واحد صعيدى وصلحه

حنان شومان

حظى فيلم واحد صعيدى الذى يُعرض بداية من موسم عيد الأضحى بالمركز الثانى فى إيرادات العيد بعد الجزيرة 2، وإن تفاوتت بينهما الإيرادات بشكل كبير، ولكنه يظل الفيلم الثانى فى ترتيب الإيرادات. محمد رمضان بطل الفيلم منذ عامين أو يزيد هو أحد أبطال أفلام مواسم العيد، ولكنه يقدم لنا نفسه فى هذا الفيلم ككوميديان بعيداً عن النوعية التى اعتدنا أن نراه فيها، وهى الشاب الفقير المطحون، فهل استطاع «واحد صعيدى» أن يدشن رمضان بطلاً كوميدياً؟ ربما استطاع بمنطق السينما المصرية، لأن محمد رمضان فى هذا الفيلم يضرب بالقفا كل من يمثل معه، وفى السينما بتاعتنا إذا سمحوا للبطل بالضرب على قفا غيره فهو إذا بطل كوميدى!! على مدار مشاهدتى للفيلم الذى أخرجه إسماعيل فاروق وكتبه عبدالواحد العشرى كنت مجبرة أن أترحم على إسماعيل ياسين، وقبله الممثل محمد التابعى الشهير بدور كبير الرحيمية قبلى وآخرين قاموا بدور الصعيدى فى السينما المصرية على مدى تاريخها، فكم سخرت وضحكت السينما المصرية من إخواننا الصعايدة ولا تثريب عليها، فدائماً أهل الجنوب لهم نصيب من نكات الشعوب. مئات من الممثلين قاموا بدور الصعيدى ما بين أدوار درامية كفريد شوقى أو كوميدية كما أشرت، وبينهم أو على رأسهم عادل إمام وأحمد زكى ما بين كوميديا وتراجيديا الصعيدى التى طوروا فكرتها فخرجت منها وعلى الصعيدى أفلام جيدة بل جميلة مثل البيه البواب، وكان آخرهم محمد هنيدى فى فيلمه الأشهر صعيدى فى الجامعة الأمريكية، إذاً فليس هناك من إشكالية أن يقدم رمضان دور الصعيدى ولكن المشكلة أن الفيلم مصنوع باستخفاف ظنوه خفة، ومصنوع باستهبال ظنوه استسهالا. الفيلم الذى يحكى عن الصعيدى خريج كلية الحقوق البليد الذى يتخرج بعد عمر من الكلية ويذهب ليلتحق بالعمل فى فندق فى العين السخنة ولا يفلح فى عمل بأساليب مفروض أنها مضحكة عفا عنها الزمن، ولكن انتقاله للعين السخنة فرصة هائلة لصناع الفيلم كى نرى كمشاهدين المزز من كل صنف ولون، وفرصة هائلة لبطل الفيلم كى يضحكنا على أساليب التحرش المختلفة بالنساء وتلك جريمة ما عاد السكوت عليها يصح.. نحن مجتمع يعانى من ظاهرة التحرش التى حولت حياة النساء لجحيم فى شوارعنا ولا شىء فى التحرش يدفع أقل البشر إحساساً إلى الضحك أو السخرية، ورغم هذا فبعض الأفلام ومنهم هذا الفيلم يتفنن فى تصوير تحرش البطل بالنساء كمواقف كوميدية يضحك منها المشاهدون رجالا ونساء، ومن فرط تكرار الأمر ينساب إلى وجدان المشاهد قبول هذه الآفة وعند البعض المشاركة فيها كنوع من الضحك والسخرية. فهل لم ير فينا أحد، صغار الصبية يتحرشون بالنساء ويضحكون وشكراً لمثل هذه الأفلام فى تأصيل تلك الآفة! وربما هذا الأمر وحيداً يكفى جريمة بالفيلم دون حاجة لأن أشير إلى سطحية أو عدمية فكرته التى اعتمدت فى الأساس على إيفيهات يطلقها البطل ما بين كل جملة وأخرى وقلم هنا وقلم هناك، ثم أغنية وكام بنت بترقص ويلا. رُبَ سائل يقول ولكن الفيلم اللى أنت شركتيه دلوقت هو الأعلى إيرادا بعد الجزيرة يعنى الجمهور عايز كده، وهذه هى السينما التى تربح ويؤازرها الجمهور والهجوم عليها وقوف ضد رغبة الجماهير.. ولهذا السائل أقول قد يكون هذا الفيلم حصل على بعض من إيرادات جماهير العيد وهذا لا ينفى عنه فساده وفساد فكره إن كان له، وفساد ذوقه، ومؤازرة جمهور راح يبعثر أمواله القليلة على مثل هذا الفيلم يجعله مذنباً مرتين، فلو أن فيلما سيئا فشل فى جذب الجماهير ربما ما كنت توقفت أمامه لكن بعض النجاح لفيلم سيئ يدعونا أن نحاسبه مرتين، مرة لأنه سيئ، ومرة لأنه أضاف فساداً لذوق جماهير تحتاج من يرتفع بها ولو قليلاً وليس من يهبط بها للدرك الأسفل. الكوميديا هى أعظم إنتاجات البشر وأكثرها حكمة، ولكنها حين تختلط بالاستسهال والاستهبال والدعوة للتحرش تصبح فسادا لا يجب الصمت تجاهه، أما الصعايدة فلهم الله، ولا أظن سوى أن عليهم أن يصرخوا فى صناع السينما ويقولوا «مطلوب واحد صعيدى وصلحه».






المصدر اليوم السابع - حنان شومان

تعليقات

المشاركات الشائعة