كريم عبد السلام يكتب : عمرو حمزاوى والديمقراطية حسب الرضا الأمريكى

المصدر اليوم السابع - كريم عبد السلام 


.. الناشط السياسى يرى استفتاء بريطانيا انتصارا للغوغائية ونتيجة لتزييف الوعى الممنهج.. ونسأله: كم مرة شاركت فى تزييف وعى المصريين؟ 
أغرب تعقيب على اختيار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبى كان من الباحث السياسى والناشط الحقوقى، الذى وصف نتيجة الاستفتاء الشعبى فى بريطانيا بانتصار الغوغائية، وبأن البريطانيين صوتوا للخروج من الاتحاد الأوروبى بعد تعرضهم لتزييف وعى ممنهج تورط به سياسيون وإعلاميون ومصالح مالية! تصوروا أن تكون تلك توصيفات حمزاوى أستاذ السياسة بالجامعة الأمريكية! غريبة ومهينة وصادمة؟ حمزاوى الذى صدعنا بعشرات المقالات عن الديمقراطية وشروطها المتحققة غربيا وعن ضرورة سعينا لبناء المجال السياسى ليتسع للجميع ولتتحقق فيه الحريات والحقوق، يعترف فجأة بأن استفتاء بريطانيا نتيجة تزييف الوعى الممنهج؟ هل تعترف يا سيد حمزاوى بنظريات حروب الجيل الرابع وتصميم الثورات وخلخلة المجتمعات لإدارتها فى هذا الاتجاه أو ذاك؟ وفى أى بلد، فى بريطانيا التى مازالت عظمى، بريطانيا أقدم الديمقراطيات الغربية؟! منتقدو حمزاوى يرون أنه أشبه بالصحن اللاقط الموجه - الدش أو الستلايت - يضبط نفسه تلقائيا على الإشارة الأمريكية، ثم يعيد بثها مع توجيهها إلى القطاع العربى الشرق أوسطى المكلف بمخاطبته منذ العام 2010، عندما بدأت قناة الجزيرة فى تقديمه وتلميعه باعتباره كبير الباحثين فى مركز كارنيجى للأبحاث، دون الإشارة طبعا إلى صلة المركز وباحثيه بدوائر أجهزة الاستخبارات والخارجية الأمريكية، كما يرى - منتقدو حمزاوى - أن الخارجية الأمريكية لو كانت أبدت ترحيبا بنتيجة الاستفتاء البريطانى لكان حمزاوى يفسر ويفصل أهمية وعبقرية هذا الاستفتاء على جميع وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وما غضب حمزاوى وتصريحاته المهينة للبريطانيين، إلا صدى صوت للغضب الأمريكى من الزلزال البريطانى المفاجئ الذى بعثر غزل السياسة والاقتصاد ليس فى أوروبا وحدها بل فى العالم كله. أنا لا أريد التوقف عند منتقدى حمزاوى بقدر ما أريد التوقف والتأمل فى ما تكشفه تصريحاته حول الاستفتاء البريطانى، من أن الشعوب والدول تتعرض لتزييف الوعى الممنهج، ويتم دفعها دفعا بوسائل الحرب النفسية والسيطرة الحديثة إلى تبنى قرارات ومواقف قد لا تكون فى صالحها، ومنها الانتفاضات الشعبية وما يعقبها من حراك سياسى، كم مرة تعرضت مصر والمصريون إذا لتزييف وعى ممنهج يا سيد حمزاوى؟ وكم مرة شاركت أنت بنشاطك السياسى والحقوقى والإعلامى فى صناعة هذا التزييف الممنهج؟!. أنت كنت واحدا ممن استفادوا كثيرا من مناخ السيولة السياسية بعد ثورة 25 يناير، استفدت من برامج التمويل الغربية وأسست حزبا سياسيا ودخلت البرلمان فى عهد الإخوان، لكنك كنت دائما ما تنتقد من يرون أن المصريين قد تعرضوا لتزييف وعى ممنهج حتى يلتفوا حول المجموعات فى الميادين، كما انتقدت بعبارات قاسية من رفضوا الاستقطاب فى استفتاء الدستور أو الانتخابات التى أجريت على أساسه وحرضت على السياسيين والإعلاميين المخالفين لك فى الرأى بدعوى حماية الثورة ومكتسباتها، إجمالا ساهمت فى أكبر عملية تزييف ممنهجة لخداع البسطاء ودفعهم دفعا لابتلاع الإخوان، الخيار الأمريكى، على اعتبار أن الجماعة وممثليها نتاج عملية سياسية مكتملة وحرة. هل كان نوعا من التزييف الممنهج أن تقول فى ندوة بالولايات المتحدة: "ما حدث فى ثورة 25 يناير أن شرائح واسعة من السكان نزلوا إلى الشارع كساحة للسياسة فاكتشفوا أن الشارع ساحة جيدة للاحتجاج السلمى والحراك الإيجابى ضد الحكومة الاستبدادية وللمطالبة بالمساواة ووضع حد للاستباد، وهذه التعبئة الجماهيرية السلمية فى 25 يناير، تمسكت بمطالب محددة للغاية ليست مدفوعة بأيديولوجية أو بأسباب دينة وسياسية". وعندما بدأت سفينة الإخوان فى الغرق قفزت منها برشاقة، لتؤيد ثورة 30 يونيو، ثم تتحفظ على إجراءات 3 يوليو بحسب النموذج الأمريكى الرمادى، لتتخذ من منابرك السياسية والإعلامية منصة لإطلاق الرسائل الموجهة والتحريض المباشر للاحتجاج والتغيير، فهل كانت مواقفك وكتاباتك فى هذه الفترة نوعا من تزييف الوعى الممنهج، بهدف دفع البسطاء للثورة والاحتجاج من جديد؟!. كم مرة يا سيد حمزاوى استخدمت ما لديك من نوافذ سياسية وإعلامية للمشاركة فى جوقة التزييف حول قانون التظاهر وتنظيم عمليات الاحتجاج مثل سائر دول العالم، وحول التلاعب بفكرة الحق فى الاحتجاج السلمى ليصبح ممارسة احتجاجية عنيفة دون نظام وتحديا للقانون؟. هل يندرج تحت تزييف الوعى ما تدعيه باستمرار من أن "مصر يثقل كاهلها الظلم تارة وإهدار كرامة الإنسان تارة ثانية وتتكالب عليها أزمة التنمية الغائبة ويتنازعها قهر الظروف المعيشية المتدهورة للفقراء. وهل يندرج تحت تزييف الوعى ما تدعيه من أن "الضمير الجمعى للكثير من مؤيدى السلطة الحاكمة يغلب الإنكار على الاعتراف بشأن جرائم القتل خارج القانون، وبشأن جرائم التعذيب فى أماكن الاحتجاز". هل تصدق نفسك يا سيد حمزاوى وأنت تقول "النظام الاستبدادى الذى جاء بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسى أسوأ من نظام مبارك الذى ثار عليه الشعب"، والمصريون يطالبون اليوم بوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان.. فالعامين الماضيين يعدان الأسوأ فى تاريخ الجمهورية المصرية منذ 1950. وهل ضميرك مرتاح يا سيد حمزاوى وأنت تطلق عباراتك المسمومة والموجهة من قبيل "لدينا للمرة الأولى فى التاريخ، مصريون فى الشتات فى خارج، والمثقفون وأصحاب الرأى والكتاب والأكاديميون أجبروا على مغادرة مصر بسبب القمع الذى يرتكبه النظام"، للمرة الأولى فى التاريخ يا حمزاوى؟ وكيف خرج هؤلاء من مصر؟ بطريقة شرعية، أم هربوا عن طريق السفارات الأجنبية لانتمائهم لجماعة الإخوان؟ من غير أعضاء جماعة الإخوان أو حلفائها هرب من مصر دون أن يكون ملاحقا قضائيا؟ هل لديك قائمة تتحفنا بها أم أن التزييف الممنهج يقتضى التهويل والتعميم ويفتقر بالضرورة إلى دقة الإحصاء؟!. لو عددنا لك يا سيد حمزاوى استخدامك للمعلومات بشكل خاطئ وملتوى واتجاهك للتحريض وتزييفك للحقائق، وتعبيرك عن توجهات السياسة الأمريكية حتى فيما يتعلق بمصالح البلد الذى تحمل جنسيته، لكتبنا عشرات الآلاف من الكلمات وما استطعنا أن نحيط بمنهجك فى تزييف الوعى الممنهج واستخدام حروب الجيل الرابع للنيل من خصومك السياسيين، لكن ما يطمئن أن المصريين شعب ذكى وقديم ولا يمكن أن تنطلى عليه نفس الحيلة مرتين، فإذا كان قد خرج للميادين بناء على تزييف وعيه مرة، فلن تستطيع قوة على الأرض أن تحرك هذا الشعب إلى غير ما يريد، ولك أن تيأس وتتوقف عن كتابة مقالك اليومى وأن تغادر إلى ستانفورد لتحكى هناك عن ضحايا تزييف الوعى الممنهج!


تعليقات

المشاركات الشائعة