فنزويلا .. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية

نيكولاس مادورو


المصدر الاهرام - تحقيقات و تقارير خارجية

تعيش فنزويلا حاليا واحدة من أحلك الأزمات التي تعصف بالبلاد على مدى ثلاث سنوات من الاضطرابات بعد وفاة الرئيس الراحل هوجو شافيز وتولي الرئيس نيكولاس مادورو مقاليد الحكم.حالة من الفوضى العارمة اجتاحت البلاد على مدى ثلاثة أسابيع منذ مطلع أبريل الحالى بعد أن اتسعت أعمال العنف والنهب التي اندلعت خلال المظاهرات الاحتجاجية المناهضة للرئيس مادورو والتي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 30 قتيلا واعتقل نحو 1300 متظاهر. وكانت الأزمة قد بدأت تتصاعد عندما خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين مطلع أبريل الحالى في مظاهرات تطالب مادورو بالتنحي وإجراء انتخابات مبكرة رافضة أي نوع من أنواع الحوار مع مادورو الذي كان قد أعلن قراره بمصادرة صلاحيات البرلمان وتحويلها للرئيس مع حرمان النواب من الحصانة.
وتراجع الرئيس مادورو عن هذا القرار بعد أن واجه احتجاجات موسعة, إلا أن جوليو بورجيس رئيس البرلمان الذى تسيطر عليه المعارضة منذ نهاية عام 2015 اعتبر هذا التراجع غير كاف، قال إن الرئيس يحضر لانقلاب كي يعزز سلطته، واشتبك المتظاهرون مع قوات الأمن واندلعت اضطرابات في العديد من أحياء كراكاس، واستخدمت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. ولم يهدئ موقف قوات الأمن والحكومة من روعة الغضب الشعبي، فقد انطلقت حشود المتظاهرين مجددا في مسيرات صامتة في مختلف أنحاء البلاد تعبيرا عن الغضب الشعبي المتنامي بعد أعمال العنف التي قتلت الكثير من المحتجين، وفيما كانت مجموعات من العسكريين وعناصر الشرطة تراقب مداخل العاصمة كراكاس التي شهدت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن خلال تحركات سابقة، بدأ معارضو مادورو في التجمع في نقاط عدة حددتها المعارضة بهدف الوصول إلى مقرات الأسقفية الفنزويلية في جميع أنحاء البلاد بحثا عن الدعم، وتعهدت المعارضة التي تشكل غالبية في البرلمان منذ نهاية 2015 بعدم التراجع عن المظاهرات حتى تحقق هدفها الرئيسي المتمثل في إجراء انتخابات مبكرة والإطاحة بمادورو، فما كان من قوات الأمن إلا مواجهة المتظاهرين بأساليب العنف، فتحولت مسيرات لعشرات آلاف المعارضين إلى صدامات وأعمال نهب. ويحاول الرئيس مادورو بمختلف الطرق السيطرة على الموقف واحتواء الأزمة و دعا المعارضة إلى قبول الحوار ومواصلة المفاوضات.
لكن المظاهرات الاحتجاجية دخلت فعليا أسبوعها الرابع, ونصب المحتجون متاريس في الشوارع وأعاقوا حركة المرور بتنظيم اعتصامات على امتداد الطرق الرئيسية للضغط من أجل تنفيذ مطالبهم بانتخابات مبكرة.
وفي ظل عدم وجود بارقة أمل للتهدئة أو تراجع أي طرف عن مواقفه، فإن ما يحدث في فنزويلا الآن هو خراب وتدمير للدولة, فتلك المظاهرات تأتي في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أصلا أزمة اقتصادية طاحنة بسبب هبوط أسعار البترول، الأمر الذي أدى لانهيار الاقتصاد واختفاء السلع الغذائية من الأسواق منذ العام الماضي، لدرجة دفعت الكثير من المواطنين إلى اقتحام الحدود مع دولة كولومبيا المجاورة للحصول على الطعام!
وثمة سؤال يطرح نفسه .. كيف لبلد غني بالبترول والثروات المعدنية أن يعاني أزمة اقتصادية تؤدي لتجويع المواطنين؟
وفي الوقت الذي تقول فيه المعارضة إن الرئيس مادورو يدفع البلاد نحو حكم ديكتاتوري ومسار لا رجعة فيه، يقول الرئيس إن المعارضة والاحتجاجات ليست إلا محاولة انقلاب ضده بتدبير الولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة، وهو ما دفعه إلى إصدار قرار انسحاب من منظمة الأمم الأمريكية قبل يومين.
المتابع لمجريات الأحداث يتأكد أن فنزويلا بالفعل بين فكي تدخلات ومؤامرات خارجية، وبين أزمات داخلية متصاعدة في وقت واحد، فمنطق كل طرف يعتد به، وله دلائله على الأرض، وهو ما ينذر بأزمة قد تطول أكثر مما قد يعتقد البعض، إلا إذا غلبت كفة طرف على الآخر خلال الأيام المقبلة، بغض النظر عن الخسائر التي ستلحق بالبلاد ككل جراء ذلك.

تعليقات

المشاركات الشائعة