جدل حول ابن رشد والغزالي في مؤتمر "فلسفة التأويل".. ومراد وهبة يدعو إلى تأسيس "رشدية عربية" ضد التطرف
المصدر بوابة الاهرام
جدل فكري شهده مؤتمر "فلسفة التأويل: آفاقها واتجاهاتها"، بالمجلس الأعلى للثقافة، اليوم الخميس، حول فلسفة التأويل عند الإمام أبو حامد الغزالي والفيلسوف ابن رشد، في ندوة "التأويل في التراث الإسلامي"، بحضور الدكتور مراد وهبة، رئيس الجلسة، والدكتور فتحي الزغبي، والدكتور حسين صبري، والدكتور محمود حيدر، والدكتور محمد ودافل.تقارير ومتابعات
حسناء الفضاء.. فوق السحاب "كابتن".. وفي البيت "أم".. وفي العزم "امرأة بـ 100 رجل"في ذكرى "بحر البقر".. مجازر الدم الإسرائيلية ضد العرب والأقصيشاهد بالفيديو والصور.. كيف يتم استخراج البترول في الصحراء الغربية
في مفتتح حديثه، قال الدكتور مراد وهبة، إن قضية التأويل التي جاءت عنوانا لهذا المؤتمر، هي القضية المحورية في هذا الزمان، ولكنها في الوقت ذاته مرفوضة من الأصوليات الدينية السائدة لأنها تقف ضد إعمال العقل في النص الديني الذي هو شرط التأويل، مشيرًا إلى أن الدعوة التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي تتسق مع قضية ذلك المؤتمر لأن التجديد يستلزم بالضرورة مجاوزة التفكير لأن التفكير يستلزم عدم الاختلاف. والسؤال الذي يطرحه "وهبة": ما العلاقة بين التأويل وتجديد الخطاب الديني؟ وبمعنى آخر: ما هو التأويل وما هو الخطاب الديني؟تطرّق "وهبة" إلى مفهوم التأويل عند ابن الأثير، ومغزاه عنده أن التأويل يشترط تجاوز ظاهر اللفظ، وإذا كان الظاهر مرتبطًا بالحس فتجاوزه يعني تجاوز الحس إلى العقل، إلا أن هذه المجاوزة تنطوي على مخاطرة لأن العقل، في هذه الحالة يكون معرضًا للخطأ وهو يبحث عن دليل لتبرير إعمال العقل. ويظن "وهبة" أن الغزالي هو أول من فطن إلى هذه المخاطرة عندما قال "بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر، والخائضون فيه تحزبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول، والي متوسط طمع في الجمع".وبسبب هذه التفرقة الحادة بين المعقول والمنقول، انشغل الغزالي بالمتوسطين، فوجد أنهم ينقسمون إلى خمس فرق الفرقة الأولى اقتنعوا بالمنقول وصدقوا بما جاء به النقل تفصيلًا، والفرقة الثانية هم الذين أفرطوا في المعقول ولم يكترثوا للمنقول. والفرقة الثالثة هم الذين جعلوا المعقول أصلًا فضعفت عنايتهم بالمنقول، والفرقة الرابعة جعلوا المنقول أصلا فلم يغوصوا في المعقول، فظهر التصادم لهم بين المعقول والمنقول، وأخيرًا الفرقة الخامسة هي الفرقة الجامعة بين البحث عن المنقول والمعقول.والغزالي ينحاز إلى مفهوم التأويل عند الفرقة الخامسة، ولكنه مع ذلك يحذر من تناوله، لأنه إما أنه تأويل بعيد عن الفهم، وإما أنه تأويل لا يتبين فيه وجه التأويل، وبالتالي فإنه يحذر من الاستعانة من التأويل، لأنه في النهاية تخمين. واللافت للانتباه هنا – كما يقول "وهبة" – أن الغزالي في البداية كان يبحث عن قانون للتأويل ولكنه في النهاية تراجع عن هذا البحث ومن ثم بقي التأويل عنده بلا قانون. أما ابن رشد فقد ارتأي ان تراجع الغزالي عن صياغة قانون للتأويل مردوده أنه كان ملتزمًا بالإجماع، أي أنه كان ملتزمًا بالمنقول دون المعقول، ويدل على ذلك من تكفيره فلاسفة المسلمين لأنهم تأثروا بالفلسفة اليونانية الوثنية المتمثلة في سقراط وأرسطو وأفلاطون. وفي هذا السياق، كان ابن رشد على نقيض الغزالي، إذ كان يدعو إلى أن نضرب بأيدينا إلى كتب القدماء وننظر فيما قالوه فإن كان كله صوابًا قبلناه، وإن كان فيه ما ليس صوابا نبهنا عليه. ومعنى هذه العبارة أن التكفير ليس واردا في زمن ابن رشد وبالتالي يمكن الأخذ بالتأويل إلا أنه يضيف قائلًا "التأويل يستلزم خرق الإجماع"، حيث يقول في كتابه "فصل المقال وتقريره بين الشريعة والحكمة": "لا يُقطع بكفر متى خرق الإجماع في التأويل". فإن التأويل مشروع عند ابن رشد، ومعناه إخراج النص من دلالته الحسية اإلى دلالته المجازية. ودعا "وهبة" إلى تأسيس "رشدية عربية" يكون بإمكانها أن تدخل في حوار مع الرشدية اللاتينية وبالتالي يدخل العالم الإسلامي في حوار مع العالم الغربي، وإذا سادت الرشدية العربية ستكون قادرة على دحض الأصوليات الدينية وما يترتب عليها من إرهاب.واعتبر "وهبة" أن ابن رشد هو الأصلح لهذه الأمة، ومع ذلك حتى هذه اللحظة هو هامشي في الحضارة الإسلامية، أما الغزالي هو زعيم العالم الإسلامي مع شريكه ابن تيمية، الذي يسيطر على الوهابية ويرفض التأويل.من ابن رشد إلى الغزالي، قدّم الدكتور فتحي الزغبي، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعتي الأزهر والشارقة، بحثًا فنّد فيه دور الإمام الغزالي في مواجهة التأويل الباطني إلى الباطنية، وذلك من خلال ما قام به من مناقشة لهذا التأويل الباطني في عدد من كتبه، وبخاصة في كتابه الشهير "فضائح الباطنية"، وكتابه الأشهر "المنقذ من الضلال"، مشيرًا إلى أن الإمام أبو حامد الغزالي كان صاحب عقل مفكر وبصيرة نافذة، حيث استوعب المشكلات التي عاصرها ابتداء من أصولها العقائدية التاريخية والاجتماعية، واتخذ لنفسه منهجًا يقوم على الاشتغال بالأمراض الأساسية التي انتشرت في داخل المجتمع الإسلامي. والإمام الغزالي - كما يراه "الزغبي"- أدرك تشخيص المشكلات التي عاصرها المتمثلة في جذور الانحرافات القائمة وأصول الإصلاح المنشود، فراح يبحث عما كان أصيلًا إسلاميًا ثم أصابه الانحراف وما لم يكن أصيلًا من الإسلام، بل وفد إليه من الخارج ثم محص الغزالي أكداس التراث العقائدي والاجتماعي الذي تناثرت أجزاؤه بين المذاهب الفقهية والفرق الصوفية والمذاهب الفلسفية والباطنية، واجتهد في إبعاد الغريب الضار واستبقاء الأصيل النافع ثم تنثيته من التشويه والتحوير الذي لحق به خلال المسيرة التاريخية للفكر الإسلامي. وقد فعل الغزالي هذا بعد أن قام بمواجهة الفلسفات الغازية والمعادية للإسلام والمتمثلة في الفلسفة اليونانية والفلسلفة الباطنية والتي كان لها تأثير ضار وهدام في مجالات العقيدة والأخلاق في الأفراد والمجتمعات على السواء فقام برد الناس إلى الإيمان والعقيدة والاعتماد على مصادر الدين الأصيلة. ووصفه "الزغبي" بالفارس المقتدر الذي استطاع أن يقف في حلبة الفكر مسلح بمثل أسلحة المهاجمين.وعلى مدار يومين (١٢ - ١٣ أبريل)، أُقيم المؤتمر الدولي الرابع لقسم الفلسفة - كلية الآداب - جامعة القاهرة، بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة، بعنوان "فلسفة التأويل: آفاقها واتجاهاتها"، برئاسة الدكتورة رجاء أحمد علي، ومقرر المؤتمر الدكتور سعيد توفيق، بحضور عدد من أساتذة الفلسفة والمثقفين العرب. افتتح المؤتمر، أمس الأربعاء، بقاعة المؤتمرات بكلية الآداب، جامعة القاهرة، وناقش خلال فعاليات اليوم الأول "ضرورة التأويل كتوجه معرفي"، في محاضرة ألقاها الدكتور سعيد توفيق، وعنونت الجلسة الأولى بـ"مقاربات نحو تأويل النص الفسلفي"، قدّم من خلالها أساتذة الفلسفة، شهادات حول؛ "تأويل القرآن وفلسفة النظم" لماسيمو كامبنيني، و"تأويل التفكيك" لأحمد عبدالحليم عطية، و"الهيرمنيوطيقا ونقد هابرماس" لأنور مغيث، و"التأويل وحق الاختلاف" لنور الدين السافي، و"تأويل النص في الدراسات الثقافية" لمحمد بو عزة، و"رفض التأويل في فكر سوزان سونتاغ" لفارس بن سلين، و"الهرمنيوطيقا (مدخل تطبيقي)" لماهر عبدالمحسن. وشهدت الجلسة الثانية في اليوم نفسه (١٢ أبريل)، شهادات حول "التأويل في التراث اليهودي والمسيحي"، حيث قدم الجمعي شبايكي بحثا بعنوان "الدور الهرمنيوطيقي في قراءة النص الديني"، وقدمت جاكلين غصين قراءة في نظريات أوجسطين من خلال كتابه "مدينة الله"، وقدم يحيى ذكرى بحث في "التأويل في التراث اليهودي"، كما قدمت فتيحة عابد دراسة في "التأويل الروحاني وظاهرة الكتاب المقدس"، وأخيرًا ناقش كرم عباس بحث في "تأويل التأويل في مؤلفات الأحكام". وناقش اليوم الثاني (١٣ أبريل) من المؤتمر المنعقد، بالمجلس الأعلى للثقافة، جلسات بحثية حول "التأويل في التراث الإسلامي"، و"التأويل في الفلسفة المعاصرة"، مع جلستين متوازيتين حول "التأويل في الأدب والفن"، وأخيرًا توصيات المؤتمر.
اقرأ أيضاً :
========
تعليقات
إرسال تعليق