الدبابة «ليوبارد2» تضع مصداقية برلين على حافة السكين

المصدر الأهرام . أخبار العالم . ahram.org.eg
وضعت حكومة تسيير الأعمال بألمانيا نفسها على حافة السكين وعرضت مصداقيتها للخطر بسبب تراخيها غير المبرر فى إدانة تركيا لاستخدام أسلحتها ضد الأكراد بشمال سوريا وهو الأمر الذى يخالف القانون الألمانى الذى يحظر تصدير الأسلحة للدول المتورطة فى نزاعات عسكرية.
حالة من الغضب الشديد سادت الأوساط السياسية عقب الكشف عن قيام تركيا باستخدام الدبابات الألمانية «ليوبارد 2» فى غزو منطقة عفرين بشمال سوريا فى إطار عملياتها الحربية ضد الأكراد والتى أطلقت عليها «غصن الزيتون»..حيث اتهمت الأحزاب المختلفة حكومة ميركل «بالخيانة الأخلاقية» للقواعد الصارمة التى تتبعها برلين منذ الحرب العالمية الثانية تجاه تصدير الأسلحة. وأرجع المراقبون حالة الصمت والتراخى تجاه اتخاذ عقوبات رادعة ضد تركيا إلى حالة عدم الاستقرار السياسى الذى تعيشة ألمانيا منذ نهاية الانتخابات التشريعية فى سبتمبر الماضى وحتى الآن، وهو ما يجعلها تدير شئون البلاد من خلال حكومة تسيير أعمال ليس لديها صلاحيات لاتخاذ قرارات حازمة، وهذا بالفعل ما أعلنة وزير الخارجية زيجمار دابرييل حيث قال فى بيان للرد على هذه الاتهامات إن حكومة تسيير الأعمال لن تستبق نتيجة المفاوضات الجارية بشأن تشكيل ائتلاف حاكم ولن تبدأ بالتشاور بشأن أى مشروعات حساسة حتى يتم تشكيل حكومة جديدة.
ولكن هذا التصريح للخارجية الألمانية جعلها هدفا للعديد من الانتقادات واتهامها باتباع سياسة غير صادقة حيث وصفها المراقبون بالمتناقضة وذلك فى إشارة إلى ما أعلنه جابريل فى مطلع شهر يناير الماضى عن تعهده لنظيره التركى مولود جاويش اوجلو بدراسة تحديث الدبابات الألمانية للحماية من الألغام!
وتساءل المراقبون لماذا كان لدى حكومة تسيير الأعمال الجرأه للموافقة على طلب تركيا بتطوير الدبابات لمقاومة الألغام, ولماذا فقدتها عندما تعلق الأمر بإدانتها؟ هذا التناقض دفع بخبيرة شئون الدفاع فى حزب الخضر المعارض أنجيزتسكا بروجر لتوجيه انتقادات لاذعة للحكومة الألمانية وطالبت فى بيان صحفى بالوقف الفورى لجميع صادرات الأسلحة إلى تركيا، وأضافت أن سياسة المستشارة ميركل ووزير الخارجية زيجمار تجاه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان «أخفقت بشكل كارثي».
سلبية الحكومة الألمانية تجاه هذه القضية أرجعها بعض المقربين فى دوائر صنع القرار السياسى إلى وجود مفاوضات مع أنقره حول بعض الصحفيين المعتقلين فى السجون التركية وهو الأمر الذى جعلها مكتوفة الأيدي، ولكن هذا الطرح لم يعفها من موجة الغضب التى انعكست على المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة، حيث طالب الحزب الاشتراكى بضرورة وقف تصدير الأسلحة لتركيا مشددا على أن يتم إدراج ذلك ضمن النقاط التى يجرى التفاوض حولها قبل إعلان تشكيل الحكومة
بل إن زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب اليسار المعارض سيفيم داجديلن قد دعت إلى سحب جنود الجيش الألمانى من قاعدة حلف شمال الأطلسى «ناتو» فى ظل العملية العسكرية التركية فى عفرين..وطالبت بضرورة أن تصدر ميركل بيانا حكوميا بشأن «تصعيد الحرب التى يقوم بها حليفها فى أنقرة.
لم تطلق أحزاب المعارضة سهام النقد وحدها تجاه حكومة تسيير الأعمال بل شاركها أيضا المراقبون الذين أكدوا أن صادرات الأسلحة إلى تركيا كانت دائما محفوفة بالمخاطر. فرغم كون تركيا عضوا فى حلف الناتو إلا أنها تتصرف بشكل مخالف للمصالح الغربية وضد القانون الدولي. فدبابات ليوبارد الألمانية التى يستخدمها الرئيس أردوغان لتدمير سوريا الجريحة ولدك مواقع كردية تعتبر أمرا مخجلا، وعلى هذا الأساس يبقى من غير المفهوم بأى ثقة عمياء تقف الحكومة الألمانية إلى جانب تركيا.
وعلى الرغم من إعلان وزير الخارجية جابريل عن نيته طرح قضية وقف قرار تحديث الدبابة الألمانية لصالح تركيا على الحكومة التى سوف يتم تشكيلها قريبا, إلا أن ذلك لم يشفع له, حيث رصد المراقبون ومن قبلهم البرلمان تأخره فى إدانة إستخدام تركيا للأسلحة الألمانية المخصصة للتنظيمات الإرهابية وداعش فى حربها غير الشرعية ضد الأكراد والسوريين. لم تفلح الضغوط القوية التى تتعرض لها الحكومة الألمانية فى تغيير سياستها تجاه أنقره، ولم تستطع القوى السياسية ومن قبلها البرلمان أن يجبرها بشكل أو بآخر على إصدار إدانة واضحة لاستخدام تركيا أسلحة ألمانية فى حرب غير شرعية وتخالف القانون الدولي، هذا التعنت الواضح ربما يعود كما أكدت بعض التسريبات إلى علم الحكومة الألمانية المسبق بما أقدمت عليه تركيا، حيث أشارت إلى أن وزير الدفاع التركى نور الدين جانيكلى قد اجتمع بالسفير الألمانى فى أنقره قبل غزو عفرين وقدم له جميع المعلومات اللازمة حول الهجوم. ومن المتوقع بعد هذه التسريبات تصاعد حدة المواجهة بين الأحزاب الرئيسية المشاركة فى الائتلاف الحكومى المزمع تشكيله، ومن الواضح أيضا أن أجندة المفاوضات بينهم سوف تتخذ أبعادا جديده ربما تنعكس على إطالة أمد التفاوض، حيث بدأت مؤشرات سلبية تتحدث عن أزمة ثقة وعدم وجود مصداقية تجاه مختلف القضايا التى تمس صورة ألمانيا فى الخارج.

تعليقات

المشاركات الشائعة