«الحرب» على جشع التجار

المصدر الاهرام . اخبار الاقتصاد
تفعيل دور الأجهزة الرقابية وحماية المستهلك ومراقبة الأسواق ومنع الممارسات الاحتكارية


بالرغم من تدخل الدولة للتخفيف من آثار موجة الغلاء التى ضربت الأسواق، من خلال طرح سلع ومنتجات بأسعار مخفضة، سواء عبر السيارات المتنقلة التى تتمركز فى العديد من المناطق، أو من خلال المجمعات الاستهلاكية، إلا أن الكثيرين ممن طحنهم الغلاء، لم يجدوا أمامهم حلا للتعبير عن رفضهم للارتفاع الجنونى فى الأسعار فى ظل دخولهم المادية البسيطة، والتى أصابتهم بالعجز وعدم القدرة على تلبية نفقات المعيشة، سوى سلاح المقاطعة، لعل التجار الجشعين يضطرون لتخفيض الأسعار، لتصريف شعلى الشراء بسبب الارتفاعات المتتالية فى الأسعار بمبرر، أو بدون مبرر فى أحيان كثيرة.
معدلات التضخم

تكشف تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، ارتفاع الرقـم القياسى العام لأسعار المستهلكين لإجمالى الجمهوريـة ليبلغ (238.5) نقطة خلال شهـر مارس الماضي، ليرتفع بنحو2.1% مقارنة بشهـر فبراير السابق عليه، وعلى أساس سنوى ارتفع معدل التضخم ليبلغ 32.5% مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضى .

«الغرف التجارية»

انفلات الأسعار فى رأى الدكتور عبد النبى عبد المطلب الخبير الاقتصادى وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية- يرجع إلى عوامل عديدة، منها عدم وجود قواعد، وقوانين، وقرارات، تمنع رفع الأسعار، ذلك أن هناك كيانات، كالاتحاد العام للغرف التجارية، واتحادات الغرف التجارية بالمحافظات، تتفق فيما بينها على شكل ونوعية وموعد طرح السلع للبيع بما يضمن تحقيق أكبر قدر من الأرباح، وعلى الجانب الآخر هناك المستهلك المصرى وهو فرد، ليس له جمعيات تدافع عنه، وليس هناك من يعلمه بالأسعار، وعندما ترتفع الأسعار تكون هناك حالة من التفاوض بين الحكومة بصفتها ممثل الشعب وبين رجال الأعمال والتاجر، للوصول لحل وسط يرضى الطرفين (الحكومة والتجار)، وفى الغالب لا يرضى هذا الحل معظم الشعب، لأنهم غير ممكنين فى عملية التفاوض، وعلى ذلك، فإن الحل الأمثل يكمن فى ضرورة أن تكون هناك كيانات وتكتلات بنفس وقوة كيانات التجار ، وتكون الحكومة فى هذه الحالة حكما وفيصلا بين التجار والمستهلكين، بحيث يتفاوض التجار والمستهلكون، للحصول على سعر يرضى الطرفين، وليس يرضى التجار والحكومة فقط.

جشع التجار

وكان المواطن يتوقع أو ينتظر بعد وصول الاحتياطى النقدى لـ 28.5 مليار دولار لدى البنك المركزى فى أول إبريل الجارى ، وبعد الهبوط الملحوظ فى سعر الدولار بما يتراوح بين 15 قرشا و45 قرشا أن تنخفض الأسعار بنسبة 1% لكن ذلك لم يحدث، حيث ظلت الأسعار مرتفعة، كما تواصل ارتفاعها بصفة مستمرة، حتى وصل سعر كيلو الطماطم إلى 14 جنيها فى بعض المناطق، وقد تكون هذه المرة الأولى فى تاريخ مصر القديم والحديث، التى يصل فيها سعر كيلو الطماطم إلى هذا الحد، مشيرا إلى أن ما تشهده الأسواق من ارتفاع غير مبرر فى الأسعار لا يمكن تفسيره إلا بجشع التجار.

قصور تشريعي

أما عدم تراجع الأسعار بالرغم من انخفاض سعر صرف الدولار، فإن ذلك كما يقول الدكتور عبد النبى عبد المطلب- خير دليل على وجود ترتيبات بين أصحاب المصالح للإبقاء على ارتفاع الأسعار كما هو، لتحقيق اكبر قدر من المكاسب، مشيرا إلى أن الحديث عن الرقابة وضبط الأسواق هو مجرد وهم، لأن رفع الأسعار لا يمثل مخالفة قانونية، بل يتوقف تحديد السعر على قواعد العرض والطلب، باستثناء سلع محددة مثل الوقود بجميع أنواعه ، وكذلك السلع الغذائية التى تدعمها الدولة، ضمن المنظومة التموينية والمجمعات الاستهلاكية، وكذلك لا يمكن تحرير محاضر لمن يخالفون الأسعار المعلنة، فى ظل عدم وجود قانون للتسعيرة الجبرية أو الاسترشادية، وكذلك لعدم وجود منظومة قانونية تحدد هامش الربح الذى يمكن أن يحصل عليه التاجر، ومن ثم فإن ما يقال حول الرقابة وضبط الأسعار هو كلام مرسل لا أثر له فى الأسواق، ما لم تكن هناك منظومة قانونية تحول دون تلاعب التجار بالأسعار، وتحاسبهم حال ثبوت ارتكابهم لتلك المخالفات.

ضوابط جديدة

ويعد رفع الأسعار- وفقا لـ عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك- إحدى الممارسات الضارة، التى تؤذى السوق، وتصنع حالة من الركود، وتؤثر على القوة الشرائية للمستهلكين، ومن الضرورى أن تكون هناك تنافسية حقيقية بين التجار، وذلك سيصب بالطبع فى مصلحة المستهلك، ومن حق جهاز حماية المستهلك طلب قائمة بالأسعار الحقيقية، والإعلان عنها لتحقيق تنافسية حقيقية، وكذلك من حق المستهلك شراء السلع بالسعر الأدنى، فهو الطرف الأقوى، وعليه مقاطعة المحتكرين، والتوقف عن شراء السلع المبالغ فيها فترة من الوقت، حتى يعود التاجر إلى صوابه، ويبيع السلع بقيمتها الحقيقية التى تستحقها دون أية مبالغة فى السعر.

الدولار والاحتكارات والأسعار

ولم ينعكس ارتفاع الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى على سوق النقد، هكذا قال لنا أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، كما أن تلك الحصيلة الدولارية لم تنعكس على الأسعار، ولا على سعر صرف الدولار، كما أن الاحتياطى النقدى الحالى والذى تجاوز الـ 28 مليار دولار ، والمتوقع أن يصل إلى 30 مليار دولار بنهاية العام الحالي، ليس له أى مردود فى تشغيل سوق النقد، ولم يتوفر الدولار للمستوردين وفقا لاحتياجاتهم وصفقاتهم الاستيرادية، والحقيقة أن ارتفاع سعر صرف الدولار، والدولار الجمركى لهما تأثير مباشر على كل الارتفاعات التى شهدتها السلع المختلفة، لاسيما أننا نعتمد على الاستيراد بشكل كبير، فى مختلف القطاعات، ولاشك أن قرار تعويم الجنيه أثر على الأسعار، وإذا كان المستهلك يشكو من ارتفاع أسعار الدواجن، فيمكن فتح الاستيراد ورفع الجمارك عنها، فإذا تحقق ذلك سينخفض سعر كيلو الدواجن، لاسيما أن هناك فجوة كبيرة بين الإنتاج المحلى من الدواجن والذى يقدر بنحو600 ألف طن، بينما يقدر حجم الاستهلاك فى السوق المحلى بنحو مليون و200 ألف طن، فإذا زاد المعروض انخفض السعر.. وهكذا فإن قرارات بسيطة كعدم تصدير سلعة ما ، إلا بعد تحقيق الاكتفاء الذاتى منها، فإذا توافرت فى الأسواق انخفض سعرها.

تشجيع المنافسة

ومن الأهمية كما يقول رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية- أن يمارس جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار صلاحياته فى التصدى لكافة الممارسات الاحتكارية أيا كان مرتكبوها، وتشجيع المنافسة، ما سيؤدى إلى تحقيق الانضباط، واستقرار الأسعار، فى ظل منافسة حقيقية بين التجار، وهو ما سيصب فى النهاية فى مصلحة المواطن البسيط، مطالبا بأهمية التصدى لهيمنة الشركات الأجنبية على الاقتصاد المصري، لوقف كل أشكال الاحتكار.

تعليقات

المشاركات الشائعة