فريدة عثمان..فراشة الماء التى صنعتها الغربة
المصدر نصف الدنيا . nisfeldunia.ahram.org.eg
«فريدة عثمان تفوز ببرونزية العالم للسباحة».. خبر عندما سمعته انتابتنى فرحة مزدوجة، الأولى شأن كل المصريين الذين سعدوا بهذا النصر الرياضى الذى يعنى رفع العلم المصرى على منصة التتويج، والثانية لأن «نصف الدنيا» كانت شاهدا على نمو هذه الموهبة منذ كانت ناشئة واعدة وهى تحصد الميداليات والأرقام القياسية المسجلة باسمها محليا وقاريا ودوليا. أتذكر حديثها عن دور الأسرة وخاصة والدتها فى معاونتها على التنسيق بين الرياضة والدراسة، والتى كانت تذهب بها للتدريب وتعد لها الغداء لتتناوله فى الطريق للتدريب بعد انتهاء اليوم الدراسى وتحثها وتشجعها على التدريب الجاد، وتمر السنوات ويزداد الجهد والإعداد والحرص على المشاركات الدولية بدأب وإصرار للمشاركة والمنافسة، وتوالت المشاركات والإنجازات وكل بطوله ترقى فى المستويات والانتصارات حتى حققت لقب أسرع سباحة على مستوى الجامعة حيث تدرس بالولايات المتحدة وكانت باكورة الإنجازات الحصول على برونزية بطولة العالم للكبار.
وتقول د. راندا والدة فريدة: الحمد لله، وهذا الفوز ليس محض مصادفة أو مفاجأة بل كان نتاج خطة الإعداد والجهد والتدريب التى تسير عليها فريدة أى البرنامج التدريبي، ففازت فى البطولة قبل السابقة فى برشلونة بالمركز السابع وفى البطولة السابقة بالخامس، ثم هذه البطولة الثالث وفازت بالميدالية البرونزية، أى أنه هدف تسير وفق معدلاته وهو إنجاز كبير خاصة أنه كانت هناك أجزاء بسيطة من الثانية فرقا بينها وبين الثانية وكان الحرص على اختيار الجامعة ذات المكانة العلمية التى لا تقل شأنا عن المستوى الرياضى قبيل التحاقها بها قبل حصولها على الثانوية بعامين، واخترناها من بين 5 جامعات وكانت منحة ضئيلة فى العام الأول لدراستها لأنهم لم يكونوا قد أدركوا مستوى فريدة بعد رغم أنها كانت بطلة عالم للناشئين ولها أرقامها الخاصة، الأمر الذى حول الدفة لمنحة كاملة بعد تفوقها الرياضى والدراسى فى العام التالى وقد درست هناك التسويق والإعلام وأنهت دراستها الجامعية.
طقوس ما قبل المنافسات
وتصف الأم حال بطلتها قبل المنافسات فتقول: التركيز العالى والجدية ونستطيع أن نقول إنها «دخلت فى القوقعة» لتضمن أعلى تركيز. وعادة قبل المنافسات تتحدث عن المنافسين وأرقامهم إلا أنها قبل المسابقة بأسبوع تبدأ الهدوء الشديد والتركيز والاستعداد، ومنذ الصغر اعتادت قراءة سورة (يس) يوم المباراة حتى أنها تسألنى يوم المباراة «هل قرأت يا ماما سورة يس» وتحتفظ عادة فى حقيبة سفرها بمجموعة من قصار السور، وأما عن هواياتها فتقول: تسمع موسيقى غربية وتحب نانسى عجرم وتستمع للأغانى العربية أيضا.
بعد الغربة
وعما تغير فى فريدة بعد تجربة الغربة تقول الأم: أصبحت أكثر اعتمادا على النفس وتقوم بتفاصيل كثيرة كانت تتركها لنا وهى صغيرة، تنفذ أى شيء بطريقة عملية لأنها تعودت فى الخارج الاستقلالية وأن تكون مسئولة عن نفسها لكن جوهرها وروحها وشعورها بنا كما هو، فقد شاهدت لها مشاركة على فيسبوك تحت صورة منشورة لوالدها وهو ينتظرها فى المطار وهى تقول «لم أكن لأحقق هذا دون بابا» وتأثرت جدا. وهى دائما تتحدث عنى أنا ووالدها وشقيقها بشعورها الحميم نحونا وتستشير شقيقها وتناقشه فى كثير من أمورها. وفى إحدى المناسبات الاجتماعية خرجنا لنسهر ففوجئت بأنها استغربت أن المناسبة تأخرت إلى منتصف الليل وأخبرتنا بأنها تعودت النوم مبكرا الذى أصبح نظام حياة بالنسبة لها، وهى تحلم الآن بأن تحقق ميدالية أوليمبية وننتظر طوكيو2020 .
وعن شعور الأم اليوم تقول: الحمد لله منذ طفولتها وأنا أشعر بأن الله منحها موهبة تستحق أن ندعمها ونساعدها ونهيئ لها المناخ الذى يسمح لها بالنجاح والإبداع وتحقيق هدفها، وهو ما تسعى إليه الأسرة ككل أنا ووالدها ووشقيقها ومسئوليتنا أن نحافظ عليها ونسعدها، وأما عن مثل البطلة فريدة الأعلى فتقول: ناتالى كو كلان بطلة عالمية وسباحة من الجامعة نفسها وهى فتاة ناجحة فى الرياضة وتمارس حياتها الطبيعية والاجتماعية بسلاسة.
إنجاز كبير
يقول الناقد الرياضى حسن المستكاوي: أن ما حققته فريدة عثمان السباحة المصرية الواعدة يعد إنجازا كبيرا فى تاريخ الرياضة المصرية عامة والسباحة بوجه خاص، حيث لم يكن بالأمر السهل الحصول على ميدالية فى بطولة العالم، والسباحة رياضة صعبة لها خصوصيتها فى الفارق الذى يقاس بأعشار من الثانية، وكذلك النفس لو زاد أو قل يحدث الفرق وأيضا الاستدراكات و»الاستارت» أو بداية الانطلاق.. عوامل كثيرة وراء نجاح وتفوق السباح ومستوى المنافسة الفارق عادة بين المتنافسين أجزاء من الثانية، وفريدة من حسن حظها توافرت العوامل التى أدت لنجاحها، عديد من السباحات لم يستمررن إما للدراسة أو الزواج، وفريدة مازالت صغيرة وتعد فى بداية الطريق الواعد لها، ولابد من أن تستمر وتزداد جرعات التدريب بأسلوب علمى وأن تكمل فى سباقها الذى تميزت فيه وهو «50 متر فراشة» وهو من أسرع السباقات فى السباحة، ويعود نجاح فريدة لعوامل عديدة: الأسرة والنادى والاتحاد والاحتراف فى الجامعة، والوصول لهذا المستوى يتطلب تضافر كل العوامل وخصوصا الموهبة وهو الأمر الأساسى فى الرياضات الصعبة مثل السباحة وألعاب القوى والجمباز، ولا شك فى أن الاحتراف ينبغى أن يكون من رعاة مصريين حتى يكون تمثيلها الدولى باسم مصر. والإنجاز من جانب الألعاب الفردية أكثر فى مصر لأنه يأتى نتيجة لمجهود شخصى من اللاعب، وهو ما نراه فى الاسكواش والسباحة والمصارعة، وهذا لا يمنع أن نجاح اللاعب يتحقق بوجود فريق عمل جيد. وفريدة من أسرة لديها وازع وطنى ورفضت اللعب باسم دولة غير مصر، وشعورها بعد الفوز والعودة لمصر من فرح مجتمعى بها شعور لن يدركه إلا من يستوعب خصوصية هذا المجتمع الذى يشجع الرياضة بحماسة.
تشجيع نعم.. ممارسة لا!
أما د. محمد فضل الله أستاذ التخطيط الرياضى والناقد الرياضى فيقول: فوز فريدة إنجاز كبير فى حد ذاته ونجاح فى تسجيل انتصار مصرى فى أجندة الاتحاد الدولى للسباحة وخاصة أنها من الألعاب القوية، وفريدة موهبة كبيرة دعمتها أسرتها وكان دراستها بإحدى الجامعات الأمريكية عاملا وراء استمرار هذا النجاح ليستمر ويكون لدينا أكثر من بطل. ببساطة نحن فى حاجة إلى بيئة مناسبة لاحتواء المواهب حتى تكمل إنجازاتها من خلال رؤية دولة، والتى تقوم بها وزارة ونمط تعليمى يدعم وقاعدة ممارسة ورعاية مادية وتدريب وإعداد.. كل هذا يؤدى لنجاح وصناعة بطل. ربما تنجح لدينا الألعاب الفردية أكثر فى بعض الألعاب مثل المنازلات، لأن لدينا القوة البدنية والإصرار والمناخ أو الطقس الذى يميز أبطالنا فى ألعاب لا تحتاج إلا أدوات بسيطة مثل الجودو أو الكاراتيه أو المصارعة فهى مجرد بساط عكس السباحة التى تتطلب وجود حمام بمواصفات خاصة. وإذا ركزنا فى هذه اللعبات فلدينا قاعدة ممثلة فى 20 مليون تلميذ فى مراحل التعليم حتى 18 سنة، ويمكن أن يقوم خريجو كليات التربية الرياضية بعمل مسح لانتقاء العناصر الموهوبة رياضيا منهم لتوسيع القاعدة فنحن بلد يشجع ويشاهد الرياضة ولكننا لا نمارسها غالباً.
تعليقات
إرسال تعليق