مفاجأة المستقبل: مسحوق «بودرة» بديل للأغذية الطبيعية
المحرر خلال تناوله طعام المستقبل
المصدر الاهرام . اخبارالطب و العلوم . ahram.org.eg
بدأت فى وادى السليكون وسعرها زهيد
تفيد تقديرات الأمم المتحدة بأنه بحلول عام ٢٠٥٠ سيبلغ عدد سكان الأرض قرابة الـ ١٠ مليارات نسمة. وإن تلك الأرقام لا تزعج الباحثين فى شؤون المستقبل فحسب، بل وكذلك القائمين على صناعة المواد الغذائية الذين يسعون إلى البحث عن سبل لإطعام المزيد والمزيد من الناس. لذلك تقدَّم خبير البرمجيات الأمريكي، روب راينهارت، بنهج مثير للإهتمام للتصدى لهذه المشكلة
حيث قام فى عام ٢٠١٣ بتطوير مسحوق إذا ما تم خلطه بالماء، فإنه يتحول إلى وجبة متكاملة. ولكن من المفترض وأن يوفر هذا الغذاء المستقبلى ما هو أكثر من ذلك بكثير؛ إذ حرص راينهارت على مواءمة وجبته على متوسط الاحتياجات الغذائية للشخص البالغ، أى ينبغى وأن يحتوى هذا المنتج الملائم على كل ما يحتاج إليه جسم الإنسان من بروتين وكربوهيدرات ودهون وفيتامينات وألياف ومعادن.
لم يكن هدف راينهارد هو خسارة الوزن. بل كانت فكرته تتمثَّل فى اختبار مدى إمكانية التغذية على خليط من العناصر الغذائية مذابة فى الماء فقط، وعدم القلق بشأن الطعام الصحى بعد الآن. كان هذا هو النظام الغذائى المثالى لوادى السيلكون بالولايات المتحدة الأمريكية. فعدم وجود ضرورة للطهى أتاح الفرصة للقائمين على المشهد التقنى فى وادى السيلكون لقضاء وقت أطول أمام أجهزة الكمبيوتر وزيادة وقت العمل.
ولكن، كيف سيكون مذاق الطعام حين يفقد المذاق دوره ويتم تسليط الضوء على الوظيفة وليس المتعة؟ لقد كانت هذه التجربة التى استمرت على مدى أسبوعين بمثابة تحدٍ بالنسبة للكاتب، بل كانت بالأحرى مهمة عذاب.
لجأت مختلف الشركات فى أوروبا إلى تصنيع منتج راينهارت؛ من بينها منتج هولندى وآخر بريطانى وآخر تشيكي. وقد قام الكاتب فى إطار تجربته بتذوق ثلاث من تلك المنتجات، وحاول أن يقاوم روائح المطبخ والطعام التقليدي.
تتكون كل المنتجات الغذائية المستقبلية من عناصر مماثلة وتحتوى على قدر كبير من البروتين المستمد من فول الصويا أو البازلاء. وتوفِّر الشركات المنتجة هذا المسحوق بنكهات الفواكه فى المقام الأول كالموز والفراولة والمانجو وكذلك بنكهتى الفانيليا والشوكولاتة. لا يستغرق إعداد هذا المشروب أكثر من بضع دقائق فحسب. وحين يشترى المستهلك المنتج للمرة الأولى يتم إعطاؤه عبوة لخلط المزيج. يحتاج المرء لإعداده لبضع ملاعق من المسحوق والقليل من الماء فقط، ثم عليه أن يقوم بخلطه ويصبح جاهزًا للشرب! جدير بالذكر أن منتج راينهارت يأتى الآن فى صورة مشروب جاهز ومعبأ داخل زجاجات. يوفِّر المسحوق الهولندى ٧٠٠ سعر حراري، أى أكثر من ٢٠٠٠ سعر حرارى يوميًا للثلاث وجبات معًا. ويمكن استهلاك المزيد فى حالة احتياج المستخدم للمزيد من السعرات.
لم يكن للمشروب أى طعم يذكر مع الرشفة الأولى، عدا نكهة الشوفان أو الحبوب. وما أن ينتهى المرء من شربه حتى يشعر بالامتلاء. وقد ذكر أحد العاملين بالشركة الهولندية المصنِّعة للمنتج أنه تم اختيار هذا المذاق الخالى من النكهات عن عمد. ويؤكد الكاتب أن تأثير الأطعمة ذات النكهات الحادة ستكون أقوى بكثير على أولئك الذين يستهلكون هذا المنتج لفترات طويلة، فإن عدم تناولهم الطعام لفترات طويلة يجعلهم يختبرون مذاق الأطعمة على نحو أعمق بكثير.
ولكن الأمر لا يتعلَّق بالمذاق فحسب، بل وبالقوام أيضًا. فالمسحوق المصنَّع فى بريطانيا ذكَّر الكاتب بقوام العصيدة بعض الشيء. كما أن مذاق نكهة الفانيليا كان حلوًا أكثر من اللازم. ما من شك أن البعض سيحب هذا المذاق، ولكن الكاتب لم يفضله. وتبيَّن للكاتب فجأة مدى صعوبة تغيير نمط الحياة والاعتماد على المنتجات الغذائية المكونة من مساحيق فقط لا غير. إن التخلى عن متعة الطعام جعل الكاتب يدرك مدى أهمية الطعام فى مجتمعنا، فروائحه تنبعث من كل ركن. ولا يدرك المرء ذلك إلا حين يجد نفسه محرومًا من تناوله. وتزداد صعوبة الأمر عند تناول الطعام مع العائلة، حين يجد المرء نفسه مجبرًا على احتساء هذا المشروب فقط. إن الطعام لا يخدم الناحية الغذائية فحسب، بل ويؤثر أيضًا على جوانب اجتماعية أساسية. وتلك الجوانب تعتمد بشكل أساسى على عنصر المتعة. ماذا سيحدث لو ما جلسنا لتناول الطعام مع العائلة واقتصرنا فى ذلك على تناول المشروب فقط؟ لن يخالجنا نفس الشعور. إنها تجربة تتعلَّق بالمضغ والشم والتذوق معًا.
ولكنها تتعلَّق فى الوقت نفسه بالصحة أيضًا. يرى د. ماتياس ريدل، الطبيب الألمانى المتخصص فى مرض السكري، أنه أمر شائك للغاية ،ويقول معلقًا على هذا المنتج: «من الممكن استهلاك مثل هذا المسحوق على مدى أسابيع. ولكنّ استخدامه على المدى الطويل ليس صحيًا، بل يمثل خطورة كبيرة.،لأنه لا ينطوى على مواد غذائية متنوعة.» هناك نحو الآلاف من المواد الكيميائية النباتية، وهذا المسحوق لا يحتوى سوى على جزء صغير منها. وعلى ذلك، يؤكد د.ريدل أن تناول إفطار متوازن أفضل صحيًا من تناول هذا المسحوق، وأن إستهلاك هذا المسحوق قد يكون ملائمًا فى السفر على أكثر تقدير، فى حالة عدم توافر الغذاء الصحي.
ويرى د. توماس إلروتّ من جامعة جوتينجِن المسألة على نحو مماثل. فهو خبير فى علم التغذية وعلم النفس وقام أيضًا بنشر دراسات عن مسألة التغذية فى المستقبل. ولكنه يؤكد أنه على الرغم مما ينطوى عليه هذا المسحوق من عيوب إلا أنه يعد مثاليًا من أوجه عديدة قد يكون لها دور فى المستقبل مثل سهولة وقلة المخلفات الناتجة عن إعداد المشروبات بالمقارنة بوجبات الطعام التقليدية هذا بالإضافة لإستدامة عملية إنتاج تلك المساحيق لاعتمادها على مواد عشبية فقط، فإن هذه المساحيق النباتية ستحل محل تربية المواشى والدواجن. كما أن تكلفتها قليلة جدًا فى بلدان عديدة إذ يبلغ سعر الوجبة واحدا ونصف يورو تقريبًا (ما يعادل ٣٥ جنيهًا مصريًا).
ولكنّ الكاتب يظل عند رأيه فى النهاية، ويرى أن أهمية تناول الطعام لا تقتصر على مد الجسم بالطاقة لأداء وظائفه. فبعد مضى أسبوعين احتفى كاتب هذه السطور بنهاية تجربته واكتساب أطنان من السعرات الحرارية.
لن ينسى فى الغالب أول مرة تناول فيها الطعام التقليدى بعد انتهاء التجربة. لقد كان تناول شطيرة جبن الموتزاريلا والطماطم ومضغها بمثابة تجربة رائعة بالنسبة إليه. أحيانًا تكمن متع الحياة فى أبسط الأشياء. إن الشركات المصنِّعة لهذا المنتج أغفلت شيئًا هامًا فى خضم تطويره؛ وهو أن تناول الطعام ليس عملية عقلانية، بل هى عملية عاطفية مفعمة بالمشاعر. ورغم أنه من المحتمل جدًا أن يضطر البشر يومًا ما إلى تناول المساحيق فقط، إلا أننى آمل ألا يحدث ذلك الآن.
> محرر علمى بموقع
شبيجل أون لاين
لم يكن هدف راينهارد هو خسارة الوزن. بل كانت فكرته تتمثَّل فى اختبار مدى إمكانية التغذية على خليط من العناصر الغذائية مذابة فى الماء فقط، وعدم القلق بشأن الطعام الصحى بعد الآن. كان هذا هو النظام الغذائى المثالى لوادى السيلكون بالولايات المتحدة الأمريكية. فعدم وجود ضرورة للطهى أتاح الفرصة للقائمين على المشهد التقنى فى وادى السيلكون لقضاء وقت أطول أمام أجهزة الكمبيوتر وزيادة وقت العمل.
ولكن، كيف سيكون مذاق الطعام حين يفقد المذاق دوره ويتم تسليط الضوء على الوظيفة وليس المتعة؟ لقد كانت هذه التجربة التى استمرت على مدى أسبوعين بمثابة تحدٍ بالنسبة للكاتب، بل كانت بالأحرى مهمة عذاب.
لجأت مختلف الشركات فى أوروبا إلى تصنيع منتج راينهارت؛ من بينها منتج هولندى وآخر بريطانى وآخر تشيكي. وقد قام الكاتب فى إطار تجربته بتذوق ثلاث من تلك المنتجات، وحاول أن يقاوم روائح المطبخ والطعام التقليدي.
تتكون كل المنتجات الغذائية المستقبلية من عناصر مماثلة وتحتوى على قدر كبير من البروتين المستمد من فول الصويا أو البازلاء. وتوفِّر الشركات المنتجة هذا المسحوق بنكهات الفواكه فى المقام الأول كالموز والفراولة والمانجو وكذلك بنكهتى الفانيليا والشوكولاتة. لا يستغرق إعداد هذا المشروب أكثر من بضع دقائق فحسب. وحين يشترى المستهلك المنتج للمرة الأولى يتم إعطاؤه عبوة لخلط المزيج. يحتاج المرء لإعداده لبضع ملاعق من المسحوق والقليل من الماء فقط، ثم عليه أن يقوم بخلطه ويصبح جاهزًا للشرب! جدير بالذكر أن منتج راينهارت يأتى الآن فى صورة مشروب جاهز ومعبأ داخل زجاجات. يوفِّر المسحوق الهولندى ٧٠٠ سعر حراري، أى أكثر من ٢٠٠٠ سعر حرارى يوميًا للثلاث وجبات معًا. ويمكن استهلاك المزيد فى حالة احتياج المستخدم للمزيد من السعرات.
لم يكن للمشروب أى طعم يذكر مع الرشفة الأولى، عدا نكهة الشوفان أو الحبوب. وما أن ينتهى المرء من شربه حتى يشعر بالامتلاء. وقد ذكر أحد العاملين بالشركة الهولندية المصنِّعة للمنتج أنه تم اختيار هذا المذاق الخالى من النكهات عن عمد. ويؤكد الكاتب أن تأثير الأطعمة ذات النكهات الحادة ستكون أقوى بكثير على أولئك الذين يستهلكون هذا المنتج لفترات طويلة، فإن عدم تناولهم الطعام لفترات طويلة يجعلهم يختبرون مذاق الأطعمة على نحو أعمق بكثير.
ولكن الأمر لا يتعلَّق بالمذاق فحسب، بل وبالقوام أيضًا. فالمسحوق المصنَّع فى بريطانيا ذكَّر الكاتب بقوام العصيدة بعض الشيء. كما أن مذاق نكهة الفانيليا كان حلوًا أكثر من اللازم. ما من شك أن البعض سيحب هذا المذاق، ولكن الكاتب لم يفضله. وتبيَّن للكاتب فجأة مدى صعوبة تغيير نمط الحياة والاعتماد على المنتجات الغذائية المكونة من مساحيق فقط لا غير. إن التخلى عن متعة الطعام جعل الكاتب يدرك مدى أهمية الطعام فى مجتمعنا، فروائحه تنبعث من كل ركن. ولا يدرك المرء ذلك إلا حين يجد نفسه محرومًا من تناوله. وتزداد صعوبة الأمر عند تناول الطعام مع العائلة، حين يجد المرء نفسه مجبرًا على احتساء هذا المشروب فقط. إن الطعام لا يخدم الناحية الغذائية فحسب، بل ويؤثر أيضًا على جوانب اجتماعية أساسية. وتلك الجوانب تعتمد بشكل أساسى على عنصر المتعة. ماذا سيحدث لو ما جلسنا لتناول الطعام مع العائلة واقتصرنا فى ذلك على تناول المشروب فقط؟ لن يخالجنا نفس الشعور. إنها تجربة تتعلَّق بالمضغ والشم والتذوق معًا.
ولكنها تتعلَّق فى الوقت نفسه بالصحة أيضًا. يرى د. ماتياس ريدل، الطبيب الألمانى المتخصص فى مرض السكري، أنه أمر شائك للغاية ،ويقول معلقًا على هذا المنتج: «من الممكن استهلاك مثل هذا المسحوق على مدى أسابيع. ولكنّ استخدامه على المدى الطويل ليس صحيًا، بل يمثل خطورة كبيرة.،لأنه لا ينطوى على مواد غذائية متنوعة.» هناك نحو الآلاف من المواد الكيميائية النباتية، وهذا المسحوق لا يحتوى سوى على جزء صغير منها. وعلى ذلك، يؤكد د.ريدل أن تناول إفطار متوازن أفضل صحيًا من تناول هذا المسحوق، وأن إستهلاك هذا المسحوق قد يكون ملائمًا فى السفر على أكثر تقدير، فى حالة عدم توافر الغذاء الصحي.
ويرى د. توماس إلروتّ من جامعة جوتينجِن المسألة على نحو مماثل. فهو خبير فى علم التغذية وعلم النفس وقام أيضًا بنشر دراسات عن مسألة التغذية فى المستقبل. ولكنه يؤكد أنه على الرغم مما ينطوى عليه هذا المسحوق من عيوب إلا أنه يعد مثاليًا من أوجه عديدة قد يكون لها دور فى المستقبل مثل سهولة وقلة المخلفات الناتجة عن إعداد المشروبات بالمقارنة بوجبات الطعام التقليدية هذا بالإضافة لإستدامة عملية إنتاج تلك المساحيق لاعتمادها على مواد عشبية فقط، فإن هذه المساحيق النباتية ستحل محل تربية المواشى والدواجن. كما أن تكلفتها قليلة جدًا فى بلدان عديدة إذ يبلغ سعر الوجبة واحدا ونصف يورو تقريبًا (ما يعادل ٣٥ جنيهًا مصريًا).
ولكنّ الكاتب يظل عند رأيه فى النهاية، ويرى أن أهمية تناول الطعام لا تقتصر على مد الجسم بالطاقة لأداء وظائفه. فبعد مضى أسبوعين احتفى كاتب هذه السطور بنهاية تجربته واكتساب أطنان من السعرات الحرارية.
لن ينسى فى الغالب أول مرة تناول فيها الطعام التقليدى بعد انتهاء التجربة. لقد كان تناول شطيرة جبن الموتزاريلا والطماطم ومضغها بمثابة تجربة رائعة بالنسبة إليه. أحيانًا تكمن متع الحياة فى أبسط الأشياء. إن الشركات المصنِّعة لهذا المنتج أغفلت شيئًا هامًا فى خضم تطويره؛ وهو أن تناول الطعام ليس عملية عقلانية، بل هى عملية عاطفية مفعمة بالمشاعر. ورغم أنه من المحتمل جدًا أن يضطر البشر يومًا ما إلى تناول المساحيق فقط، إلا أننى آمل ألا يحدث ذلك الآن.
> محرر علمى بموقع
شبيجل أون لاين
رابط دائم:
تعليقات
إرسال تعليق