الواقع المربك والمستقبل المجهول فى «خريف البلد الكبير»

المصدر الاهرام . اخبار الادب
بعد رواياتى (مدد) 2014 و(حالة سقوط) 2007 التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، يصدر الكاتب والإعلامي محمود الورواري روايته الثالثة «خريف البلد الكبير» وتدور أحداثها فى بلد يعيش واقعًا مُربكًا، وآخر يأتي من أعماق ماضٍ غامض.
ومن خلال أداء درامي أجاد الكاتب في طرحه، بلُغة بسيطة، وأسلوب بعيد عن المباشرة الفجَّة، مؤسِّسًا عالمًا خاصًّا به، في زمان ومكان غير مُحدَّدَين، وأحداثٍ ترتبط بطبيعة المكان وخصوصية الزمان، حيث تبدأ الرواية، في وقت ما بعد انتفاضة 25 يناير 2011 حين يتلقى السفير رشدي الشيخ الذي يتولى منصبا خارج مصر اتصالا هاتفيا أثناء عطلة صغيرة في القاهرة من صديق دراسة قديم فيعطيه صندوقا خشبيا يحوي مخطوطات قديمة ويتركه له ثم يرحل. ويأخذ السفير الصندوق إلى صديق آخر خبير بالمخطوطات حتى يفك طلاسم المخطوطات ويكشف ما فيها من حكايات. وتحكي المخطوطات قصة بلد أسسه «الشيخ الكبير» وهو البطل الموازي الذي اكتفى المؤلف بمنحه هذا الاسم وكان يتحلى بالحكمة والشجاعة فأنشأ مع ثلاثة من رفاقه بلدا من العدم يرسم من خلالها المؤلف ملامح مدينة فاضلة أسماها «البلد الكبير»، ويُرسي مبادئ وقيمًا راقية، لا تنال منها ومن بلده الكبير، إلا خيانة أقرب الناس إليه فأحالوها إلى مدينة الملذات والفساد!

وبين الشيخ النجار، نجد «رشدى الشيخ» ابن إحدى قرى دلتا مصر الذى أوصله تفوقه الدراسى للالتحاق بإحدى كليات القمة بالقاهرة، وتتوج ذلك التفوق بانتمائه لسلك الخارجية ليصبح دبلوماسيا ذا صيت واسع. ليحقق المكانة الاجتماعية والشهرة والمال معا، لكن ذلك لم يكن ثمرة التفوق وحده، ففى طريق تحقيق ذلك تخلى بكامل إدراكه وبكل وعيه عن حبه الكبير فى بلدته واختار ابنة المسؤول الكبير بالوزارة زوجة وتوالت سلسلة «التنازلات» عن عائلته الريفية، وعن قريته ومَن فيها، وعن أصدقائه وزملائه، حتى فقد هويته ولا جنسيته كل هذا ليختصر على نفسه الوقت لتحقيق الحلم الأكبر.

وبالتوازي يتابع المؤلف سرد يوميات بطله الرئيسي فى الرواية - الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية - السفير رشدي الشيخ الذي يفقد كل ما بناه طوال حياته خلال أيام معدودات فتعيده وزارة الخارجية لعمل إداري بالقاهرة وتطلب زوجته الطلاق ولا يجد منقذا من هذا إلا شبح حبيبته القديمة (فاطمة) التي تخلى عنها في شبابه ليتزوج من ابنة دبلوماسي كبير أدخلته عالمها الارستقراطي وساعدته على القفز سنوات للأمام. شبح فاطمة ليس إلا ابنتها التي تحمل ذات الاسم وكثيرا من صفات الحبيبة القديمة فيتعلق قلب السفير بروح فاطمة الجديدة رغم فارق السن بينهما ويحاول إبقاءها بجانبه بأي طريقة حتى يتوحد مصيرهما.

وعند نقطة تقاطع بين حكايات الماضي وأحداث الحاضر يقف رشدي الشيخ ليسأل نفسه «كيف أفرق بين كل هذه الأشياء وبين ما أعيشه فعلا في الواقع؟

تعليقات

المشاركات الشائعة