نجا من الأسد فى مصر فانتظرته الخناجر فى اليمن



اليمنيون يحاولون قتل صلاح منصور فى
«ثورة اليمن»

كان الرئيس جمال عبدالناصر يدرك أهمية الفن كقوة ناعمة لا يقل أهمية عن الصحافة أو التليفزيون، إذ يمكن استخدامه في التأثير على العقول، وتشكيل وجدان المواطنين، وحشد الأمة وراء هدف معين، ليس في حالة السلم فقط،
 بل الحرب أيضا، لهذا استخدم الفن كأداة تروج لأفكاره، ومشاريعه، فعندما دعم «ثورة اليمن» العسكرية التي قام بها ثوار الجيش بزعامة المشير عبد الله السلال سنة 1962 ضد الحكم الإمامي الملكي، أنتجت المؤسسة الحكومية للإنتاج السينمائي في مصر فيلم«ثورة اليمن» عام 1966، قصة صالح مرسي، سيناريو وحوار علي الزرقاني وعلي عيسي، وإخراج عاطف سالم.
وذهبت ماجدة إلى أرض اليمن وجبالها مع أبطال الفيلم، الفنان الكبير عماد حمدي الذي قام بدور «عبدالله السلال» ، والنجم الكبير صلاح منصور الذي قام بدور «الإمام أحمد»، وكذلك حسن يوسف وصلاح قابيل، وعبدالعظيم عبدالحق، ورشوان توفيق، وعمر ذوالفقار، وغيرهم ممن قاموا بتمثيل هذا الفيلم بأزقة وشوارع صنعاء القديمة وفي مدينة تعز وجبل صبر.
ولقد زاروا صنعاء ولم يستطيعوا التصوير فيها كثيراً بحكم الظروف والحرب التي كانت تحيط بصنعاء حينها وقد استقبلهم الرئيس السلال واشاد بهم وبموقفهم القومي العربي تجاه أشقائهم باليمن، وعندما علم أن عماد حمدي يجسد شخصيته انفرد به لأكثر من ساعة، وأعطاه بعض النصائح الخاصة بحالته النفسيه قبل وأثناء الثورة، وبعد جلوسهم معه لساعات، استأذنوه بأن يسافروا للتصوير في مدينة «تعز»، لأنها بعيدة شيئاً ما عن المعارك وهناك قاموا بتصوير بقية الفيلم الجميل عن الثورة.
والآن وقوات التحالف العربي تخوض معركتها لدعم الشرعية في اليمن من خلال«عاصفة الحزم» التى تشارك فيها الآن عشر دول عربية بقواتها لإعادة اليمن إلى الشعب اليمني، بعد أن استولت ميلشيات الحوثيين على السلطة، نستعيد ذكريات صناع فيلم «ثورة اليمن» الفيلم المصري الوحيد الذي تناول الشعب اليمني وثورته في ظل الحرب الدائرة هناك هذه الأيام.
زأر الأسد فهرب صلاح منصور من الأستديو
عن هذا الفيلم قال المخرج الكبير الراحل عاطف سالم في مذكراته التى نشرتها إحدى المجلات الفنية اللبنانية عام 1986: تم تصوير مشاهد كثيرة من الفيلم في اليمن وبالتحديد فى مدينة تعز، وكان من المفروض فى أحد مشاهد الفيلم أن نصور لقطة«للإمام أحمد» الذى يجسده صلاح منصور وبالقرب منه أسد رابض، وبدأنا نفكر كيف؟ وبعد عدة أيام علمت أن السيدة إحسان الحلو صاحبة سيرك الحلو الشهير تملك أسدا مشلولا، منظره سواء حين ينام أو وهو جالس كسبع قصر النيل، ولكنه فقط لا يستطيع الحركة، وكان بالضبط هذا هو المطلوب، لذلك قلت إن هذا الأسد هو الذى ينفعني فى اللقطة، ولم يبق إلا أن نقنع صلاح منصور بأن يجلس إلى جانب الأسد وقلت لصلاح: إنه حيوان مسالم ومشلول، يعني أنه سيجلس إلى جانبك ولا يستطيع أن يتحرك أبدا، لكن صلاح خاف جدا ورد قائلا : هو صحيح مشلول لكنه برضه سبع حيوان مفترس، وبعد تردد وطول تفكير وافق منصور، لكنه رفض رفضا باتا وقاطعا أن يلمس السبع أو يربت على رأسه، واضطررت للقبول، رغم أننى كنت أتمنى أن يحدث ذلك، لأنه كان يصور تماما فكرة أن من كان يغضب « الإمام» يأكله السبع، وأن «الإمام» قادر على ترويض أشرس وأقوى الحيوانات، ولذلك يسهل عليه ترويض الناس!.
ويضيف سالم قائلا: بدأنا التصوير ولاحظت أن صلاح منصور كان يجلس ونظره إلى الأسد لا إلى الناس الذين يخاطبهم، ولا إلى الكاميرا، وأدى هذا لأن أوقف التصوير أكثر من مرة، وفى كل مرة كان صلاح يقول لي وهو مرعوب: «يا أستاذ عاطف إنه أسد مهما كان»، وكنت أعود لأقول له ولكنه أسد مشلول، إنه كالقطة، وأولاد الحلو أمامك ولو حدث أن تحرك لهجموا عليه، وهناك مسدس نقتله به، بل وجاء أحد أبناء عائلة الحلو الذى كان يحضر التصوير ونخز الأسد بالشوكة، فزأر الأسد، وصرخ منصور بعلو صوته، وركض هاربا بكل قوته خارجا من الأستديو، فخرجت وراءه، وقمت بتهدئته، وبعد حوالي ساعتين أعدنا التصوير، وقد أخذ هذا المشهد الذى لا يتعدى عرضه دقيقة على الشاشة يوما بأكمله في التصوير.

ويستكمل مخرجنا الراحل حديثه قائلا: وإذا كان هذا العملاق خشى من هجوم الأسد المشلول عليه، ففى أحد الأيام كاد يتعرض للموت، فأثناء تصوير الفيلم، كان يصور أحد المشاهد بملابس الإمام فى شوارع مدينة تعز اليمنية، فجأة أندفع البسطاء نحوه وكل واحد منهم معه «خنجر» يريدون قتله وهم يهتفون «اﻹمام عاد من جديد اقتلوه اقتلوه»، وصلاح يصرخ ويحاول أن يوضح لهم أنه ممثل مصري، وأنه يجسد فقط شخصية « الإمام» وهم مصرون على الفتك به، فأوقفت التصوير وحاولت التدخل لكنهم لم يستمعوا إلى صوتي، ولم ينقذه من بين أيديهم سوى رجال الأمن المرافقين لنا أثناء التصوير.
ميزان النقد
ورغم أن فيلم « ثورة اليمن» هو الفيلم العربي الوحيد الذى وثق وأرخ للثورة اليمنية، وذهب إلى مكان الثورة، لكن كثيراً من النقاد يعتبرونه فيلما دعائيا، ليس له قيمة فنية كبيرة فهو ليس نتاج رغبة في الإبداع بل جاء بأوامر فوقية من أولي الأمر من الساسة، و قد وصف من بعض النقاد بالسطحية التي وصلت إلى درجة السخافة، و يعتبرونه فيلماً سياسياً دعائياً أكثر منه عملاً فنياً إبداعياً، وربما كانت الحسنة الوحيدة للفيلم أنه سجل حدث قيام الثورة اليمنية ولو في إطار روائي، لكن كثير من اليمنيين يعتبرونه واحدا من أجمل الأفلام العربية، وكثير من المثقفين اليمنيين يفتخرون به ويضعونه على مواقعهم الإلكترونية.

كرهيتي «للإمام» سبب نجاحي

الطريف إنه عندما سئل العملاق الراحل صلاح منصور عن سبب موافقته على هذا الدور أجاب قائلاً: « كراهيتي لشخصية « الإمام» دفعتني إلى تجسيدها، وكان لابد أن يعرف الجمهور المصري والعربي مأساة اليمن في ظل حكم الأئمة وإشراقة الثورة التي أطاحت بهذا النظام، فمن خلال وجودي في اليمن أثناء التحضير وتصوير الفيلم عرفت عن قرب بشاعة الحياة التي فرضتها فترة حكم الأئمة مئات السنين.
ومن المشاهد التى لا تبرح ذاكرتي مشاهد السجن الذي دفن فيه الكثير من البشر وماتوا من دون أن يعلم أحد بموتهم، هذه المشاهد أصابتني بالرعب والفزع، وشعرت بالحزن مما سمعته في اليمن من تعذيب في السجون للفقراء من أهلها على أيدي «زبانية»الإمام، خاصة في مشاهد «حرب الخطاط» التي كان يبيحها الإمام لقبيلة للقضاء على أخرى.
وعن اتهام البعض الفيلم بالسطحية قال الراحل العظيم : الفيلم كان جيدا وأعتبر دوري من أهم الأدوار التى لعبتها في مشواري الفني، ويكفي للفيلم أنه وثق لثورة اليمن، والأيام القادمة ستنصفه، وكان من الصعب أن نكشف كل الجرائم التي ارتكبها «الإمام» في ساعتين من الزمن هي مدة الفيلم.
تدور أحداث الفيلم حول «منصور» ــ أو حسن يوسف ــ الذى يعود إلي اليمن بعد تخرجه فى جامعة القاهرة ويكتشف ظلم وطغيان «الإمام» الذي لا يثق بأي يمني يدرس خارج البلاد فيأمر بقتله، ولكنه ينجو وينضم إلي منظمة سرية في الجيش تدبر الانقلاب الناجح ضد الإمام الظالم ويتمكنون من الإطاحة به.



المصدر الاهرام


تعليقات

المشاركات الشائعة