النفس المطمئنة
بريد السبت يكتبه: احمد البرى
الطموح من أجل اعتلاء درجة أدبية أعلى أو الفوز بموقع الصدارة فى أى مكان أو مكانة اجتماعية شىء محمود وصفة وسلوك إنسانى طبيعى بشرط أن تصاحبه القدرة والكفاءة لأداء جيد فى موقع العمل،
الطموح من أجل اعتلاء درجة أدبية أعلى أو الفوز بموقع الصدارة فى أى مكان أو مكانة اجتماعية شىء محمود وصفة وسلوك إنسانى طبيعى بشرط أن تصاحبه القدرة والكفاءة لأداء جيد فى موقع العمل،
ويكون هناك استعداد بنية خالصة وعزم أكيد لتلبية احتياجات الناس وتقديم العون لهم بالعطاء ونشر المنفعة والخير على جميع مستويات المعيشة وتحت كل الظروف والاحتمالات.
«خيركم من تعلم العلم وعلمه»، والعلم يشمل كل أمور الحياة وخبراتها، وهذا العطاء يحتاج إلى الكثير من صفات التضحية والإيثار لإصلاح حال البلاد والعباد.
وهناك فرق بين الطموح المحمود والطمع المذموم حيث الرغبة المحمومة لاعتلاء المنصب والجلوس على «الكرسى» والظهور فى مركز الصدارة بشىء من الولع والتلذذ بالنشوة والشهوة لتأكيد التفرد والتميز دون أى اعتبار لتقديم المنفعة وخدمة الناس بل على العكس حيث التمركز حول الذات وتحصيل المكاسب الشخصية والمنفعة الخاصة مع الاحساس بتضخم وانتفاخ الذات، عندئذ تكون هناك مساحة من الفراغ ومنطقة عازلة حول الشخصية التى توصف «بالطمع» ولايجوز الاقتراب من هذه المنطقة إلا بشروط بعد الاستئذان وتحت سيطرة وضغوط شديدة ويتنازل الإنسان «الطماع» عن الكثير من المبادىء ويعيش حالة من غيبة الوعى والادراك ولايرى سوى نفسه، وهو متردد مرتعش متوتر خوفا من ضياع فرصة «اعتلاء المنصب» وخسران مركز الصدارة.. انه دائم الهروب من الناس وله مبررات زائفة لكى يتسنى له الاستمرار فى موقعه الذى هو عشقه وحبه كحبه لنفسه، ومن صفاته أيضا الاحساس بالكيرياء والتكبر، «لا يدخل أحدكم الجنة وفى قلبه مثقال ذرة من كبر».
إن قيمة الإنسان تقاس بقدر عطائه للخير ونفعه للإنسانية، وحب العطاء هبة من الله سبحانه، وما أحوجنا ونحن ننشر النهضة لبلدنا إلى التضحية «كل حسب قدرته وسعته» ولابأس أن يكون بيننا من هم يعشقون السلطة ومركز الصدارة وحب التميز والظهور فهذه صفات إنسانية تحدد ملامح كيان كل واحد ولكن المهم والأنفع هو مساحة العطاء وليس الأخذ فقط حيث لا ينفع سوى ما يمكث فى الأرض، وأما الزبد فيذهب جفاء، فالحياة قصيرة لا تحتمل تأجيل فعل الخير وإعمار الأرض بما فيها من بشر وشجر وحجر، وهذا الخير يمتد بالذكرى الطيبة إلى أبد الآبدين.
ان مواجهة النفس بعيوبها أصعب من مواجهة ونقد الآخرين لأن اغوار النفس فيها كل ما هو متناقض ومتشابك ومعقد، وان القدرة على فك طلاسم هذه التركيبة الربانية المعقدة تحتاج إلى الإيمان القوى واليقين الصادق بخالقها «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» وبناء عليه فإن مكاشفة النفس أمر يحتاج إلى إرادة واعية وبصيرة نافذة وإلى تجرد مطلق من كل نوازعها السيئة الشريرة، كذلك فهو يحتاج إلى حالة من الصفاء والنقاء فى القلب والعقل وإلى السمو والترفع عن النقائص والصغائر، بينما يجب السعى نحو الفضيلة تقربا لله، فالإيمان الحق هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل، وهنا تكون السلامة والصحة النفسية بما فيها من الرضا والقناعة وهنا نقول إننا وصلنا إلى مرتبة «النفس المطمئنة» التى ترجع إلى ربها راضية مرضية عندما يحل الأجل.
د. يسرى عبدالمحسن
أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق