركته وانصرفت أبحث عمن يتحدث عن حياته فقال لى رجل عجوز: لا تسألنى عن اسمى اسألنى عن حالى أعيش أنا وبناتى الثلاث وزوجتى نواجه البرد والحرمان تركنا حينا بحلب الشرقية وجئنا نبحث عن بقايا حياة.. وقال: الدولة معذورة.. وما فى وسعها قدمته لكن من السبب فيما نحن فيه؟ قسوة النظام أم قسوة الاحتلال عليكم يا إعلاميين أن تبحثوا عن إجابة.. وقال: أنتم من مصر.. واحمدوا ربنا أن أعطاكم رئيساً أنقذكم وجيشاً حماكم وأرضكم بلا نزاعات لا نعرف من مع من أو من ضد من؟
بعيداً عن هذه التساؤلات لمحت رئيس وفد الأمم المتحدة ورفاقه يحيطون ببعض الأطفال أمام هنجر المدرسة الذى لا يزيد على كونه زنزانات سجن وزعوا الابتسامات الصفراء مع المعلبات الجافة والبسكويت، وركبوا سياراتهم المكيفة بتكييف دافئ وتركوهم للبرد ولم يعطوهم إجابة شافية إلى متى تستمر حياتهم على الهامش!؟
على باب مدرسة المخيم أطفال أوشك الأمل أن يموت فى عيونها
التقينا على باب المدرسة مع مصطفى فتوح مسئول منظمة sos التى أنشأت مدرسة «الصلات» الصناعية، حيث قال: أنشأنا هذه المدرسة من خلال مذكرة تفاهم بين مديرية التعليم بحلب والمنظمة وهى مدرسة المراحل النهائية المؤقتة ونشرف عليها تعليمياً ودفع المستحقات المادية عن الطلبة النازحين ونقدم لهم الرعاية الكاملة لنحو 600 طالب ونستقبل الوافدين الجدد الذين تأتى بهم الدولة ودمرت منازلهم من اللاجئين النازحين.
بعد ذلك تجولنا فى المخيم والتقينا سيدة اسمها «عليا» فى حى السكرى شرق حلب التى قالت: هربنا قبل دخول قوات النظام بأيام ولجأنا إلى بعض الأقارب وعند فتح المخيم جئنا نبحث عن خصوصية افتقدناها منذ خمس سنوات لكن خاب الظن وضاعت الخصوصية، هنا حياة على الهامش لكن أرحم من الموت والقتل والاغتصاب الذى كان يمارسه المسلحون فى حلب الشرقية، وأضافت: تعرض زوجى للضرب والتعذيب لحمايتنا بعد أن كانوا يريدون تزويجى لأحد فصائلهم التى كانت تتنازع فيما بينها على اقتسام السلطة والغنائم والنساء.. قالت حاولوا «سبيى» لأنهم رأونى دون حجاب أو خمار وأنا أجر أطفالى لأدخلهم المنزل خوفاً عليهم لكن زوجى قال لهم إننى مريضة وأجبروه على حمل السلاح معهم ووضعوه فى مقدمة صفوفهم فى تبادل إطلاق النيران مع قوات النظام، وكانوا يؤكدون أنهم كفرة ونصارى ونحن جئنا لنطهركم بالإسلام.
وأضافت: والله لو رأينا منهم ديناً حقيقياً كنا بقينا معهم.
حياة وسط الدمار
وبعد يوم كامل من المعايشة الصعبة بين أحياء حلب الشرقية ومخيم جبرين حيث الحياة بلا ملامح وبلا قلب.. الدمار والخراب يحتضن الآثار والتاريخ واللا إنسانية، هنا حياة عادية تعيش على قليل من الكهرباء والمياه وظلام أحياناً لكنها آمنة لأنها تحت حماية النظام والدولة وقوات الروس وحزب الله وإيران.
رغم إرهاق الجولة وقبل غروب الشمس أصررت أنا وزميلى المصور أن نتجول فى حلب الآمنة وجدت أسواقاً تعمل وكافيهات ومطاعم وجامعة حلب ومستشفى وأحياء راقية نظيفة وشوارع راقية وتجارية لكن العنوان الواحد هو الكساد وارتفاع الأسعار فى كل شىء خاصة بعد دمار أكثر من 1400 مصنع لم يبق منها سوى 149 مصنعاً صغيراً تركها المسلحون ودمروا الباقى وأخذوا معدات المصانع لتركيا كما قال أمجد عزيزى أحد مرافقينا.
حلب كانت قلعة الصناعة فى سوريا تنتج أهم وأجود وأشهر أنواع السجاد والحرير والنسيج والقماش والمفروشات، وكانت نمرة 1 اقتصادياً عربياً وسورياً على وشك الانطلاق لكن تزعم الاحتلال العثمانى عصابة تدمير وتفكيك ونقل معدات مصانع حلب قلب اقتصاد سورياً.
تجولنا فى أهم الشوارع التجارية بحلب الآمنة أو كما يطلقون عليها حلب الدولة مثل شارع اكسبريس وسوق منطقة الغرقان ورصدنا حياة مختلفة عنوانها الحركة والعيش لكن الواقع ركود وحركة تجارية بطيئة وغلاء فاحش فى كل شىء.
الأسعار نار
التقينا بعض أصحاب المحال فى الشوارع التجارية قال عبدالمحسن، تاجر مفروشات فى سوق منطقة الغرقان: مرحباً بكم فى حلب قلعة الصناعة والتاريخ والحياة والفن سابقاً، لكن سنعود ولن تتوقف حياتنا، صحيح عشنا فى أمان بعض الشىء تحت حماية النظام وأعوانه وحلفائه لكن خلفت الحرب دمار مصانعنا ونسفها وتفجيرها ونهب ما أمكن نهبه وأنا واحد منهم كان لدينا أنا وأسرتى مصنع للمنسوجات والأقمشة وكنا نصدر للعالم وعلى وشك مزاحمة السوق التركية حتى جاء من جاء تحت زعم تخليصنا من كفار النظام كما كانوا يقولون ودمروا مصانعنا وحياتنا ولم يتبق لنا سوى هذا المحل منقذاً لنا فى الحياة لكن دمار المصانع جعل الحياة الاقتصادية هنا صعبة وتضاعفت الأسعار 4 مرات وقلت الحركة التجارية وارتفعت أسعار العقارات فى حلب الآمنة أو حلب الدولة لوجود نازحين من حلب الشرقية التى احتلها المتأسلمون بحجة حمايتنا لكنهم نهبوا ثرواتنا ومصانعنا، وكان هذا هو الهدف الحقيقى من هذه الحرب.
بائع شاطر
لفت نظرى طفل صغير اسمه حسن لم يتجاوز الـ12 عاماً يقف فى محل تجارى للملابس واقتربت منه فقال لى: لا تندهش أنا بياع شاطر وتعلمت البيع والشراء من والدى فهو كان شريكاً فى مصنع للملابس فى منطقة باب النجار الصناعية لكن تم تدميره وسرقة محتوياته وسقط أبى مريضاً من هول الصدمة، وأضاف: عشنا فى مأمن من قسوة الإرهابيين لكن نواجه فقراً مدقعاً من قسوة تدمير مصنعنا وارتفعت أسعار البضاعة وأحجم الناس عن الشراء لكن عندنا أمل بعودة الحياة فى حلب لأننا بلد لا يتوقف فيه الحياة، إلا بإرادة الله.
اقرأ أيضاً :
======
تعليقات
إرسال تعليق