بالفيديو .. طفل «توحدى» يصمم أفلام كارتون ببرنامج «بوربوينت»
المصدر الاهرام . اخبار صناع التحدي
يجيد اللغة الإنجليزية والتعامل مع الحاسب
بعد مولده بعام ونصف بدأت تظهر عليه سمات «التوحد»، فانقلب حاله من طفل هادئ، إلى طفل يميل للعزلة، كثير الغضب، وفقد تواصله البصري مع أسرته، وأصبح كأنه شخص آخر، لا يفرق بين والدته وأى سيدة أخرى، وشعرت والدته بأن أبنها بدأ يعزل نفسه عنها وعن العالم الذى حوله، فلا ينظر إلى عينيها، فلم تحاول إخراجه من عزلته، بل اخترقتها لتعيش معه فى كوكبه الخاص «التوحد»، ونجحت الأم، وأصبح طفلا اجتماعيا.
قبل أن يتعدى التاسعة من عمره حفظ الطفل «أحمد حبسة» نصف القرآن الكريم، وكان لذلك عامل كبير فى تحسنه من طيف التوحد الذى أصابه منذ ولادته، فقراءته للقرآن جعلته يشارك فى الأنشطة الثقافية على مستوى المحافظة، وللطفل أحمد قصة طويلة تحكيها لنا والدته.
عادة ما يكون الطفل المولود حديثاً غير واضح المعالم، إلا أن أحمد كان جميع الوجه، بل كان ينظر في أرجاء الغرفة، ويتأملها كأن له عدة شهور، مرت الأيام وكان أحمد طبيعيا، وكانت ضحكاته لا تفارقه، ويستجيب لكل من يداعبه، ويقول «بابا وماما» وينادي إخوته حتى عمر السنة ونصف.
وبعد هذه الفترة تغير بشكل كامل، ففقد النطق تماما، وتواصله البصري، ونوبات الغضب والصريخ لا تتوقف، وأصبح كأنه شخص آخر لا يعرفنا ولا نعرفه، وظهرت عليه كل سمات التوحد.
وفى ذلك الوقت كان لا يفرق بيني وبين أي امرأة أخرى، ولا يفهم حتى ابسط الكلمات التي تقال له، ويدور حول نفسه، وكلما رأى مكانا يسمح له بالدوران دار فيه، ولا يلتفت لو ناديناه باسمه. وكان دائما يقوم بحركات انفعالية، كأن «يخبط» رأسه في الحائط أو في أرضية الغرفة، دون سبب مفهوم لنا، ولا يخاف من أي شئ، وإذا خرج يمشي في أي اتجاه، وتنتابه نوبات من الغضب أو الضحك الهستيري بلا سبب، ولا يدخل المطبخ حتى عمر 6 سنوات خوفاً من صوت الخلاط، ودائما يرفرف بيديه أو يضعهما على إذنه، وإذا أراد أن يكتب على الموبايل أو الكمبيوتر يمسك أصبعي ويضغط به على الحروف، ولا يضغط هو بنفسه،مع أنه يستطيع فعل ذلك.
الأسرة فريق عمل
وتكمل والدة أحمد قصة ابنها الذى ترعاه بجانب ثلاثة أشقاء «أصحاء»، بدأنا رحلتنا مع التوحد وأعراضه التي كانت تزيد كل يوم، وحاولنا الذهاب به لمراكز التأهيل، كما نصحنا الأطباء، ولكن أحمد كان لديه «فوبيا» أن يغلق عليه باب مع أي شخص غريب، فتجده يتحول إلى كتلة من العنف، لا يستطيع أحد أن يقف أمامه، وذات مرة حاولنا الضغط عليه والذهاب به لأحد المراكز، ولكن كان يخرج من الغرفة محطما نفسيا ومفكك الأعصاب.
وكانت تظهر عليه بعدها علامات «التأخر العقلي»، وتزداد نوبات الغضب والبكاء الهستيري، وأحيانا الضحك الهستيري ، وخشيت عليه أن يفقد ما تبقى من عقله لو استمرينا في تلك الجلسات، فاجتمعت بزوجي وأولادي، وقررنا أن نبدأ نحن كفريق عمل لتدريب أحمد وتعليمه كل شئ لننقذه من هذه الجلسات التي كادت تقضي عليه.
بدأنا تدريبه بالرفق واللين عن طريق اللعب والاندماج معه، والانضمام إليه لنشاركه بعض لزماته وحركاته، وكان لهذه الطريقة مردود جيد، وشعرنا بتحسن بعد وقت قصير، وهذه الفكرة أتت لنا بعد الاطلاع على بعض المراجع الأجنبية خاصة طريقة «الصن رايز» الأمريكية.
القرآن علاجا للنطق
لمساعدته على النطق والتحدث معنا داخل المنزل، بدأت في إسماعه القرآن بطريقة منظمة، وفعلا بحمد الله بدأ يقرأ القرآن بطلاقة، ولكنه لا يتكلم الكلام العادي، وظل على هذا الحال حتى الرابعة والنصف من عمره، ثم بدأ يعبر لفظيا عن احتياجاته الأساسية، ويفهم بعض ما نطلبه منه من أوامر وينفذها، وكنت بدأت في تلك الفترة تحميل برامج تعليمية على الكمبيوتر، فتعلم منها القراءة والكتابة، ولكنه رفض الكتابة بيديه، فكان يجيد الكتابة على الكمبيوتر بلا اي أخطاء إملائية.
وعندما أقترب موعد دخوله المدرسة حاولت الذهاب به لأحد المراكز، فقط ليجلس على كرسي أو يكتب بيديه، فقيل لي، «استحالة ابنك يدخل المدرسة فنحن لا نستطيع عمل جلسة لمدة نصف ساعة وأنت معه، فكيف سيكون وضعه في المدرسة»، وبالفعل قررت عدم التقديم له في المدرسة فى وقتها.
الدمج ودور المدرسة
وذات يوم اتصلت بنا «أم فاضلة»، لا انسى معروفها مدى الحياة، وقالت أن هناك نظاما جديدا في المدارس اسمه «الدمج» وهو يقبل الحالات المشابهة لحالة أحمد، وتم قبوله في المدرسة بنظام «الدمج»، وكان فى البداية لا يجلس على كرسي ولا ينظر إلى اساتذته، وينشغل بأي شئ آخر، ويرفض الذهاب في الصباح ، فقررت أن ادرس له في البيت حتى يتأقلم على أسلوب الدراسة.
وفى الصف الثانى الأبتدائى استجاب للذهاب إلى لمدرسة، ورزقنا الله بأستاذة صف متفهمة، وشرحت لها حالة أحمد، فكانت له «أما» ثانية، وكان أحمد يحبها ويتفاعل معها، وأصبح يفتتح طابور المدرسة بقراءة القرآن والشعر والأناشيد والأغاني، فأحب مدرسته وأحبه الطلاب والمدرسون والإداريون، وتحسنت حالته بفضل الله.
وقد منح الله سبحانه وتعالى أحمد موهبة تقليد القراء والمنشدين، وهو حاليا وعمره 9 سنوات يحفظ نصف القرآن، ويجيد استخدام الكمبيوتر، ويتقن اللغة الإنجليزية كتابة وتحدثا، ويصمم أفلام كارتون، ويعيد تصميم دروسه المدرسية بنفسه على برنامج البوربوينت، ويضيف إليها الصوت والحركة، وكان السر في هذا التقدم بعد توفيق الله هو تعلقه بالقرآن، وإفساح المجال له لاختيار ما يريد بنفسه وممارسة ما يحب من أنشطة وتوفير الأدوات له.
وتقول هالة عبدالسلام رئيس الإدارة المركزية للتربية الخاصة عن أحمد أنه نموذج ناجح من نماذج نظام «الدمج» التعليمي، حيث إنه طالب بمدرسة «دامجة» بالصف الثالث الابتدائي ومتفوق دراسيا.
تعليقات
إرسال تعليق