من كان ـ كان إلي الجماعة‏!‏

سيلفيا النقادي

في عالم أصبح كل شيء فيه مقبولا‏..‏ كل شيء فيه مألوفا‏..‏ كل شيء فيه مبلوعا‏!!‏ أتساءل‏..‏ هل المستقبل مازال مفتوحا أمام غرائبيه المبدعين؟؟‏...‏

ولا أعني هنا هذا الابداع المعتاد الذي تقبله وتستريح له الحواس.. بل أعني الفكر المبدع الغرائبي الذي يراه البعض فيه شيئا من الجنون لأنه يخرج عن كل ما هو مألوف بالفعل ويحمل انفرادية خاصة قد يدرجها علماء النفس في عصرنا الحديث ضمن أمراض أو اضطرابات الجهاز العصبي التي تحتاج إلي علاج نفسي قد يتدخل فيه الدواء من أجل الشفاء..
وربما لأن ثقافتنا اليومية تميل إلي كل ما هو مألوف ـ تماشيا مع سياسة خليك جنب الحيط ـ لذا ربما لا يعرف البعض أن هذا الاتجاه الغرائبي المبدع الذين يطلقون عليه بالإنجليزية كلمة ـeccentricity ـ ليس بالجديد ومعناه ينبع في الأصل من مصطلحات علوم الفلك لتفسير حالة دوران كوكب في مدار غير اعتيادي... هذا الاتجاه بدأت ملامحه مع بدايات القرن الثامن والتاسع عشر في الغرب وبصفة خاصة في بريطانيا مواكبا بذلك الحركات الناشئة والملهمة لحرية الفكر والشخصية الفردية مع الابتعاد عن نماذج شخصية القرون الوسطي التي كان يحتمي تحت غطائها كثير من الناس تفاديا للنقد اللاذع إذا ما أعلنوا عن فكرهم أو مبادئهم! ومنذ ذلك الحين أصبح لهذا المصطلح معني مضاف يرتبط بالسلوك الشخصي المبالغ للإنسان ـ وليس فقط بعلوم بالفلك ـ وما يرتبط بذلك من ممارسات وعادات غريبة في المعيشة والمأكل والملبس والآراء البيزنطية والدينية أحيانا مع اهتمام مفرط بالصحة والرغبة في العزلة, وبالطبع لمس هذا الاتجاه كثيرا من الفنون بمختلف أشكالها وأنواعها.. ولكن ربما تستطيع فلسفة أداء الممثل العالمي الساخر شارلي شابلين ورقصة الكان ـ كان الفرنسية الشهيرة أن تكونا ضمن النماذج الأكثر قربا وتعبيرا عن ملامح هذا الاتجاه والذي جاء متحديا لكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية والسياسية والأخلاقية المتعارف عليها وبالتالي كان يحتاج إلي مجتمعات ذات ثقافة راقية وواثقة لكي ينمو فيها... مجتمعات تسمح لمن يملكون هذه الملكات الابداعية الغرائبية أن يكونوا مصدرا لإلهام الغير بثراء خيالهم الصادم ودعابتهم الساخرة وهما المكونان الأساسيان لهذا الاتجاه.
إذن وبعد هذا السرد القصير لأصل الموضوع.. هل تري أن سؤالي المطروح في بداية المقال كان في محله؟؟.. هل بالفعل سيتوقف مستقبل هذا الاتجاه ويأخذ معه أصحابه الغرائبيين المتفردين؟؟ أو أنه بالفعل انقرض وتوقف وأصبح لا وجود له!!؟ لأن العالم ببساطة أصبح كله غرائبيا بل ومخبولا... العالم من شرقه إلي غربه فتح ذراعيه للا معقول أن يكون معقولا بعد ما وافق علي أن يكون كل شيء مقبولا.. ومهضوما ـ كما يقول الأشقاء ـ
فمن أول سماحته في تقبل عار زواج الشواذ جنسيا وإدماجهم في المجتمع.. إلي استيعابه أخبار وصور آشلاء جثث الموتي مع قهوة الصباح.. إلي وقوفه ودفاعه عن حكماء مهطولين تحت مسمي ديمقراطيات زائفة.. إلي تجليل ثقافة الموت وبطولات الانتحاريين.. إلي التظاهر من أجل رئيس معتوه.. ناهيك عن بهلوانية الملبس ونشاذ الفن ومعايير الذوق!!
لذا.. أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال قد حسمت الآن.. أليس كذلك؟؟!
وفي حالة أنك مازلت مصرا علي أن تكون متفردا أو غرائبيا.. فقف وأعل صوتك عاليا.. عاليا جدا وقل أنا إنسان عادي.. أنا إنسان طبيعي.. ثم عليك الانتظار قليلا للنتيجة... والله ستجدهم في أنتظارك بالعشرات وممسكين لك البالطو الأبيض!!!.




المصدر الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة