لماذا اختفى Concept "الحمد" من حياتنا؟
المصدر : الشباب - أخبار دنيا ودين
أب يسرق علبة شيكولاتة لأن ابنه نفسه يأكلها...جريمة سرقة عادية وقعت خلال الأيام الماضية مثلها مثل أي جريمة لكن أعقب الإعلان عنها جريمة أكبر وأخطر تمثلت في تشجيع قطاعات من الناس لها والبكاء علي حالة الرجل المالية المأساوية التي لم تسمح له بتوفير الشيكولاتة لابنه في مجتمع مجرم ظالم يوجد به مليارديرات ومليونيرات
والمؤسف في وجهة النظر هذه أنها ترسخ لقيم مجتمعية شاذة وشائكة فهي أولا تبيح السرقة وتسهل علي الناس السير في طريق الحرام وتمنحهم موافقة غير مشروطة علي استباحة أموال الغير وممتلكاتهم بحجة أنهم أثرياء وهنا الكارثة - التي ندعو الله أن يحفظ منها مجتمعنا وهو يمر بظروف قاسية اقتصاديا - وهي استحلال الحرام واستباحة أرزاق بعضنا البعض وكأن السعة في رزق البعض جريمة لابد من معاقبته عليها وكأن الفقر صار مبررا مقبولا للسرقة أيا ما كانت صورتها
قد يري البعض أن الحادث بسيط بل تافه فسرقة شيكولاتة اليوم وخضارا وفاكهة غدا ثم سرقة المحلات فالمنازل كلها سرقات خفيفة إذا ما قورنت بسرقات الكبار وكأن وجود لصوص بيننا في كل مكان وفي كافة المجالات يدفعنا لتشجيع الباقين علي السرقة بدلا من محاربة اللصوص الموجودين بالفعل والذين إذا قلت ثم انعدمت سرقاتهم ستتحسن الأوضاع المعيشية للجميع تلقائيا.
لذا صار لزاما علينا أن نحدد ما هي معركة المجتمع المصري الحقيقية الآن: هل هي محاربة الفسدة واللصوص أم تشجيع البسطاء والشرفاء علي التحول للصوص ليعيشوا في مستوي أعلي.. فالحياة في مستوي اجتماعي ومادي معين وتلبية كافة الطلبات الاستهلاكية لنا ولأبنائنا لم تدفع هذا الرجل فقط لسرقة الشيكولاتة بل دفعت غالبية المجتمع للتخلي عن منظومته القيمية والأخلاقية في هرولته خلف هذه الأنماط الحياتية الاستهلاكية
باع بعضنا أنفسهم للشيطان واقتاتوا الحرام لتوفير مستوي معين من الطلبات والمعيشة وغدا سنتقاتل بعد أن أدمنا الفساد والإفساد في الوطن لنعيش جميعا في مستوي طبقي أعلي وكأننا لابد أن نعيش كأسنان المشط متساوين في كل شيء لاسيما الأرزاق رغم قوله تعالي:"نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات"... لكننا نسينا الله فأنسانا أنفسنا وقررنا الانتحار اجتماعيا وأخلاقيا بعد أن تحللت قيمنا الدينية والمجتمعية وأصبحت قيم "الإشمعنى" هي السائدة...إشمعنى فلان بيكسب كتير وأنا لا...إشمعنى فلانة ولادها في أحسن مدارس ونوادي وأنا لأ....ليه علان حسابه في البنك كبير وعايش في فيلات وقصور وأنا مش لاقي...إلخ.
اشتهي الكثيرون منا ما في أيدى غيرهم فحرمهم الله من نعمة الحمد علي ما في أيديهم ولو كان قليلا...استبدلنا الحرام بالحلال فنزع الله البركة من قلوبنا وضمائرنا فأغشانا فلم نعد مبصرين لنعمه وعدالته في الأرض....نعم فعدالة الله في الأرض أمر لا يناقش واختلاف الناس ومستوياتهم علي كفة الأصعدة هي سنة الكون لكن هناك من المصريين من لم يعودوا مدركين للبديهيات بعد أن تم العبث بثوابتهم العقائدية والأخلاقية وتحولوا في معظم الأحيان لضباع جائعة لالتهام بعضهم البعض من أجل الماديات؛ حيث تحولت لمعول يهدم أركان هذا البلد باعتبارها الوسيلة الأسهل لتقليب الناس علي بعضهم البعض وتحريضهم علي تغيير واقع لا يمكن لعاقل إلا أن يعترف بأنه صعب ومؤلم ولابد من تغييره وهذا التغيير لا يكون بتسفيه المطالب المشروعة للناس في الحياة الكريمة ومطالبتهم بالفقر والجوع والعوز تحت أي مبرر كما لا يجب تشجيعهم علي استباحة بعضهم البعض وإلا سنتحول لمجتمع لا صوت فيه يعلو علي البلطجة والبقاء فيه للأقوى فقط!!
ربنا يبارك لك....الحمد لله خير ربنا كتير....إحنا في أفضال ونعم ربنا يديمها...مش طالبين من ربنا غير الصحة والستر...جمل طالما سمعناها في عقود سابقة وصار اختفاؤها الآن كاشفا لحالة محمومة من التنافس بل التناحر المجتمعي علي الماديات فقط ،فلا تنافس علي العلم أو الدين ولا تكالب علي المساعدة الحقيقية للناس...لا حروب صادقة علي واقع تحجب فيه عمدا فرص العدالة في التعليم والتوظيف والعلاج...لا غيرة وطنية علي انسحاق الكفاءات أمام أصحاب "الواسطة".
فالعدالة الاجتماعية وليس التقاتل المجتمعي تبقي هي الحل الوحيد لواقعنا...العدالة التي يتساوي فيها الجميع كبشر في الآدمية والكرامة...وفي كل فرص الحياة الكريمة....العدالة التي تقتضي أن تصبح محاربة الجهل والتمييز الاجتماعي بكل صوره فرض عين علي كل مصري....وقتها سنسترد "الحمد" - وهو التعبير الرائع الذي أطلقه الراحل يوسف داود في فيلم "عسل أسود" ملخصا Concept به أسلوب حياة نفتقدها بشدة حاليا.
تعليقات
إرسال تعليق