اللى على راسه بطحة يخاف من «الطوارئ»
محمود الكردوسي
كان قلبه حاسس: فى حواره مع الزميل خيرى رمضان على قناة «cbc» منذ أيام قليلة، ألمح وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، إلى أنه قد يتعرض للاغتيال. وقبل فض اعتصام رابعة أطلق بعض دعاة الفتنة والإرهاب صيحات تحذير وتهديد بأنهم سيفجرون مصر، وبأنهم سيستخدمون سيارات مفخخة وتفجيرات بالريموت كونترول. هذا هو الوعد الوحيد الذى صدقت فيه جماعة الإخوان وحلفاؤها بعد أن كذبت فى كل ما وعدت به المصريين قبل وأثناء حكمها.. هذا هو مشروعها الإسلامى.. وهذه «نهضتها».
بالأمس.. تعرض وزير الداخلية لمحاولة اغتيال، نجا منها، ومات وأصيب أفراد من حراسته ومواطنون عاديون كانوا فى موقع الحادث. وفى تقدير مبدئى لما جرى.. قيل على الفور إن مصر دخلت «مرحلة جديدة» من الإرهاب، لكنها فى الحقيقة ليست «جديدة»، بل سابقة -حتى- على فترة صعود الإخوان إلى الحكم. الإخوان عبر أكثر من ثمانين عاماً لم يكن لهم مشروع سياسى محدد، نتفق أو نختلف عليه. كان مشروعهم الوحيد هو الوصول إلى الحكم بالأدوات التى تمكنهم من ذلك، حتى تلك التى تتناقض مع أدبياتهم وخطابهم الإسلامى، أو تلك التى تنسف مصداقيتهم فى الشارع: بالديمقراطية.. بالصندوق.. بالتحالفات والصفقات المشبوهة.. بالحشد واستخدام «المجاميع».. برشوة الفقراء والسذج.. وبالإرهاب إذا لزم الأمر.
قد لا يكون الإخوان متورطين بشكل مباشر. لكنهم مستفيدون بكل تأكيد.. هم الذين أضيروا فيما كان يعد «غاية» بالنسبة لهم: فقدوا كعكة الحكم، ومن ثم تحول «إرهابهم» من وسيلة إلى غاية: إما أن يحكموا أو يدمروا مصر. وثمة مخاوف من إطالة أمد الإرهاب، وأظنها فى محلها: ليس استشرافاً، بل بنظرة عابرة إلى تاريخهم. الإرهاب دائماً كان ورقة الإخوان الأخيرة والحاسمة، حتى إن مشروعهم السياسى تماهى تماماً مع هذا الإرهاب. ولفرط التماهى بين الغاية والوسيلة أحاط الإخوان إرهابهم بالأكاذيب نفسها كما جرت العادة، وخرج داعيتهم الكذوب أحمد مهزوم ليعلن أن الداخلية نفسها وراء محاولة اغتيال وزيرها!. وهكذا يتحول إرهاب الجماعة تدريجياً إلى «مشروع سياسى» يضعنا جميعاً أمام احتمال واحد، هو أن الدولة المصرية لا تزال مستهدفة، ومن ثم تجاوزت المسألة حدود إثارة الذعر بين المواطنين وإفساد خارطة طريق 30 يونيو. وأمام احتمال بهذه الخطورة لم يعد هناك مفر من عودة قانون الطوارئ كإحدى أدوات الدولة البوليسية.
نحن أمام فصل «جديد/ قديم» من حرب الدولة ضد فكرة الإرهاب، ولا أظن أن من الحكمة أن يتحدث مترفو النخبة الآن عن أى مخاوف من عودة قانون الطوارئ بكل مضاعفاته الجانبية، إذ لم يعد لهذا الإرهاب ملامح أو توقيتات محددة: ربما يكون الواقف إلى جوارك إرهابياً وأنت لا تعرف! ربما تكون السيارة المركونة أمام بيتك مفخخة وأنت لا تعرف! ربما تكون جالساً أو ماشياً فوق قنبلة وأنت لا تعرف! الكل سيؤخذ بالشبهات إلى أن يثبت العكس، ولا مبرر لخوف من الطوارئ ما دمت «فى السليم»، و«اللى على راسه بطحة» هو الذى يخاف، وعليه أن يتحمل مسئولية خروجه على النص.
هذا ما جنته جماعة الإخوان على مصر والمصريين: أن يأتى علينا يوم -بعد خروجين كاسحين فى 25 يناير و30 يونيو- ونستدعى شروط الدولة البوليسية بكل عنفوانها، وأن نترحم على جهاز أمن الدولة، وأن نلعن الداخلية، لأنها بطيئة وفاشلة وغير حاسمة مع الإرهاب.. الداخلية التى كانت هدفاً أساسياً -وربما وحيداً- لثوار 25 يناير.لكن العزاء الوحيد فيما جرى ويجرى من محاولات لهدم الدولة المصرية على رءوسنا، هو أنها -هذه المحاولات- جزء من الثمن الفادح لـ«30 يونيو»، وهو ما يجعلنا مؤهلين لتجاوز محنة لم نكن نقدّر حجمها وتبعاتها.. محنة السماح لهذه الجماعة الإرهابية بالوصول إلى مقعد الحكم.
المصدر الوطن
تعليقات
إرسال تعليق