فنزويلا في قلب العاصفة.. مادورو يتحدى.. والمعارضة تصعد.. والإقتصاد ينهار

المصدر الاهرام . تحقيقات و تقارير خارحية
أكثر من 100 يوم مرت على فنزويلا وهي تعيش أسوأ وأخطر أزمة سياسية واقتصادية مرت بها منذ عقود طويلة، فبعد معركتي «الثلاجات الفارغة» و«قوارب الموت» يجد المواطن البسيط نفسه داخل صراع من نوع أخطر وأعنف بين طرفين ليسا على استعداد للتنازل عن قراراتهما والجلوس على طاولة المفاوضات لنزع فتيل الأزمة..
فمن جهة لا تري المعارضة الفنزويلية المتمثلة فى تحالف «طاولة الوحدة الديمقراطية» حلا للأزمة سوي برحيل الرئيس نيكولاس مادورو وإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة, ومن جهة أخري لا يري الأخير فى ذلك المطلب أى سند قانوني يجبره على التخلي عن منصبه قبل انتهاء ولايته الرسمية فى ديسمبر 2018, بل ويتشبث بقراره إنشاء جمعية تأسيسية تعيد صياغة الدستور وتحل مؤسسات الدولة.
الوضع إذن فى تصعيد مستمر والأزمة لم تراوح مكانها منذ أشهر رغم سقوط 115 قتيلا فى أنحاء البلاد, ويبدو أن المعارضة تكتسب يوما بعد يوم زخما كبيرا فى الشارع الفنزويلي عززه النجاح الذي حققه الاستفتاء «الشعبي الرمزي» الذي نظمته المعارضة وإستجاب له 7 ملايين مواطن فنزويلي برفض إقتراح الرئيس نيكولاس مادورو إنشاء جمعية تأسيسية لإعادة صياغة الدستور, وهي الجمعية التى تري فيها المعارضة التفافا على البرلمان الذي تسيطر عليه منذ عام 2016, ولم تكتف المعارضة بذلك بل سارعت إلى تنظيم إضراب عام مدته يومان لشل مؤسسات الدولة اختارت من خلاله 33 قاضيا لـ «محكمة الظل» ليحلوا محل قضاة المحكمة العليا الحاليين في فنزويلا والمحسوبين على مادورو. غير أنه رغم الزخم الكبير الذي اكتسبته المعارضة بقيادة ليوبولدو لوبيز أحد قادتها والموضوع قيد الإقامة الجبرية منذ سنوات, إلا أن محاولاتها عرقلة سير عملية إنتخاب الجمعية التأسيسية التى دعا إليها مادورو لم تلق تجاوبا واسعا, أرجعه المعارض البارز إنريكي كابرليس إلى الخوف من عقوبة التظاهر التي قد تصل إلى السجن ما بين 5 و 10 سنوات.
ويري المراقبون أن إصرار الرئيس الإشتراكي على إنشاء تلك الجمعية التى تأتي بالتزامن مع مقتل أحد مرشحيها بالرصاص فى منزله بعد اقتحامه من قبل مجهولين, مؤشر خطير على انزلاق البلاد فى حرب سياسية لن تطول سوي المواطن البسيط الذي يعاني منذ فترة طويلة بسبب الإقتصاد المترنح بفعل الأزمة التي ضربت أغنى دول أمريكا الجنوبية نفطا وتركتها تعاني اليوم نسبة تضخم تقترب من 2000%، مع نقص خطير في الأدوية والسلع الغذائية الأساسية.
الأحداث في فنزويلا منذرة بأسوأ العواقب في غمرة هذه الأزمة، فالمعارضة تحمل الرئيس مادورو مسئولية النقص الحاد في المواد الغذائية والتضخم الهائل وبشكل عام الوضع الذي تسوده الفوضى تدريجيا في فنزويلا التي تملك أكبر احتياطات للنفط والعضو فى منظمة الأوبك، ولكنها تضررت من انهيار أسعار الذهب الأسود، علاوة على اتهام الرئيس بارتكاب انتهاكات للديمقراطية وحقوق الإنسان, فقد كشفت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن فنزويلا تعانى أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، في الوقت الذي تظهر فيه القوات المسلحة تحت قيادة وزير دفاعها فلاديمير بادرينو، لاعبا رئيسيا في حل الأزمة وأصبح الآن «أقوى رجل في فنزويلا», وهو ما دفع المعارضة إلى مناشدة الجيش اتخاذ موقف فى الأزمة السياسية حتي لا تنزلق البلاد إلى حرب أهلية.
ويري بعض المحللين أن هناك عدة عوامل أسفرت عن تنامي وتصاعد حدة الصراع والمواجهة بين الرئيس مادورو وأحزاب وقوى المعارضة, أبرزها تزايد الضغوط الدولية والإقليمية, فقد وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بيان نشره البيت الأبيض, الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأنه «زعيم سيئ يحلم أن يصبح ديكتاتورا», وأضاف ترامب أنه سيتخذ إجراءات اقتصادية حاسمة في حال دعا مادورو لعقد الجمعية التأسيسية. أما العامل الثاني فهو تصاعد دور اليمين في غالبية دول أمريكا اللاتينية وخسارة أحزاب وقوى اليسار عموما واليسار الثوري بصفة خاصة, لغالبية المكاسب السياسية والانتخابية التي تمكن من تحقيقها منذ عام 2000 وحتى نهاية عام 2015 في عدة دول مثل البرازيل والأرجنتين وجواتيمالا وغيرها وواجهت فنزويلا مصيرا مشابها لهذه الدول، حيث تمكنت الأحزاب اليمينية من استعادة غالبية مقاعد البرلمان التي فقدتها طوال الفترة بين عامي 1999 و2015. ومن ثم ليس من المستغرب تكتل هذه القوى خلف الدعاوى المطالبة بعزل الرئيس مادورو دون الانتظار لانتهاء مدة الرئيس الحالي في الحكم ولحين إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة. وفى النهاية يبقي السؤال: هل تشهد فنزويلا «صيفا لاتينيا» يطيح بجذور الاشتراكية التى طالما حكمت البلاد، أم أن المواطن الفنزويلي سيفضل الاستقرار وعدم الانزلاق فى دوامة العنف؟

تعليقات

المشاركات الشائعة