شيرين العدوى : الجائزة زهرة ألقاها الشعر فى طريقى بلحظة استثنائية
المصدر الاهرام . اخبار الأدب
بعد فوزها بجائزة «حسن القرشى» لهذا العام
لم يكن يخطر ببال ابنة المنصورة، الفتاة «شيرين العدوي» بعد نجاحها فى الثانوية العامة، أن والدها سيوافق على التحاقها بكلية دار العلوم، وإقامتها فى القاهرة وحدها، فقط لأنه معجب بالشاعر الكبير الراحل «فاروق شوشة». وأن «شوشة» نفسه سيعجب بشعرها، ويعتبرها ابنته وامتدادا لتجربته، ويدفعها للمشاركة فى المسابقات المهمة، لأن الجوائز تمثل دافعا قويا للمبدع، وتشاء الأقدار أن تحمل دورة «جائزة حسن القرشي» لهذا العام، والتى فازت بها مؤخرا، اسم «فاروق شوشة» الذى تمنى والدها أن تصبح مثله.
ووصفها الدكتور أحمد فرحات أستاذ النقد الأدبى بجامعة الفارابي، بشاعرة الجموح، إذا ركبت الشعر فلا شئ يوقفها، كما قال الشاعر أحمد سويلم إنها تمتلك طاقة شعرية متفجرة، تنطلق حين تشعر بصدق أن بداخلها شوقاً إلى الانطلاق.
حصدت عدة جوائز شعرية مهمة فى سن صغيرة.. كيف كان هذا؟
حصلت على «جائزة أحمد شوقي» فى الشعر عام 1998 عن ديوان «دهاليز الجراح»، والحقيقة أن زوجى هو الذى بادر بتقديم ديوانى من دون علمى ليقينه بفوزى كما قال، وكنت فى تلك الفترة غير معروفة، إلا فى كلية الإعلام التى أقوم بالتدريس فيها، لكنى فوجئت عندما خرجت إلى المجتمع الأدبى بوجود متابعين لما أكتبه، حيث سبقتنى أشعارى إليهم بعد مجهود كبير فى الجامعة، وهذه الجائزة اكتسبت قيمة مضافة من الأسماء العظيمة الذين منحوها لي، الشاعر الكبير فاروق شوشة والدكتور عبد القادر القط والشاعران محمد الفيتورى ومحمد التهامي، وكانت شهادة ميلاد لي، وبعدها حُزت جائزة الهيئة العامة للثقافة، التى تقدمت إليها تحت إلحاح الشاعرة ملك عبد العزيز بعد سماعها أشعارى فى معرض الكتاب، ثم جائزة دار الأدباء، ثم توقفت عن التقدم للجوائز لفترة، لكن الشاعر «أحمد سويلم» الذى أعتبره أبى الروحي، شجعنى على التقدم لجائزة الدولة التشجيعية، وتقدمت مرتين، وأحسست بعدم الإنصاف، فتوقفت عن التقدم لأية جوائز.
لكن ديوانك «سماء أخري» فاز بجائزة «حسن القرشي» أخيرا، فماذا قالت عنه لجنة التحكيم؟
الشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة هو الذى حثنى على التقدم لهذه الجائزة، وكنت قد دعيت لحضور احتفالية الجائزة العام الماضي، وألقيت بعض أشعارى فانبهر بها الجميع، وكانت الأستاذة «ليلى القرشي» صاحبة الجائزة فخورة بوجود شاعرة أنثى بهذا المستوي، وتقدمت إليها ولم أضع الفوز فى اعتباري، وسعدت بالفوز. لكن السعادة الحقيقية عندما رأيت الفرح فى مصر والوطن العربي، فقد تلقيت اتصالات عديدة من خارج مصر لتهنئتى وإبلاغى بأنهم سيحضرون إلى مصر خصيصاً لحضور حفل تسليم الجوائز، وهذا مكسب معنوى أهم عندى بكثير من أى مكاسب أخري.
وكذلك كونها جائزة تأتى من المملكة العربية السعودية لابنة النيل، فهذا شئ أعتز به، ويكفينى أن هذه الدورة باسم الشاعر الكبير فاروق شوشة، لأنه كان يعتبرنى ابنته وامتدادا لتجربته، وكان سبب موافقة والدى على التحاقى بكلية دار العلوم، وتمنى أن أكون مثله، فقد كان من أشد المعجبين به. أما عن تقرير لجنة التحكيم فلم أُبلغ به بعد، لكن تم إبلاغى أن اللجنة كانت سعيدة بأشعاري.
ما تأثير الجائزة على المبدع بتقديرك. لأى مدى يكون إيجابياً، ومتى يكون سلبياً؟
الجائزة سلاح ذو حدين، فبعد فوزى بالجائزة الأولى كان يمكن أن يصيبنى داء الغرور، وحدث العكس تماماً، لأنى شعرت أن الفوز مسئولية كبيرة، ويجب إكمال الطريق بنفس القوة والتقدير لمن وضعوا ثقتهم بي، ولم أتعامل مع الشعر طوال مسيرتى على أنه «بروش» أزين به فستاني، وإنما هو معاناة كبيرة، وإحساس بآلام الناس، وحرص دائم على التعبير عنهم، وهذه رسالتى فى الحياة، فالشعر جمال حتى حين يعرض للمعاناة والقبح. أما الناحية الإيجابية فتكمن فى حالة الفرح والتقدير التى يشعر بها الشاعر الفائز، فالجائزة زهرة ألقاها الشعر فى طريقى بلحظة إستثنائية من الحياة، وحقيقة الأمر أن الجوائز أو التقدير المعنوى البسيط يكون له أبلغ الأثر عند أى شاعر، وأذكر عندما كنت فى الجزائر، وأثناء إلقائى قصيدة فى الشهر الثقافى المصرى الجزائرى فوجئت بوزيرة الثقافة الجزائرية «خليدة تومي» تصعد إلى المنصة وتحتضننى لتأثرها الشديد، وكان لهذا تأثير كبير عليّ.
بتقديرك.. ما سبب تفضيل الشاعر لنوع ما من الشعر كالتفعيلة أو قصيدة النثر، هل هى الموهبة التى تحدد، أم أنه اختيار ارادي؟
الذى يحدد نوع ما يُكتب إحساس الشاعر نفسه بكلمته، وأنا أميل جداً إلى قصيدة التفعيلة وأشعر أنى أشبهها، مثلها طفلة أقفز وأجري، ويبدو أننى أكتب نفسي، فشعرى كله يأتى لى وحياً على غير موعد وليس صنعاً بموعد محدد، وفترة تكوين القصيدة تكون أشبه بمعركة، أشعر بالمرض الشديد فيها وأصبح مثل الفراشة التى تدخل الشرنقة وأنفصل عن العالم تماماً، حتى تأتى لحظة ميلادها وتكون لحظة فيض غير عادية، وأحب كتابة جميع أنواع الشعر، فأول دواويني، وهو لم يخرج إلى النور لشعورى بأنه تقليدي، كان عاموديا بالكامل وعلى كل بحور الشعر تقريباً، لكننى اكتشفت وجود قصائد لا تعجبني، وهذا جعلنى أعيد حساباتى نوعاً ما.
لماذا تراجع دور الشعر إبداعياً أمام الرواية والقصة القصيرة خلال العقود الأخيرة بنظرك؟
من وجهة نظرى لم يتراجع، والتعبير الصحيح أنه أُرجع بفعل فاعل أو مع سبق الإصرار والترصد، فبعض الناس كان من مصلحتهم جعل الرواية أعلى من الشعر. نحن نتعرض لهجمة شرسة تهدد الوطن، ومن أدواتها تدمير لغتنا وإبداعاتنا وثقافتنا لتهميش الهوية العربية، ولأن الغرب يتميز بالرواية والمسرح ونحن نتميز بأننا أمة شعر، بدأ الغرب بتدمير حاجز الشعر، ونجد أن عرض أى شئ خاص بالشعر يأتى فى نهاية البرامج التليفزيونية، كذلك الشعراء ضيوف غير مرغوب فيهم فى البرامج الحوارية، وإن استضافوا شاعرا يكون غير حقيقى ويفقد الشعر رونقه، وبالتالى يرسم المتلقى صورة سيئة عن الشعراء، بجانب إهانتنا للغة العربية وتدميرها فى عقول الأطفال والشباب، وساعد على ذلك التعليم الأجنبى حيث أصبح البعض يخجل من استخدام اللغة العربية، وأصبح التحدث بالإنجليزية دليل تقدم وثقافة، وفى المهرجانات أصبح التحدث بالعامية بحجة أنها أقرب إلى الناس، مع أن الفصحى فى غاية السهولة والروعة وتصل إلى قلوب وعقول البشر، ورغم هذا لا يزال عندى ثقة وأمل فى شبابنا، ففى الثورتين اللتين مررنا بهما كان الشعب فى الميدان يلقون أشعاراً ولا يقرأون روايات، وفى النهاية لا يصح إلا الصحيح.
البعض يرى أن قصيدة النثر هى المتن الشعرى الآن، والقصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة صارت من الماضي، فهل استنفدت الموسيقى أغراضها فى الشعر بحيث لم يعد لها منطق جمالى الآن فى الإبداع الشعري، والذى تحرر قبل ذلك من العروض؟
أصحاب هذا الرأى كانوا يواجهون مشكلتين، الأولى أنهم لم يدرسوا العروض وموسيقى الشعر جيداً، هم كتبوا قصيدة النثر مباشرة، وبالتالى لا يستطيعون أن يشعروا بالجمال الذى تضيفه الموسيقى للقصيدة، وأنا هنا لست ضد قصيدة النثر. والمشكلة الثانية هى ماتحدثنا عنه سابقاً وهو تدمير وتكسير اللغة، على حساب قصيدة النثر وغيرها، ويجعلونها فى صورة شاعر متمرد عظيم يتمرد على كل الثوابت والجماليات، وأنا أطالبهم بالسير فى الطريق الذى يريدونه، ولكن دعوا الثوابت كما هي، ولكى يثبتوا صحة كلامهم، أتوا ببعض القصائد السخيفة التى استخدمت الموسيقى ولكنها لم تف بالغرض ولا تقدم شيئا، وبالتالى ابتعد عنها الناس، ففى حقيقة الأمر أن الشعر مر بمراحل طويلة جداً فى الكتابة، وصار يستفيد الآن من كل ما حوله من مقومات الحياة، حتى الشعر الجاهلى كان يسلك نفس الطريق، فنحن الآن أصبح لدينا فن تشكيلى ومسرح وسينما وتليفزيون، كل هذه الأشياء تستفيد منها القصيدة بشكل ما دون أن نشعر، ولذلك القصيدة أصبحت أكثر تعقيداً من الماضي، بالرغم من وجود بعض من الفلسفة أيضاً فى الماضي، ولكننا لم نلتفت إليها لأننا لم ندرس تراثنا جيداً، فعلينا أن ندرس تراثنا جيداً فى البداية، ثم ننطلق كما نريد أو نشاء.
قرأت «أزهار الشر» لبودليير فى سن مبكرة، وبالرغم من ذلك لم تكتبى قصيدة النثر التى ابتكرها، ألم يكن لرائد الحداثة الشعرية العالمية تأثير عليكِ؟
من الطبيعى أن أكتب تجربتى الإنسانية، لكن «أزهار الشر» أعطتنى فكرة عن كيفية الكتابة المغايرة قبل دراستى للتراث، وكان نتيجة ذلك أننى أخذت فكرة عن القصيدة الغربية قبل معرفة تراثى العربي، وأعتقد أن ذلك ساعدنى فى الانفتاح على الآخر مع الاحتفاظ بهويتي، وهذا المزج أفادنى كثيراً.
هل دراستك فى دار العلوم هى التى جعلتك أكثر ميلاً للأساليب التراثية فى الإبداع الشعري؟
لم تؤثر إطلاقاً، لكن مكتبة والدتى كان لها دور كبير فى تشجيعى على القراءات المختلفة عن التراث بمفهومه الصحيح المغاير تماماً عما يدرس، فعند قراءة التراث قراءة صحيحة نجد فيه كل شئ جميلا فى الحياة، فهو يُدرس أو متعارف عليه بشكل تقليدى ومنغلق يجعل الناس تنفر منه، فتراثنا فى غاية الإبداع و الجمال وليس بالحدة والعنف والقوة كما صوروه.
كيف ترين الجوائز العربية المخصصة للإبداع والجدل الذى يدور حولها؟
دائماً ما يحدث لغط عند الفوز بأى جائزة، ولكن لو نظرنا بصورة محايدة فسنجد ان الفائز يستحق ذلك الفوز، ربما يكون هناك أحياناَ ظلم لشعراء جيدين ولا يتقدمون لهذه الجوائز، وإذا تقدموا لا يحصلون عليها، فيكون هذا مؤلما بالطبع، لكن بالرغم من ذلك فإقامة الجوائز شئ رائع ومثمر ومشجع للشعراء الشباب، وأطالب بضرورة وجود تحكيم حقيقى وأن تتكون لجنة التحكيم من رموز من دول مختلفة وليست دولة واحدة فقط، مع عدم معرفتهم بأسماء الشعراء المتقدمين للجائزة.
كيف أثر الشعر فى حياتك الإنسانية؟ وهل أفادك أم كان سببا فى إزعاجك؟
هو سبب مشكلة وأزمة كبيرة، فالحياة ليست بهذه المثالية التى أنشدها فى أشعاري، فالشعر وضعنى فى إطار الالتزام الصارم، فهو بمعنى أدق «خطفني»، فأنا معجونة وأتنفس شعرا، والشعر أصبح تركيبتى فى الحياة، وأنا فى النهاية انسان قد يخطئ، ولكن عندما يحدث ذلك فأنا أمرض بشدة لشعورى بأنى أخطأت.
هل شعرتى فى لحظة بأن لجان التحكيم تجاملك كونك امرأة؟
العكس هو الذى يحدث تماماً، فالمرأة الشاعرة مظلومة جداً، فدائماً يتم وضعها فى إطار أنها أنثي، ولكن فى حقيقة الأمر أنا لا أكتب بوصفى امرأة أو أنثي، ولكن لأن الله ألهمنى الكتابة، وجعلنى سبباً لتوصيل رسائل إنسانية من خلال الشعر، وأنا أحصل على الجوائز بوصفى شاعرة فقط لا غير، وخاصة أن نصوصى مؤلمة وثقيلة، فأحياناً أشفق على من يقرأها ويسمعها، لم أجامل على مدار مشوارى الشعري، بل بالعكس كنت دائماً يتم إقصائى من كل شئ أستحقه.
حصدت عدة جوائز شعرية مهمة فى سن صغيرة.. كيف كان هذا؟
حصلت على «جائزة أحمد شوقي» فى الشعر عام 1998 عن ديوان «دهاليز الجراح»، والحقيقة أن زوجى هو الذى بادر بتقديم ديوانى من دون علمى ليقينه بفوزى كما قال، وكنت فى تلك الفترة غير معروفة، إلا فى كلية الإعلام التى أقوم بالتدريس فيها، لكنى فوجئت عندما خرجت إلى المجتمع الأدبى بوجود متابعين لما أكتبه، حيث سبقتنى أشعارى إليهم بعد مجهود كبير فى الجامعة، وهذه الجائزة اكتسبت قيمة مضافة من الأسماء العظيمة الذين منحوها لي، الشاعر الكبير فاروق شوشة والدكتور عبد القادر القط والشاعران محمد الفيتورى ومحمد التهامي، وكانت شهادة ميلاد لي، وبعدها حُزت جائزة الهيئة العامة للثقافة، التى تقدمت إليها تحت إلحاح الشاعرة ملك عبد العزيز بعد سماعها أشعارى فى معرض الكتاب، ثم جائزة دار الأدباء، ثم توقفت عن التقدم للجوائز لفترة، لكن الشاعر «أحمد سويلم» الذى أعتبره أبى الروحي، شجعنى على التقدم لجائزة الدولة التشجيعية، وتقدمت مرتين، وأحسست بعدم الإنصاف، فتوقفت عن التقدم لأية جوائز.
لكن ديوانك «سماء أخري» فاز بجائزة «حسن القرشي» أخيرا، فماذا قالت عنه لجنة التحكيم؟
الشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة هو الذى حثنى على التقدم لهذه الجائزة، وكنت قد دعيت لحضور احتفالية الجائزة العام الماضي، وألقيت بعض أشعارى فانبهر بها الجميع، وكانت الأستاذة «ليلى القرشي» صاحبة الجائزة فخورة بوجود شاعرة أنثى بهذا المستوي، وتقدمت إليها ولم أضع الفوز فى اعتباري، وسعدت بالفوز. لكن السعادة الحقيقية عندما رأيت الفرح فى مصر والوطن العربي، فقد تلقيت اتصالات عديدة من خارج مصر لتهنئتى وإبلاغى بأنهم سيحضرون إلى مصر خصيصاً لحضور حفل تسليم الجوائز، وهذا مكسب معنوى أهم عندى بكثير من أى مكاسب أخري.
وكذلك كونها جائزة تأتى من المملكة العربية السعودية لابنة النيل، فهذا شئ أعتز به، ويكفينى أن هذه الدورة باسم الشاعر الكبير فاروق شوشة، لأنه كان يعتبرنى ابنته وامتدادا لتجربته، وكان سبب موافقة والدى على التحاقى بكلية دار العلوم، وتمنى أن أكون مثله، فقد كان من أشد المعجبين به. أما عن تقرير لجنة التحكيم فلم أُبلغ به بعد، لكن تم إبلاغى أن اللجنة كانت سعيدة بأشعاري.
ما تأثير الجائزة على المبدع بتقديرك. لأى مدى يكون إيجابياً، ومتى يكون سلبياً؟
الجائزة سلاح ذو حدين، فبعد فوزى بالجائزة الأولى كان يمكن أن يصيبنى داء الغرور، وحدث العكس تماماً، لأنى شعرت أن الفوز مسئولية كبيرة، ويجب إكمال الطريق بنفس القوة والتقدير لمن وضعوا ثقتهم بي، ولم أتعامل مع الشعر طوال مسيرتى على أنه «بروش» أزين به فستاني، وإنما هو معاناة كبيرة، وإحساس بآلام الناس، وحرص دائم على التعبير عنهم، وهذه رسالتى فى الحياة، فالشعر جمال حتى حين يعرض للمعاناة والقبح. أما الناحية الإيجابية فتكمن فى حالة الفرح والتقدير التى يشعر بها الشاعر الفائز، فالجائزة زهرة ألقاها الشعر فى طريقى بلحظة إستثنائية من الحياة، وحقيقة الأمر أن الجوائز أو التقدير المعنوى البسيط يكون له أبلغ الأثر عند أى شاعر، وأذكر عندما كنت فى الجزائر، وأثناء إلقائى قصيدة فى الشهر الثقافى المصرى الجزائرى فوجئت بوزيرة الثقافة الجزائرية «خليدة تومي» تصعد إلى المنصة وتحتضننى لتأثرها الشديد، وكان لهذا تأثير كبير عليّ.
بتقديرك.. ما سبب تفضيل الشاعر لنوع ما من الشعر كالتفعيلة أو قصيدة النثر، هل هى الموهبة التى تحدد، أم أنه اختيار ارادي؟
الذى يحدد نوع ما يُكتب إحساس الشاعر نفسه بكلمته، وأنا أميل جداً إلى قصيدة التفعيلة وأشعر أنى أشبهها، مثلها طفلة أقفز وأجري، ويبدو أننى أكتب نفسي، فشعرى كله يأتى لى وحياً على غير موعد وليس صنعاً بموعد محدد، وفترة تكوين القصيدة تكون أشبه بمعركة، أشعر بالمرض الشديد فيها وأصبح مثل الفراشة التى تدخل الشرنقة وأنفصل عن العالم تماماً، حتى تأتى لحظة ميلادها وتكون لحظة فيض غير عادية، وأحب كتابة جميع أنواع الشعر، فأول دواويني، وهو لم يخرج إلى النور لشعورى بأنه تقليدي، كان عاموديا بالكامل وعلى كل بحور الشعر تقريباً، لكننى اكتشفت وجود قصائد لا تعجبني، وهذا جعلنى أعيد حساباتى نوعاً ما.
لماذا تراجع دور الشعر إبداعياً أمام الرواية والقصة القصيرة خلال العقود الأخيرة بنظرك؟
من وجهة نظرى لم يتراجع، والتعبير الصحيح أنه أُرجع بفعل فاعل أو مع سبق الإصرار والترصد، فبعض الناس كان من مصلحتهم جعل الرواية أعلى من الشعر. نحن نتعرض لهجمة شرسة تهدد الوطن، ومن أدواتها تدمير لغتنا وإبداعاتنا وثقافتنا لتهميش الهوية العربية، ولأن الغرب يتميز بالرواية والمسرح ونحن نتميز بأننا أمة شعر، بدأ الغرب بتدمير حاجز الشعر، ونجد أن عرض أى شئ خاص بالشعر يأتى فى نهاية البرامج التليفزيونية، كذلك الشعراء ضيوف غير مرغوب فيهم فى البرامج الحوارية، وإن استضافوا شاعرا يكون غير حقيقى ويفقد الشعر رونقه، وبالتالى يرسم المتلقى صورة سيئة عن الشعراء، بجانب إهانتنا للغة العربية وتدميرها فى عقول الأطفال والشباب، وساعد على ذلك التعليم الأجنبى حيث أصبح البعض يخجل من استخدام اللغة العربية، وأصبح التحدث بالإنجليزية دليل تقدم وثقافة، وفى المهرجانات أصبح التحدث بالعامية بحجة أنها أقرب إلى الناس، مع أن الفصحى فى غاية السهولة والروعة وتصل إلى قلوب وعقول البشر، ورغم هذا لا يزال عندى ثقة وأمل فى شبابنا، ففى الثورتين اللتين مررنا بهما كان الشعب فى الميدان يلقون أشعاراً ولا يقرأون روايات، وفى النهاية لا يصح إلا الصحيح.
البعض يرى أن قصيدة النثر هى المتن الشعرى الآن، والقصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة صارت من الماضي، فهل استنفدت الموسيقى أغراضها فى الشعر بحيث لم يعد لها منطق جمالى الآن فى الإبداع الشعري، والذى تحرر قبل ذلك من العروض؟
أصحاب هذا الرأى كانوا يواجهون مشكلتين، الأولى أنهم لم يدرسوا العروض وموسيقى الشعر جيداً، هم كتبوا قصيدة النثر مباشرة، وبالتالى لا يستطيعون أن يشعروا بالجمال الذى تضيفه الموسيقى للقصيدة، وأنا هنا لست ضد قصيدة النثر. والمشكلة الثانية هى ماتحدثنا عنه سابقاً وهو تدمير وتكسير اللغة، على حساب قصيدة النثر وغيرها، ويجعلونها فى صورة شاعر متمرد عظيم يتمرد على كل الثوابت والجماليات، وأنا أطالبهم بالسير فى الطريق الذى يريدونه، ولكن دعوا الثوابت كما هي، ولكى يثبتوا صحة كلامهم، أتوا ببعض القصائد السخيفة التى استخدمت الموسيقى ولكنها لم تف بالغرض ولا تقدم شيئا، وبالتالى ابتعد عنها الناس، ففى حقيقة الأمر أن الشعر مر بمراحل طويلة جداً فى الكتابة، وصار يستفيد الآن من كل ما حوله من مقومات الحياة، حتى الشعر الجاهلى كان يسلك نفس الطريق، فنحن الآن أصبح لدينا فن تشكيلى ومسرح وسينما وتليفزيون، كل هذه الأشياء تستفيد منها القصيدة بشكل ما دون أن نشعر، ولذلك القصيدة أصبحت أكثر تعقيداً من الماضي، بالرغم من وجود بعض من الفلسفة أيضاً فى الماضي، ولكننا لم نلتفت إليها لأننا لم ندرس تراثنا جيداً، فعلينا أن ندرس تراثنا جيداً فى البداية، ثم ننطلق كما نريد أو نشاء.
قرأت «أزهار الشر» لبودليير فى سن مبكرة، وبالرغم من ذلك لم تكتبى قصيدة النثر التى ابتكرها، ألم يكن لرائد الحداثة الشعرية العالمية تأثير عليكِ؟
من الطبيعى أن أكتب تجربتى الإنسانية، لكن «أزهار الشر» أعطتنى فكرة عن كيفية الكتابة المغايرة قبل دراستى للتراث، وكان نتيجة ذلك أننى أخذت فكرة عن القصيدة الغربية قبل معرفة تراثى العربي، وأعتقد أن ذلك ساعدنى فى الانفتاح على الآخر مع الاحتفاظ بهويتي، وهذا المزج أفادنى كثيراً.
هل دراستك فى دار العلوم هى التى جعلتك أكثر ميلاً للأساليب التراثية فى الإبداع الشعري؟
لم تؤثر إطلاقاً، لكن مكتبة والدتى كان لها دور كبير فى تشجيعى على القراءات المختلفة عن التراث بمفهومه الصحيح المغاير تماماً عما يدرس، فعند قراءة التراث قراءة صحيحة نجد فيه كل شئ جميلا فى الحياة، فهو يُدرس أو متعارف عليه بشكل تقليدى ومنغلق يجعل الناس تنفر منه، فتراثنا فى غاية الإبداع و الجمال وليس بالحدة والعنف والقوة كما صوروه.
كيف ترين الجوائز العربية المخصصة للإبداع والجدل الذى يدور حولها؟
دائماً ما يحدث لغط عند الفوز بأى جائزة، ولكن لو نظرنا بصورة محايدة فسنجد ان الفائز يستحق ذلك الفوز، ربما يكون هناك أحياناَ ظلم لشعراء جيدين ولا يتقدمون لهذه الجوائز، وإذا تقدموا لا يحصلون عليها، فيكون هذا مؤلما بالطبع، لكن بالرغم من ذلك فإقامة الجوائز شئ رائع ومثمر ومشجع للشعراء الشباب، وأطالب بضرورة وجود تحكيم حقيقى وأن تتكون لجنة التحكيم من رموز من دول مختلفة وليست دولة واحدة فقط، مع عدم معرفتهم بأسماء الشعراء المتقدمين للجائزة.
كيف أثر الشعر فى حياتك الإنسانية؟ وهل أفادك أم كان سببا فى إزعاجك؟
هو سبب مشكلة وأزمة كبيرة، فالحياة ليست بهذه المثالية التى أنشدها فى أشعاري، فالشعر وضعنى فى إطار الالتزام الصارم، فهو بمعنى أدق «خطفني»، فأنا معجونة وأتنفس شعرا، والشعر أصبح تركيبتى فى الحياة، وأنا فى النهاية انسان قد يخطئ، ولكن عندما يحدث ذلك فأنا أمرض بشدة لشعورى بأنى أخطأت.
هل شعرتى فى لحظة بأن لجان التحكيم تجاملك كونك امرأة؟
العكس هو الذى يحدث تماماً، فالمرأة الشاعرة مظلومة جداً، فدائماً يتم وضعها فى إطار أنها أنثي، ولكن فى حقيقة الأمر أنا لا أكتب بوصفى امرأة أو أنثي، ولكن لأن الله ألهمنى الكتابة، وجعلنى سبباً لتوصيل رسائل إنسانية من خلال الشعر، وأنا أحصل على الجوائز بوصفى شاعرة فقط لا غير، وخاصة أن نصوصى مؤلمة وثقيلة، فأحياناً أشفق على من يقرأها ويسمعها، لم أجامل على مدار مشوارى الشعري، بل بالعكس كنت دائماً يتم إقصائى من كل شئ أستحقه.
تعليقات
إرسال تعليق