«حقن الدماء».. عبودية الوقت

ناجح إبراهيم

عبادة الله هى الغاية العظمى من خلق الإنسان «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ».. ولكل وقت عبادته وطاعته التى يسميها بعض الفقهاء «واجب الوقت».. وهذا يختلف من وقت لآخر.. ومن شخص لآخر.
فالعبادة فى أيام العيد هى الفرحة والسرور وصلة الرحم والتواصل الإنسانى مع الآخرين وبث الألفة فى المجتمع كله.. فمن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة، أو انعزل عن الناس أو عبس وحزن واكتأب فى العيد، فقد ضيع عبادة وقته ولم يعرف واجب زمنه. وواجب الوقت فى ليالى العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف فى المسجد وكثرة قيام الليل وذكر الله والدعاء وقراءة القرآن.
وواجب الوقت أثناء الحج هى كثرة ذكر الله مع أداء المناسك، ولذلك لا يسن للحاج كثرة الصلاة.. ولا يسن له الصيام فى الحج.
والسؤال المطروح الآن بقوة أمام الجميع: ما هو واجب الوقت فى هذه الأيام؟
وأرى أن واجب الوقت الآن هو حقن دماء المصريين والوصول إلى صيغة للتعايش السلمى بين الأطياف السياسية المصرية ومشاركة الجميع فى الحكم دون إقصاء لأحد. وقد جعل الفقهاء العظام حفظ النفس من أهم الضرورات الخمس.. لأن إراقة الدماء هى كالمتوالية الهندسية.. فالنقطة الأولى تتحول إلى 2 ثم إلى 4 فـ 8 فـ 16 وهكذا.. ولعل هذا يفسر قول النبى «صلى الله عليه وسلم»: «ما من قتيل يقتل على الأرض ظلما إلا وكان على ابن آدم الأول كفل منه «أى نصيب منه» لأنه أول من سن القتل»
ولعل هذا يفسر أيضا قوله تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً»، فالإسلام وكل الأديان جاءت لحقن الدماء.. وجعلت من يقتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعًا.. وجاءت بفلسفة «الإحياء».. «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».. فكل من حقن دمًا معصومًا فكأنما أحيا الناس جميعًا.
فإلى كل من يشرع فى إراقة دم أخيه سواء كان ضابطا أو جنديا أو إسلاميا أو أى إنسان فى القاهرة أو فى الإسكندرية أو فى سيناء أو أى مكان أن يتوقف لحظة ويقرأ الحديث الصحيح عن ابن عمر: «ما يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما».
وعلى كل من يشرع فى قتل أخيه بأى حجة أن يتذكر ابنه الصغير أو شقيقه فيحجم عن فعلته.. «تعبدوا ربكم بحقن الدماء».. وتذكروا «أنها عبادة الوقت.. وواجب هذا الزمان».. وأكبر الطاعات فى هذه الأيام فى بلاد لم تكن تعرف سفك الدماء وكانت تعرف بالصفح والتسامح.. فأصبحت الدماء تراق فيها كل يوم ومن أجل أتفه الأسباب».
حقن الدماء مسؤولية الجميع بلا استثناء ولكن المسؤولية الأكبر دوما تقع على من بيده زمام الأمور وقيادة البلاد والعباد. حقن الدماء اليوم أولى من قيام الليل وصيام النوافل أو طلب العلم وبذله.. لأنه ببساطة «فرض الوقت». فهل تنهض طائفة لتضحى بجاهها من أجل حقن الدماء المصرية وتتحمل الأذى الذى سيلحق بها من كثير من السفهاء الذين سيشتمونها منذ بداية عملها وحتى نهاية حياتها زورا وبهتانا؟
أين من يبذل جاهه لكى تمر الأزمة بسلام وتنهض مصر من كبوتها.. أم أنه لا بد لنا من وسطاء أجانب كى يحلوا لنا مشاكلنا ويضعوا للجميع الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء.




المصدر اليوم السابع - ناجح ابراهيم



تعليقات

المشاركات الشائعة