إسرائيل لم تصدق أن السادات سيحارب

تتناول تلك الحلقة كيف لم تصدق إسرائيل تحذير نشوب الحرب الذي أرسله الرئيس السادات بواسطة العميل "أشرف مروان"، أو كما يطلق عليه الموساد "العميل حوتيئيل"، وهو الخبر الذي كان بمثابة بالونة اختبار وجس نبض للوقوف على استعدادات إسرائيل للحرب.
وتتضح من السطور القادمة من كتاب "الموساد العمليات الكبرى" حالة الشك والارتياب التي أصابت إسرائيل فيما يتعلق بنية الرئيس السادات للحرب، والذي جعلهم يطمئنون تماماً من عدم نية مصر للحرب رغم أن كل المؤشرات أكدت لهم أن ثمة حدث جلل على وشك الحدوث، الأمر الذي يجسد تماماً كيف نجح الداهية الزعيم الراحل في تنويم أجهزة مخابرات إسرائيل لتفيق على أول وأكبر هزيمة تتعرض لها جحافل الكيان الصهيوني منذ إقامتها الدولة العبرية على أرض فلسطين. 
والآن ننتقل للتفاصيل،،
كان الجميع في جلسة الحكومة الطارئة التي انعقدت في هذا الصباح- كانوا جميعاً على علم بمدى خطورة الوضع، ومع ذلك قرروا استدعاء الاحتياط على نطاق محدود. كما قرر الوزراء عدم المبادرة بهجمة استباقية لسلاح الجو على القوات المصرية الهائلة على امتداد قناة السويس.
عاد رئيس الموساد "تسفي زامير" للبلاد، وأصر على رأيه. الحرب وشيكة. لقد أبلغ حوتيئيل بهجوم مصري سوري مشترك يبدأ مع غروب الشمس.
في الساعة 14:00 ظهراً، جمع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية مراسلي الشئون العسكرية بالصحف ليقول لهم إن هناك احتمالاً ضعيفاً فحسب لاندلاع حرب. وفجأة، دخل أحد مساعديه ووضع أمامه ورقة. قرأها زعيرا، ولم ينبس ببنت شفة، أخذ الباريه ثم خرج من الغرفة مسرعاً. بعد مرور دقائق معدودة سمع دوي الصافرات.
في وقت لاحق ترددت ادعاءات خطيرة من قيادة شعبة الاستخبارات العسكرية ضد حوتيئيل، الذي ضلل زامير عندما حدد ساعة الغروب كساعة الصفر للهجوم، في حين بدأت الحرب في الظهيرة. وبعد فترة اتضح أن الساعة تغيرت في اللحظة الأخيرة بعد مشاورات بين الرئيسين المصري والسوري. عندئذ، كان حوتيئيل في الجو متجهاً إلى لندن.
الغريب أن رجال شعبة الاستخبارات العسكرية غضبوا من الخطأ في تحديد الساعة، وكذلك من التحذيرات السابقة لحوتيئيل التي اتضح أنها أنباء خاطئة. لم يتعامل رجال شعبة الاستخبارات العسكرية مع حوتيئيل كمصدر مخابراتي، ولكنهم تعاملوا معه كمندوب للموساد الإسرائيلي في مكتب الرئيس المصري، ويجب عليه أن ينقل بدقة متناهية وصراحة كل ما يحدث هناك. إلا أنهم تجاهلوا حقيقة أنه على الرغم من المكانة الرفيعة للغاية التي يحظى بها حوتيئيل لكنه كان مجرد جاسوس يقدم تقارير ممتازة وليس دائماً الرجل الخارق، شأنه شأن أي جاسوس آخر.
خلال الحرب استمرت تقارير حوتيئيل لإسرائيل. وعندما أطلق المصريون صاروخي سكاد على تجمعات الجيش الإسرائيلي، وتسببوا في سقوط العديد من الجنود، وصل خبر مهدئ من حوتيئيل فحواه أن هيئة الأركان العامة المصرية لا تعتزم استخدام تلك الصواريخ خلال الحرب، وأن مصر لن تصعد الهجوم على إسرائيل.
انتهت حرب يوم الغفران في 23 أكتوبر. ودفنت إسرائيل آلاف القتلى، وتم التوقيع على اتفاقيات الفصل بين القوات، واتفاقيات كامب ديفيد، واتفاقية السلام مع مصر. انتهت فترة ولاية تسفي زامير. وقد حظى زامير بتقدير كبير لأنه كان الوحيد بين أسرة المخابرات الإسرائيلية، الذي أشار إلى النوايا الحربية للمصريين والسوريين، وأعلن خبر اندلاع الحرب. لو كان قادة الدولة أكثر إصغاء لتحذيراته واتخذوا التدابير على الفور ووجهوا ضربة جوية استباقية، لربما كانت نتائج الحرب مختلفة. الحجة التي ساقها وزراء الحكومة بأن إسرائيل امتنعت عن ذلك حتى لا تتهم ببدء الحرب بدت غريبة ومعقدة، فهل كان جل همهم في ذلك الوقت ألا تتهم إسرائيل ببدء الحرب، أم أن تدافع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة.
علاوة على ذلك، زعم المؤرخ الدكتور أوري بار يوسف أن تحذيرات حوتيئيل أنقذت هضبة الجولان، حيث أنه في ساعات ما بعد الظهيرة في السادس من أكتوبر بدأت تصعد إلى الهضبة تشكيلات الدبابات التي تم حشدها في ذات الصباح، والتي نجحت في التصدي للسوريين في نيفح.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، وفي أعقاب الضغط الجماهيري غير المسبوق، تشكلت لجنة تحقيق رسمية برئاسة القاضي أجرانات، والتي حققت في أحداث حرب يوم الغفران، وأمرت بالإقصاء الفوري للواء زعيرا من منصبه (إضافة إلى عدد من الضباط، من بينهم رئيس الأركان دافيد اليعازار).
وقد أدى فشل زعيرا في التنبؤ بالتحركات المصرية، ناهيك عن رفضه المتعنت لتصديق تحذيرات حوتيئيل، إلى قرار اللجنة الحاسم بإقصائه.
انتظروا الحلقة الثالثة غداً...(3) أشرف مروان في عيون إسرائيليةحياته وتجنييده




المصدر  موقع جريدة الوفد الالكتروني







تعليقات

المشاركات الشائعة