فن الحرب

لكل منا حروبه الصغيرة الخاصة التي قد يدفع إليها دفعا دون رغبته للمحافظة علي المكان والمكانة‏,‏ ولكن من المؤكد أن الحروب الكبري


 لها أسس ومبادئ تؤثر دوما في أسلوب إدارتنا لصراعاتنا الشخصية.. فمن يقرأ كتاب فن الحرب الذي وضعه الفيلسوف الصيني صن تزو في القرن الخامس قبل الميلاد سيدهش حتما من قدرة هذا الجندي الفائقة علي وضع أقدم كتاب عسكري في التاريخ كتبه للملك تشي وكان عبارة عن استراتيجية كاملة وعملية لإدارة أي جيش, واستخدمت مبادئ الكتاب فيما بعد في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والتسويقية بعد ترجمته لمعظم اللغات.. فالبشر هم البشر فلم تختلف كثيرا زفرات الفارس المكبل بدروع نبله.. عن الجندي المقاتل في أي جيش مؤمنا بعقيدة قتالية معينة يجاهد في سبيلها تختلف المجاهدات والمكابدات في المعارك والحياة المعركة الأزلية.. ولكن تظل معركة الإنسان مع نفسه.. هي أعظمها علي الإطلاق حيث يؤكد صن تزو أن مفتاح النصر الذي يبحث عنه الجميع يكمن في شخصية القائد والمحارب, فالإنسان مسئول عن ضعفه قبل أن يتباهي بقوته.. استراتيجية تزو تؤكد أن أي خطة لا يمكن تنفيذها بنجاح مهما كانت جيدة إذا أسيء تنفيذها.. ويعطي تزو أمثلة بليغة:
اضرب العشب لتستفز الثعبان.. اغو النمر ليهبط من الجبل.. ارم حجرا.. لتصطاد زمردة.. تظاهر بالهجوم من الشمال واضرب بقوة في الجنوب.. قتال الجيش العرمرم قد يكون أسهل من قتال فصيل صغير, وهنا تتجلي أهمية فن المناورة, أما مبادئ الحرب فتشمل المحافظة علي الهدف والهجوم وحشد القوة والاقتصاد في المجهود والتعاون والمفاجأة وخفة الحركة والقدرة علي المناورة والمرونة. ونستخلص أنه ينصح بتعزيز الترسانة الفكرية للقائد وعدم الاعتماد علي التكتيك وحده أو قوة السلاح فقط.. فمن يفعل ذلك أشبه بمن يقف علي ساق واحدة.. فالنصر واحد ولكن الطرق المؤدية إليه لا يمكن حصرها وهو حليف من يمزج عدة وسائل ويحتفظ بدفاع دائري من كل الجوانب.. أما النصيحة الذهبية التي يقدمها تزو لكل المحاربين فتتمثل في تحذيره الشديد من هدم الكيان بالكامل بهدف إعادة البناء وحين سئل عن السبب.. أجاب: من يهدم لن يتركه أعداؤه يعيد البناء مرة أخري!.. أفكار عديدة تؤسس لأولويات الساسة والقادة والأفراد, فقمة المهارة ـ من وجهة نظره ـ تتجلي في إخضاع العدو دون قتاله.. وتجنب الجدال الذي لا يرقي لمستوي البرهان.. وبالرغم من كل مظاهر التقدم والحداثة التي تحيط بنا تظل مبادئ الحرب القديمة كما هي وإن انتقلت من السهم والقوس إلي الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل.. فمازالت الثوابت كما عرفها صن تزو وتتمثل في التضاريس والزمن والأرض والبشر.. حقا انتهي زمن القتال المتلاحم علي سنابك الخيل.. ولكن مازال الجميع أسير البحث عن استراتيجية الحسم.. ومفتاح النصر الذي أخبرنا تزو بأنه ليس بعيدا عنا.. فهو يكمن في كل إنسان إذا شاء وشاء له القدر.. فالنصر حليف من لا ييأس من نفسه ولا من رحمة الله.


المصدر الاهرام




تعليقات

المشاركات الشائعة