سر رفض إحسان عبدالقدوس التمثيل أمام فاتن حمامة
المصدر الأهرام . أخبار الفن . ahram.org.eg
«عشت عمرى كله أحاول الإجادة على الشاشة، وقد نجحت لى أفلام، وفشل البعض، ولكنى لم أتوان عن العمل فى أى ظرف، لقد كنت أدخل البلاتوه أحيانا، وفى قلبى أحزان هائلة فأكتمها، وأقف أمام الكاميرا، وابتسم وأضحك، وفى عينى دموع متجمدة، لكن لابد أن أعمل لأن ورائى عمالا وزملاء سيكسبون رزقهم من وجودى ومن عملي، وأنا أعتبر التمثيل لذتى وحبى وهويتي، والشيء الذى أعمل له ألف حساب.
»أذكر أنه فشل لى أحد الأفلام فشلا ذريعا، فلما عدت للبيت أغلقت الباب وظللت أبكى طويلا، وقلت لنفسي: لن أمثل مرة أخري، وفى اليوم التالى كنت أقرأ سيناريو فيلم جديد.. فالسينما مثل الحياة: يوم حلو ويوم مر».
هذه بعض كلمات سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التى تحل اليوم الذكرى الثالثة لرحيلها « 27 مايو 1931 - 17 يناير 2015»، التى ارتبط اسمها بالسينما المصرية، وارتبطت بها السينما المصرية، فعندما تذكر السينما المصرية لابد أن يذكر اسم فاتن حمامة، والعكس صحيح، فهى أحد رموز السينما المشعة المنيرة، وجسدت من خلالها العديد من الأدوار المحفورة فى أذهاننا جميعا. فهى الفتاة البريئة المغلوب على أمرها التى تثير العطف والشفقة من منتصف الأربعينيات وحتى منتصف الخمسينيات، وفى الستينيات هى الطالبة، والعاملة، والصحفية، وفى السبعينيات هى الزوجة والأم، وهى أيضا الحلم والرمز، فقد خرجت بالنسبة لفتيات الشرق من كونها مجرد فنانة مبدعة إلى مثل أعلى ترنو إليه كل فتاة عربية، ومهارة فاتن حمامة أنها استطاعت أن تظل هذا المثل الأعلي، وأن تحتفظ وهى فى أشد حالات القلق الفنى برداء الطهارة والقداسة، وأن تسمو بنفسها فوق المغريات، وفوق كل ما يمكن أن يؤثر فى الهالة البيضاء التى لفتها، منذ أن جسدت أروع صور الحياة، وأسمى معانى الحب.
فى الستينيات وعندما ظهرت رواية « أيام معه» للكاتبة السورية كوليت خورى واجهت نقدا كبيرا، خصوصا من «الاتجاه الذكوري» الذى وجد فى الرواية تهديدا لتراث الذكورة الذى حافظ عليه الشرق بل افتخر به وجعل من موضوع المرأة محورا أساسيا لهذا التراث، وتمت إعادة طباعة الرواية أكثر من مرة، فالرواية كانت معالجة صادقة لقضية عادلة. كانت خورى تحكى قصتها مع الحياة فى المجتمع الشرقي، كانت قصة فتاة الشرق التى وجدت نفسها مكبلة بقيوده، ومنع عنها أوكسجين الحياة، ومعانيها الجميلة.
وشجع هذا النقد، وشهرة الرواية وكاتبتها، المنتج السينمائى الشهير رمسيس نجيب على تحويلها لفيلم سينمائي، وبالفعل اتصل بالكاتبة كوليت خوري، وعرض عليها تحويل روايتها لفيلم سينمائي، ووافقت الكاتبة، وأرسل رمسيس الرواية لنجمتنا الكبيرة فاتن حمامة، وقرأت الرواية، وأعجبت بكل تفاصيلها خاصة مقدمتها التى كانت تعيشها بقوة فى هذا الوقت والتى تقول فيها الكاتبة : « كيف أرضى أن أعيش بين أربعة جدران، أقتل طموحى بالملل، وأدفن آمالى فى انتظار العريس، لا! أنا لم أوجد فقط لأتعلم الطهو ثم أتزوج فأنجب أطفالا ثم أموت! كنت أستقبل أشعة الشمس كل يوم جديد بنظرة يائسة، لعلمى أن هذا اليوم سيكون اشد فراغاً من الذى سبقه واستبد بى اليأس، وظل يأكل من حياتى .. إلى أن تمردت أخيراً نفسى على نفسي».
وجدت فاتن فى الرواية صرخة تمرد تريد إرسالها لكل فتاة يقف المجتمع أو الزوج أو الأب أو الأخ فى طريق مستقبلها، وبدأت جلسات العمل، بين رمسيس، وفاتن ومخرج الفيلم بركات، واقترح بركات أن يؤدى دور البطولة أحمد مظهر أو شكرى سرحان فى دور الكاتب الذى تحبه البطلة، لكن فاتن فاجأت الجميع واقترحت اسم الكاتب إحسان عبدالقدوس ليؤدى دور البطولة أمامها، واستغرب بركات الاقتراح، لكن رمسيس نجيب سعد جدا بالاختيار، وأكد لها أنه سيكون «فيلم العمر»، وسيحدث ضجة ودويا كبيرين، لأن إحسان عبدالقدوس اسم كبير جدا فى عالم الأدب، والكتابة، والتمثيل ليس غريبا عليه فأمه السيدة روزاليوسف كبيرة ممثلات الشرق، ووالده محمد عبدالقدوس أحد رواد فن التمثيل المسرحى والسينمائي، وبالتأكيد اكتسب منهما «جينات تمثيلية»، كما أنه يتمتع بوسامة شديدة، واتصل رمسيس بكاتبنا الكبير الذى رفض فى البداية رفضا باتا، لكن بعد إلحاح رمسيس وافق، وبدأت جلسات القراءة، لكن بعض زملاء إحسان أخافوه من تجربة التمثيل، ومن فشله فيها، وهمس الأديب يوسف إدريس فى أذن كاتبنا إحسان عبدالقدوس : « الخوف الأكبر من غضب الشاعر نزار قبانى الذى ربطته الشائعات بالكاتبة، حتى أن البعض قال: رواية «أيام معه» للكاتبة السورية كوليت خورى اكتسبت شهرتها من معلومة مفادها أن بطلى الرواية الحقيقيين هما نزار قبانى وكوليت خوري، وأن أحداثها ما هى إلا أحداث حقيقية حصلت فى حياة الكاتبة و ترويها لنا فى صورة رواية رومانسية و أجادت الكاتبة فى حبكة الرواية و اختيارها للأحداث والشخصيات».
وهنا اتخذ إحسان عبدالقدوس قراره برفض الفيلم، الذى تم ترشيح أحمد مظهر لبطولته، لكن تم تأجيله لفترة، وفى أثناء ذلك سافرت فاتن حمامة للخارج لظروف شخصية خاصة بها، وظلت هناك فترة طويلة، ولم ترجع إلا فى بداية السبعينيات، وبعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وذلك فى فيلم « الخيط الرفيع».
تعليقات
إرسال تعليق