في انتظار إشارة‏!‏ .. سيلفيا النقادي

تري ماذا يمكن أن تقول مدرستي ـ لو مازالت علي قيد الحياة ـ وهي تقرأ هذا المقال؟ لقد كان عمري اثني عشر عاما في ذلك الوقت‏..
وكنا في حصة اللغة الفرنسية نسيت أستيكتي في البيت.. استدرت, وبيدي لوحت لزميلتي التي كانت تجلس خلفي طلبا في أستيكتها.. وفي لحظة ثورة وجنون طلبت مدرستي أن أغادر الفصل فورا مشيرة إلي استخدامي إشارة غير لائقة. وعلي الفور تم فصلي من المدرسة لمدة يوم واحد.. وقد بقيت سنوات لا أفهم لماذا فصلت وما هي هذه الإشارة التي اعتبرتها مدرستي المتعسفة غير لائقة وأنا بريئة من كل ذلك!! وكانت هذه هي أول معرفة لي عن لغة الإشارات ورموزها التي يجهل كثير منا معانيها أو مغازيها, وهي لغة تطورت وكثرت علي مر عقود طويلة لتحمل كل واحدة منها معني ربما يكون أحيانا خفيف الظل أو خبيثا.. عاطفيا.. إنسانيا أو سياسيا!! لغة صامتة تحمل خلفها الكثير!
فسواء كانت اليد في وضع المد أو الثني.. سواء كانت الأصبع تشير إلي أعلي أو لأسفل..سواء كانت مستديرة.. كاملة.. أو ينقصها أحد أخواتها! كلها إشارات عرفتها الشعوب بثقافتها وعقائدها منذ قديم الأزل..كان أولها عندما كان يرسل المشجعون الرومان بإشارة إلي الحاكم تشير إلي الرضا عن المصارع في حلبة القتال وذلك برفع الإبهام لأعلي أو بقلبه لأسفل في حالة المطالبة بسحله لأنه لم يجد القتال!
وهكذا تطورت الإشارات ورموزها واستطاع هذا الكف الصغير بأصابعه الخمس المرنة الحركة أن يحرك الجموع بل ويوحدهم من خلال أشكال لها رسالتها ومغزاها بل وشفرتها في أحيان كثيرة!!
وهكذا أصبحت لهذه اللغة الصامتة مفعول سحري قادر علي الوحدة والاتصال من علي بعد أمتار أو أميال.. من علي المسرح.. في الملعب.. وسط المظاهرة.. في الحرب.. في النصر..في أي مكان!
ولا أعتقد أن في ثقافتنا نستخدم هذه الإشارات علي الرغم من أننا خضنا معارك كثيرة.. وناضلنا من أجل حقوق عديدة, وعلي الرغم من أننا كشعب نستخدم الأيادي للتعبير بشكل عنيف يصل للتوازي مع الكلام!! ولكننا لم نخرج بإشارة خاصة بنا تعبر عن اتجاه أو تترجم مغزي حتي جاءت هذه الإشارة رابعة التي استخدمتها جماعة الإخوان الإرهابية كعلامة تميزهم وتوحد من يؤمن بفكرهم ومذهبهم وما إلي ذلك من معان..
وكما ذكرت أن لكل زمن وقت وفكرا وإشارة أو علامة قد تبقي وتستمر وتنتقل عبر أجيال أو أحيانا تتلاشي وتموت مثلما اختفت.. تحية القائد الألماني النازي رودلف هتلر التي تحولت فيما بعد إلي رمز يعبر عن النازية الفاشية..
مات هذا الرمز.. لأن أحد لم يجرؤ علي استخدامه لأنه إشارة سيئة ترتبط في الأذهان بالقمع والقتل والاستعمار ومعان أخري كريهة لفظتها الشعوب ولم تعد لها بالتالي وجود.. ذلك بالإضافة إلي الدور الذي تلعبه القوي السياسية الكبري في قمع هذه الإشارات أو تشجيع استمرارها تحت مسميات حرية الرأي أو ديمقراطية التعبير!
وفي هذا الإطار قد يثير موقف وزير داخلية فرنسا مانويل فالس ـ وبدعم من الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ـ من وقف مسرحية الممثل الفكاهي والناشط السياسي الشهير ديودوني في الأسبوع الماضي التي اشتهرت إشارته لاكونيل والتي ابتدعها عام2005 وفسرها البعض علي أنها معادية للسامية, تساؤلا عن مدي دعم أو قمع بعض الدول الغربية الكبري لإشارات أو علامات تعتبرها رموزا سياسية عدائية لبعض الشعوب!! وإذا كان الأمر كذلك لماذا لا تنظر هذه الدول وغيرها أيضا إلي هذه الإشارات التي يسبح أعضاؤها في دماء الإرهاب!
لماذا يسمح باستخدامها علي أرض هذه البلاد؟ أم لأنها ليست معادية للسامية فلن تأخذ هذا القدر من الاهتمام؟
إنه مجرد تساؤل يبحث عن إجابة قد تكون منصفة للجميع.. ربما تدفع وتعيد الثقة لمعان نبيلة اهتزت مصداقيتها!! وعلي كل حال إنها مسئوليتنا أيضا كشعب ودولة أن نمحو هذه الإشارة المعادية للإنسانية كلها علي أرض هذا الوطن وكل الأوطان



المصدر الاهرام - سيلفيا النقادي

تعليقات

المشاركات الشائعة