شخصيات مؤثرة ودول عربية تلعب دورا كبيرا فى إقناع السيسى بترشحه للرئاسة.. وسائل الإقناع تشمل تشخيصا دقيقا للأوضاع الداخلية والخارجية.. والضغوط الشعبية تلعب دورا حاسما
أصبح ملف ترشيح الفريق أول عبدالفتاح السيسى للرئاسة شأنا دوليا وإقليميا فى الآونة الأخيرة، وحسب مصادر لـ«اليوم السابع» فإن السفارة الأمريكية وسفارات غربية أخرى، تنقل إلى بلادها تقارير وافية عن الحملات الشعبية التى تزايدت فى الفترة الأخيرة مطالبة السيسى بالترشح، وتشمل هذه التقارير توجهات الأحزاب والنخب المصرية المؤيدة بحماس لهذه الخطوة، والتى تتزايد يوميا، بما فى ذلك قطاعات سلفية بعضها قال صراحة أنها ستؤيده، وأخرى ألمحت إلى ذلك.
ورصدت هذه التقارير تضاؤل التأثير الشعبى للأصوات التى كانت تنتقد ما أسمته بـ«حكم العسكر»، وأرجعت ذلك إلى صدمة المصريين فى حكم محمد مرسى خلال فترة عام واحد، وأن المصريين ينظرون إلى «السيسى» بوصفه «المنقذ»، وهو ما يعد إعادة اعتبار للمؤسسة العسكرية، بعد أن لاقى المجلس العسكرى السابق بقيادة المشير محمد حسين طنطاوى انتقادات كثيرة أثناء توليه قيادة المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير.
وقالت المصادر إن دولا عربية نافذة أعربت لـ«السيسى» عن رغبتها الشديدة فى ترشحه، وإكدت المصادر إن هذه الرغبة تم نقلها مباشرة إليه فى الأسابيع الماضية، مؤكدة أن هذه الخطوة ستكون بمثابة الضمان لاستقرار مصر، مما يعود بالاستقرار على المنطقة، وأشارت المصادر إلى أن قادة هذه الدول نقلت صراحة إلى السيسى قولها: «أنت الشخصية المؤهلة لهذه المهمة، ولا نثق فى أحد غيرك»، وقالت صراحة: إن الحديث عن فرصة مرشح عسكرى آخر يتضاءل (فى إشارة إلى إمكانية ترشح الفريق سامى عنان)، وتعهدت هذه الدول بتقديم كل المساعدات الاقتصادية لمصر،كما أنها ستواصل وبقوة مساندة مصر فى المحافل الدولية، مهما كلفها ذلك. وبالرغم من أن السيسى يتعامل مع هذا الأمر بأنه شأن مصرى خالص، إلا أن البعد العربى لا يمكن تجاهله.
وفيما أكدت المصادر أن ممثلة الاتحاد الأوروبى «كاثرين آشتون» لم تتحدث عن هذا الملف فى زيارتها الأخيرة إلى مصر، مكتفية بالاطمئنان على خريطة الطريق بصفة عامة، إلا أن هذه المصادر قالت: «هى تعلم تماما أن هناك مطالب شعبية وحزبية وقوى سياسية أخرى ترحب بترشح السيسى»، لكنها لم تفصح من بعيد أو قريب عن الموقف الأوروبى حيال ذلك، لكن هذه المصادر أشارت إلى ضرورة التوقف أمام قولها: «الانتخابات شأن مصرى».
ونوهت المصادر إلى أن الفريق السيسى يتعامل مع هذه القضية بقراءة دقيقة للمشهد الحالى مصريا وإقليميا ودوليا، وبالرغم من أنه يقدر مطالب ملايين المصريين بترشحه، وكذلك رغبة دول عربية، إلا أنه كان يضع فى اعتباره طوال الأسابيع الماضية، ثلاث قضايا رئيسية، كانت محور نقاش فى دوائر هامة ومع شخصيات يثق فيها، أولها أن ما اصطلح على تسميتهم بـ«الفلول»، يدفعون مسألة ترشيحه بحماس كبير، وأنهم ربما يكون دافعهم إلى ذلك أنهم لا يملكون مرشحا يخوض معركة الانتخابات المقبلة، وهم متأكدون أن فرصة الفريق أحمد شفيق الذين التفوا وراءه فى الانتخابات الماضية، تكاد تكون منعدمة، وتأسيسا على ذلك، فإنه من المتوقع أن يكون هؤلاء يريدون منه أن يخوض معركتهم، وهو أمر لا يقبله الرجل الذى يعى تماما أن هذا يتناقض مع ثورة 25 يناير، التى خلصت الشعب المصرى من حكم استبدادى استمر 30 عاما، كما يتناقض مع ثورة 30 يونيو، وأن معركته هى ما يختاره الشعب المصرى.
أما القضية الثانية فتتمثل فى أن جماعة الإخوان وحلفاءها هم أكثر الأطراف التى تتمنى ترشحه، لأن ذلك سيعطيها فرصة ذهبية لإعادة ترويج خطابها بأن ما حدث فى 30 يونيو هو انقلاب عسكرى، وليس «ثورة شعبية»، وأنها ستعيد إحياء ذلك ليس على الصعيد الداخلى فقط، وإنما عبر دول مثل قطر وتركيا وتونس، وهى دول تنتظر هذه الخطوة بفارغ الصبر، ومن المتوقع أن تحتشد هذه القوى خلف مرشح تدفعه إلى خوض المعركة، ويقفز اسم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فى ذلك، وبالرغم من قوله أنه لن يترشح فى الانتخابات المقبلة، إلا أن ربطه عدم ترشحه بوجود الشخصية التى يرى أنها تستحق، يحمل دلالات على أنه لم يغلق الباب نهائيا فى مسألة الترشح، وبالرغم من أن الرهان على فوز هذا المرشح يعد رهانا خاسرا، إلا أن «الجماعة» وحلفاءها تريدها فى تقديرها العام «معركة سياسية»، تضغط من خلالها فى طرح خطابها السياسى، وتطمح به لتعويض نزيف خسائرها منذ 30 يونيو.
القضية الثالثة تتمثل فى حضور البعد الدولى بقوة، وطبقا لتقديرات فإن عدم استجابة قوى دولية وفى مقدمتها أمريكا لـ«خطاب الجماعة المغرض» الذى ستروجه حال ترشح السيسى، لا يعنى أنها «ستغض الطرف» عنه، وإنما قد تستثمره فى ممارسة ضغوط داخلية على السيسى ليس على صعيد فرض شروطها فى قضية دمج الإخوان فى الحياة السياسية وفقط، وإنما قد يمتد إلى قضايا أخرى تتمثل فى المشروع الذى كانت تعده أمريكا للمنطقة، وهو ما لا يقبله السيسى إطلاقا.
هذه القراءة التى كانت مطروحة أمام السيسى، ظلت محور اهتمام طوال الأسابيع الماضية، وكانت أساسا لعملية رفضه للترشح.
غير أن تلك القراءة يقابلها قراءة أخرى رفعت أسهم اقتناعه بالترشح، وتساهم يوميا فى إحداث خلخلة فى موقفه الرافض، وتكاد تهيئ الفرصة لاستجابته للمطالب الشعبية بترشيحه، وتتمثل فى أن شعبية الرجل تجعل من الصعب أن يكون هناك رئيس غيره، لأن عكس ذلك من شأنه أن يؤدى إلى وضع مرتبك يتمثل فى أن يكون هناك رأسان للدولة، رأس يتمثل فى السيسى الذى يعد مركز ثقل حقيقيا يستند على شعبية كبيرة، وينظر إليه المصريون باعتباره المنقذ، فيما يعنى سحبا من رأس الدولة الثانى المتمثلة فى منصب الرئيس إن كان غيره، وربما يؤدى هذا فى بعض التقديرات إلى تناقض المواقف مما يرتب نتائج كارثية، ونظرا لصعوبة التنبؤ بمن يأتى رئيسا، فإن السيسى هو الحل الأمثل شعبيا وسياسيا لتلك المعضلة التى تفرض نفسها بقوة على هذا المنصب وطبيعته.
أما على صعيد موقف الإخوان، فإنها بممارستها اليومية، والإرهاب الذى تتحمل مسؤوليته فى سيناء وباقى المحافظات المصرية سيؤدى إلى تآكل حججها التى ستطرحها فى مواجهة ترشحه، كما أن المصريين يطمحون إلى القضاء على الإرهاب مع مواجهات حاسمة ضد أى حالات للانفلات الأمنى، وهم يرون أن الجيش يقوم بمهمته على أكمل وجه فى هذا الجانب، ومن هذا الجانب فإن السيسى هو الخيار الأمثل لاستكمال هذه المهمة، أما على الصعيد الدولى، فإن مواجهات أى رغبة خارجية فى التدخل فى الشأن المصرى سيكون مرهونا بالإرادة الشعبية التى تكون بمثابة حائط صد قوى فى ذلك، ولأن قوة هذه الإرادة ستكون خطوتها الأولى فى رئيس لا ينجح بنسب حرجة، فإن السيسى هو الشخصية التى ستحظى بنسبة أصوات كاسحة، مما يجعله رئيسا بظهير شعبى قوى، يستطيع عبر ذلك مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
هذه القراءة يمكن القول إنها خلاصة مناقشات دارت فى الآونة الأخيرة فى الكواليس، وهى التى ساهمت فى خلخلة الموقف الرافض للفريق أول عبد الفتاح السيسى، لينتقل من خانة الرفض المطلق، إلى خانة إرجاء الإجابة عن هذا السؤال لمرحلة مقبلة، كما عبر عن ذلك فى حواره للزميلة «المصرى اليوم»، والذى أجراه معه الزميل ياسر رزق، وهناك تصورات يتم مناقشتها حاليا، تستهدف أن يكون هناك رؤية تشخيصية دقيقة ومتكاملة لطبيعة المرحلة التى تعيشها مصر فى إطار محيطيها الإقليمى والدولى، وكيفية العبور إلى المرحلة المقبلة، وأن ذلك لن يتم إلا عبر عن حكومة قوية التى ستكون مع الفريق السيسى، حكومة لا تسير فى عملها بأطر تقليدية، وإنما تتحمل عبء البحث عن حلول خارج الصندوق، ويتم ذلك أيضا بالاستفادة الحقيقية من شخصيات سياسية نافذة، يتم دمجها فى دولاب العمل بالدولة، وتسير هذه التصورات نحو ضرورة فتح المجال واسعا أمام طاقات شبابية مؤثرة، تعمل وفق برنامج نهضة حقيقى يفتح المجال واسعا أمام المشاركة لكل الأطياف السياسية.
المصدر اليوم السابع
تعليقات
إرسال تعليق