مقامرة تيريزا ماى تفشل: برلمان معلق ومتاهة سياسية
المصدر الاهرام . تحقيقات و تقارير خارجية
فشلت مقامرة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى لإجراء انتخابات عامة مبكرة تعطيها أغلبية برلمانية كبيرة لإطلاق يدها في مفاوضات خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبى (بريكسيت).
فشلت مقامرة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى لإجراء انتخابات عامة مبكرة تعطيها أغلبية برلمانية كبيرة لإطلاق يدها في مفاوضات خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبى (بريكسيت).
وأظهرت نتائج الانتخابات أن ماي لم تفشل فقط في زيادة عدد مقاعد حزب المحافظين في البرلمان، بل خسرت أغلبيتها البرلمانية الضئيلة،أى الـ 17 مقعداً التي تركها لها رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون. فقد حصل المحافظون على 318 مقعداً من أصل 650 مقعداً بإنخفاض 12 مقعداً عن البرلمان الماضي، فيما حصل العمال على 262 مقعداً بإرتفاع 29 مقعداً.
والنتائج كارثية بالنسبة لرئيسة الوزراء على المستوى الشخصي. فهي دعت لهذه الانتخابات من أجل إعطائها هي شخصياً تفويضاً شعبياً كبيراً حول رؤيتها لمفاوضات البريكسيت والاقتصاد والهجرة. ونتائج التصويت توضح بجلاء رفض نسبة كبيرة من البريطانيين لتلك الرؤية. وبهذه النتائج، تخرج ماي «ضعيفة» و«جريحة» وهو ما يهز صورتها ويلقي بظلال من الشك على استمرارها كرئيسة للوزراء، خاصة أخذاً في الأعتبار ان حزب المحافظين بالذات لا يتسامح إزاء زعمائه الضعفاء.
ويعني عدم تحقيق أى من الحزبين الكبيرين أغلبية برلمانية، أن البرلمان الحالي «بات معلقاً» بإنتظار المشاورات الخاصة بتكوين إئتلاف من عدة أحزاب، أو تشكيل حكومة أقلية، يجب لتمريرها أن تنال تصديق البرلمان.
ولتشكيل حكومة، ستكون ماي مضطرة للإعتماد على أحزاب أخرى لتعطيها الأغلبية البرلمانية، وهذا يتطلب مشاورات وتنازلات وحلولا وسطى في مرحلة مفصلية تتعدد فيها التحديات الكبيرة وعلى رأسها مفاوضات مغادرة البلاد للإتحاد الأوروبي.
ويعني عدم تحقيق أى من الحزبين الكبيرين أغلبية برلمانية، أن البرلمان الحالي «بات معلقاً» بإنتظار المشاورات الخاصة بتكوين إئتلاف من عدة أحزاب، أو تشكيل حكومة أقلية، يجب لتمريرها أن تنال تصديق البرلمان.
ولتشكيل حكومة، ستكون ماي مضطرة للإعتماد على أحزاب أخرى لتعطيها الأغلبية البرلمانية، وهذا يتطلب مشاورات وتنازلات وحلولا وسطى في مرحلة مفصلية تتعدد فيها التحديات الكبيرة وعلى رأسها مفاوضات مغادرة البلاد للإتحاد الأوروبي.
وفيما جسدت النتائج أسوأ كوابيس المحافظين، كانت بالنسبة لحزب العمال بزعامة جيرمي كوربن أفضل كثيراً جداً مما توقعته استطلاعات الرأي العام. واستطاع العمال بزعامة كوربن الحصول على عدد مقاعد ونسبة من التصويت الشعبي أكثر مما حصل عليه زعيما العمال السابقان جوردون براون وأد ميليباند. والنتائج التي حققها أفضل نتائج يحققها حزب العمال منذ زمن توني بلير.
وفي ظل حالة ذهول في مقر حزب المحافظين، وحالة إنتشاء في مقر حزب العمال، تبقى الحقيقة الساطعة، التي دفعت لتراجع قيمة الجنيه الاسترليني، هي أن طريق أى من الحزبين لتشكيل حكومة قوية، صعب جدا ما يفتح الباب كما يقول الكثير في دهاليز مقر البرلمان في ويسمنستر أمام انتخابات عامة جديدة، ربما في الأشهر الأخيرة من هذا العام.
ووفقاً لنتائج الحزبين الكبيرين، وباقي الأحزاب السياسية، فإن طريق الحزبين لتشكيل حكومة ائتلافية ملئ بالألغام. فحزب المحافظين بصفته الحزب الأكثر عدداً في البرلمان يحق له البدء بمحاولة تشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية. وقد توجهت تيريزا ماي بعد ساعات من النتائج للملكة اليزابيث الثانية في قصر باكنجهام لطلب تشكيل الحكومة الجديدة. كما بدأ المحافظون بالفعل مشاورات مع حزب الاتحاد الديمقراطي الايرلندي لتشكيل حكومة ائتلافية.
وإذا ما أتفق المحافظون والاتحاد الديمقراطى الأيرلندى على شروط الحكومة الائتلافية، سيكون السؤال هو: هل بإمكانهما تقديم برنامج للحكومة الجديدة يدعمه غالبية نواب البرلمان الجديد؟. فتيريزا ماى كى تضمن نجاح تمرير حكومة إئتلافية لها، يجب أن تخفف من الشروط الصعبة للبريكسيت كى لا يتمرد ضدها نواب من حزبها يرفضون منذ البداية رؤيتها المتشددة للخروج من الإتحاد الأوروبى. كما ستكون ماى مضطرة لتقديم تنازلات كبيرة وإجراء تغييرات ملحوظة في مانفيستو حزبها وفي تشكيلة الحكومة المقبلة،وهذا يعني تراجعها ربما عن الخروج من السوق الأوروبية الموحدة وإتفاقية التعريفة الجمركية مع الإتحاد الأوروبى، والإستقطاعات من الميزانية العامة وخفض الانفاق على التعليم والصحة.
وإذا تعثرت ماى فى نيل دعم البرلمان لحكومتها الإئتلافية وبرنامجها للحكم، ستدعو الملكة اليزابيثحزب العمال بوصفه الحزب الثاني في البرلمان لتشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية. وأخذاً في الاعتبار ان برنامج حزب العمال يرفض أستمرار سياسات التقشف الاقتصادي ويرفض «الخروج الخشن» من الإتحاد الأوروبى، مفضلاً عليه «خروج ناعم»، فإن حظوظه لنيل دعم أحزاب «الأحرار الديمقراطيين» و«الخضر» و«القومي الأسكتلندي» قوية. لكن المعضلة أن عدد مقاعد كل هذه الأحزاب مجتمعة لا يعطي حكومة ائتلافية بزعامة العمال الأغلبية المريحة للحكم خاصة بسبب صعوبة التحديات والقضايا المصيرية خلال الفترة المقبلة.
وهذا يطرح الخيار الثالث وهو «حكومة وحدة وطنية» من حزبي المحافظين والعمال. ومعضلة هذا الخيار هو التاريخ التنافسي بين الحزبين الكبيرين وندرة الحكومات الوطنية بينهما في بريطانيا والتباين الكبير بين مانفيستو الحزبين خلال هذه الانتخابات.
ومع استبعاد ذلك الخيار، يبقي الحل لتشكيل حكومة مستقرة وقوية هو إجراء انتخابات جديدة بعد عدة أشهر، سيأمل خلالها الحزبان الكبيران نيل أغلبية برلمانية مريحة.
لقد فشلت تيريزا ماى على نحو درامي وخرجت «منتهية سياسياً» من انتخابات لم يكن لها مبرر أو داعى سياسى سوى تعزيز قبضتها على الحزب والحكومة.
فلماذا فشلت على هذا النحو الذريع؟ وما هي خيارات حزب المحافظين وبريطانيا خلال الأيام المقبلة؟.
هناك عدة عوامل لعبت دورا في هذه النتيجة الكارثية لرئيسة الوزراء البريطانية يمكن تلخصيها في ثلاثة وهي:
أولا: مانفيستو حزب المحافظين. كانت هذه بداية تحولات المزاج العام في بريطانيا. فمانفيستو الحزب تضمن استمرار سياسات التقشف والإستقطاع من الإنفاق العام، بينما تعانى شرائح واسعة من البريطانيين في جمود الدخول وارتفاع التضخم والأسعار، خاصة بعد البريكسيت. برنامج ماى الانتخابى لم يكن فقط «خشناً» على الناخبين، بل أيضا «متردداً»، فقد أضطرت إلى التراجع العلني عن بعض نقاطه، مثل تمويل برامج الرعاية لكبار السن. لقد كان المانفيستو سيئاً لدرجة أن وزير الخزانة السابق جورج اوزبورن وصفه بأنه «كارثي» و«أسوأ برنامج انتخابي» للمحافظين.
على النقيض من ماي، فإن مانفيستو حزب العمال وعد بخفض الضرائب على الشرائح الأقل دخلأ وزيادة الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة والبنية التحتية وتأميم المواصلات العامة وإزالة الرسوم الجامعية. هذه الوعود وصفت بـ«السخاء المجاني» بسبب إستبعاد فوز حزب العمال بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً لتنفيذ برنامجه الانتخابي. لكن هذه الوعود «السخية» كان لها تأثير إيجابي على مزاج الناخبين بعد نحو 8 سنوات من الإستقطاع والتقشف.
ثانيا: الهجمات الإرهابية. هجومي مانشستر في مايو الماضي، و«لندن بريديج» في يونيو الحالى وضعا تيريزا ماي في موقف الدفاع في الأسابيع الأخيرة من الحملة. وكشف نقاط ضعف أساسية في سجلها كوزيرة للداخلية لمدة ست سنوات في حكومة كاميرون، ثم رئيسة للوزراء. فقد انخفض عدد رجال الشرطة بين أعوام 2009 و2016 حوالى 20,000 عنصر، أي نحو 14% من قوة الشرطةفي إطار إستقطاعات في الميزانية وافقت عليها ماي. والكثير من الناخبين ومنافسيها السياسيين يقولون إن تخفيض قوة الشرطة والأمن لابد وأن يكون أحد الأسباب وراء «الضعف الأمني» الذي تجلى في الأونة الأخيرة، وهو ضعف أمني تحملت ماي مسئوليته.
ثالثا: الزعامة. لم تظهر تيريزا ماي أي كاريزما خلال الحملة الإنتخابية. فهي رفضت المشاركة في المناظرات التليفزيونية مع قادة أحزاب المعارضة وهذا كان له وقع سلبي لدى الناخبين. فقرارها فسر على أنها إما واثقة أكثر من اللازم أو مهزوزة أكثر من اللازم. كما أنه خلال الحملة ألقيت الاضواء على الطريقة التي تدير بها الحكومة. فماي متهمة أنها تدير «مطبخا صغيرا جدا» من المستشارين والمقربين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة تستمع إليهم دون غيرهم. وهذا كما يري الكثيرين يؤثر على طريقة صنع القرار في حكومتها وسبب تراجعها المفاجئ عن نقاط في مانفيستو حزبها.
وحتى قبل ظهور النتائج، كانت أصوات داخل حزب المحافظين بدأت تنتقد أسلوب قيادة ماي، فهي ركزت الحملة حول شخصها وليس الحزب، ولم تسمح لمسئولين ووزراء بارزين من حزب المحافظين بالظهور والمشاركة الفاعلة في الحملة الانتخابية التي خاضتها ماى كأنها حملة «انتخابات رئاسية» وليست «برلمانية». ولم يخف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق عن حزب المحافظين، جاك سترو، امتعاضه من أسلوب زعامة ماي والحملة الانتخابية التي قادتها، قائلاً:» لم أرى حملة للمحافظين أسوأ من هذه الحملة».
قد ارتكبت ماي عددا من الأخطاء الاستراتيجية من بينها أنها أفترضت أن أصوات اليمين القومي البريطاني، نحو 8% من الأصوات، ستتجه إليها بشكل آلي، وهذا لم يحدث. كما أفترضت أنها يمكن ان تدخل الانتخابات وتحقق فوزاً كبيراً بتركيزها فقط على البريكسيت، هذا أيضا لم يحدث. فالاقتصاد والأمن لعبا دوراً كبيراً في النتائج.
أما الخطأ الأكبر الذى لن يغفر لماى، والذى يعد واحد من أسوأ القرارات الأستراتيجية في تاريخ حزب المحافظين، فهو الدعوة لإنتخابات عامة مبكرة لم يطلبها أحد، دفعت حزب المحافظين لحافة الهاوية. فالحزب كان أمامه ثلاث سنوات يحكم خلالها بإغلبية مطلقة حتى 2020 قبل مقامرة ماي.
لقد انتهت تيريزا ماي سياسياً. ومع ان الحزب لن يحبذ استقالتها فوراً إلا أن المحافظين لابد وأن يكونوا بداوا يفكرون في هوية من سيخلف ماي على رأس الحزب ومن الأسماء التي ترددت في الساعات الأولى بعد ظهور النتائج المدوية، أسم وزيرة الداخلية امبر راد التي تقف على أرضية يمين الوسط وتميل لبريكسيت «ناعم». كما أن هناك أيضا اسم وزير الخارجية بوريس جونسون الطامح منذ سنوات لمنصب زعامة الحزب.
عندما دعت تيريزا ماي لهذه الانتخابات كانت تعتقد وتأمل في تفويض شعبي يتجسد في اكتساحها للبرلمان. لكن العكس حدث تماماً. وسواء شكل المحافظون أو العمال حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية في الأيام المقبلة، فإن رئيس الوزراء البريطاني الجديد لن يكون لديه تفويض شعبي كبير يسمح له بالحكم في أوقات عصيبة تمر بها بريطانيا. إنها أسوأ نتائج لبريطانيا. فبرلمان معلق يعني فترة طويلة من الغموض وعدم الإستقرار السياسى. وهذا سيناريو سيئ دائما، لكنه سيئ جدا وأوروبا تطرق باب مفاوضات البريكسيت بكل عنف.
وفي ظل حالة ذهول في مقر حزب المحافظين، وحالة إنتشاء في مقر حزب العمال، تبقى الحقيقة الساطعة، التي دفعت لتراجع قيمة الجنيه الاسترليني، هي أن طريق أى من الحزبين لتشكيل حكومة قوية، صعب جدا ما يفتح الباب كما يقول الكثير في دهاليز مقر البرلمان في ويسمنستر أمام انتخابات عامة جديدة، ربما في الأشهر الأخيرة من هذا العام.
ووفقاً لنتائج الحزبين الكبيرين، وباقي الأحزاب السياسية، فإن طريق الحزبين لتشكيل حكومة ائتلافية ملئ بالألغام. فحزب المحافظين بصفته الحزب الأكثر عدداً في البرلمان يحق له البدء بمحاولة تشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية. وقد توجهت تيريزا ماي بعد ساعات من النتائج للملكة اليزابيث الثانية في قصر باكنجهام لطلب تشكيل الحكومة الجديدة. كما بدأ المحافظون بالفعل مشاورات مع حزب الاتحاد الديمقراطي الايرلندي لتشكيل حكومة ائتلافية.
وإذا ما أتفق المحافظون والاتحاد الديمقراطى الأيرلندى على شروط الحكومة الائتلافية، سيكون السؤال هو: هل بإمكانهما تقديم برنامج للحكومة الجديدة يدعمه غالبية نواب البرلمان الجديد؟. فتيريزا ماى كى تضمن نجاح تمرير حكومة إئتلافية لها، يجب أن تخفف من الشروط الصعبة للبريكسيت كى لا يتمرد ضدها نواب من حزبها يرفضون منذ البداية رؤيتها المتشددة للخروج من الإتحاد الأوروبى. كما ستكون ماى مضطرة لتقديم تنازلات كبيرة وإجراء تغييرات ملحوظة في مانفيستو حزبها وفي تشكيلة الحكومة المقبلة،وهذا يعني تراجعها ربما عن الخروج من السوق الأوروبية الموحدة وإتفاقية التعريفة الجمركية مع الإتحاد الأوروبى، والإستقطاعات من الميزانية العامة وخفض الانفاق على التعليم والصحة.
وإذا تعثرت ماى فى نيل دعم البرلمان لحكومتها الإئتلافية وبرنامجها للحكم، ستدعو الملكة اليزابيثحزب العمال بوصفه الحزب الثاني في البرلمان لتشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية. وأخذاً في الاعتبار ان برنامج حزب العمال يرفض أستمرار سياسات التقشف الاقتصادي ويرفض «الخروج الخشن» من الإتحاد الأوروبى، مفضلاً عليه «خروج ناعم»، فإن حظوظه لنيل دعم أحزاب «الأحرار الديمقراطيين» و«الخضر» و«القومي الأسكتلندي» قوية. لكن المعضلة أن عدد مقاعد كل هذه الأحزاب مجتمعة لا يعطي حكومة ائتلافية بزعامة العمال الأغلبية المريحة للحكم خاصة بسبب صعوبة التحديات والقضايا المصيرية خلال الفترة المقبلة.
وهذا يطرح الخيار الثالث وهو «حكومة وحدة وطنية» من حزبي المحافظين والعمال. ومعضلة هذا الخيار هو التاريخ التنافسي بين الحزبين الكبيرين وندرة الحكومات الوطنية بينهما في بريطانيا والتباين الكبير بين مانفيستو الحزبين خلال هذه الانتخابات.
ومع استبعاد ذلك الخيار، يبقي الحل لتشكيل حكومة مستقرة وقوية هو إجراء انتخابات جديدة بعد عدة أشهر، سيأمل خلالها الحزبان الكبيران نيل أغلبية برلمانية مريحة.
لقد فشلت تيريزا ماى على نحو درامي وخرجت «منتهية سياسياً» من انتخابات لم يكن لها مبرر أو داعى سياسى سوى تعزيز قبضتها على الحزب والحكومة.
فلماذا فشلت على هذا النحو الذريع؟ وما هي خيارات حزب المحافظين وبريطانيا خلال الأيام المقبلة؟.
هناك عدة عوامل لعبت دورا في هذه النتيجة الكارثية لرئيسة الوزراء البريطانية يمكن تلخصيها في ثلاثة وهي:
أولا: مانفيستو حزب المحافظين. كانت هذه بداية تحولات المزاج العام في بريطانيا. فمانفيستو الحزب تضمن استمرار سياسات التقشف والإستقطاع من الإنفاق العام، بينما تعانى شرائح واسعة من البريطانيين في جمود الدخول وارتفاع التضخم والأسعار، خاصة بعد البريكسيت. برنامج ماى الانتخابى لم يكن فقط «خشناً» على الناخبين، بل أيضا «متردداً»، فقد أضطرت إلى التراجع العلني عن بعض نقاطه، مثل تمويل برامج الرعاية لكبار السن. لقد كان المانفيستو سيئاً لدرجة أن وزير الخزانة السابق جورج اوزبورن وصفه بأنه «كارثي» و«أسوأ برنامج انتخابي» للمحافظين.
على النقيض من ماي، فإن مانفيستو حزب العمال وعد بخفض الضرائب على الشرائح الأقل دخلأ وزيادة الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة والبنية التحتية وتأميم المواصلات العامة وإزالة الرسوم الجامعية. هذه الوعود وصفت بـ«السخاء المجاني» بسبب إستبعاد فوز حزب العمال بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً لتنفيذ برنامجه الانتخابي. لكن هذه الوعود «السخية» كان لها تأثير إيجابي على مزاج الناخبين بعد نحو 8 سنوات من الإستقطاع والتقشف.
ثانيا: الهجمات الإرهابية. هجومي مانشستر في مايو الماضي، و«لندن بريديج» في يونيو الحالى وضعا تيريزا ماي في موقف الدفاع في الأسابيع الأخيرة من الحملة. وكشف نقاط ضعف أساسية في سجلها كوزيرة للداخلية لمدة ست سنوات في حكومة كاميرون، ثم رئيسة للوزراء. فقد انخفض عدد رجال الشرطة بين أعوام 2009 و2016 حوالى 20,000 عنصر، أي نحو 14% من قوة الشرطةفي إطار إستقطاعات في الميزانية وافقت عليها ماي. والكثير من الناخبين ومنافسيها السياسيين يقولون إن تخفيض قوة الشرطة والأمن لابد وأن يكون أحد الأسباب وراء «الضعف الأمني» الذي تجلى في الأونة الأخيرة، وهو ضعف أمني تحملت ماي مسئوليته.
ثالثا: الزعامة. لم تظهر تيريزا ماي أي كاريزما خلال الحملة الإنتخابية. فهي رفضت المشاركة في المناظرات التليفزيونية مع قادة أحزاب المعارضة وهذا كان له وقع سلبي لدى الناخبين. فقرارها فسر على أنها إما واثقة أكثر من اللازم أو مهزوزة أكثر من اللازم. كما أنه خلال الحملة ألقيت الاضواء على الطريقة التي تدير بها الحكومة. فماي متهمة أنها تدير «مطبخا صغيرا جدا» من المستشارين والمقربين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة تستمع إليهم دون غيرهم. وهذا كما يري الكثيرين يؤثر على طريقة صنع القرار في حكومتها وسبب تراجعها المفاجئ عن نقاط في مانفيستو حزبها.
وحتى قبل ظهور النتائج، كانت أصوات داخل حزب المحافظين بدأت تنتقد أسلوب قيادة ماي، فهي ركزت الحملة حول شخصها وليس الحزب، ولم تسمح لمسئولين ووزراء بارزين من حزب المحافظين بالظهور والمشاركة الفاعلة في الحملة الانتخابية التي خاضتها ماى كأنها حملة «انتخابات رئاسية» وليست «برلمانية». ولم يخف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق عن حزب المحافظين، جاك سترو، امتعاضه من أسلوب زعامة ماي والحملة الانتخابية التي قادتها، قائلاً:» لم أرى حملة للمحافظين أسوأ من هذه الحملة».
قد ارتكبت ماي عددا من الأخطاء الاستراتيجية من بينها أنها أفترضت أن أصوات اليمين القومي البريطاني، نحو 8% من الأصوات، ستتجه إليها بشكل آلي، وهذا لم يحدث. كما أفترضت أنها يمكن ان تدخل الانتخابات وتحقق فوزاً كبيراً بتركيزها فقط على البريكسيت، هذا أيضا لم يحدث. فالاقتصاد والأمن لعبا دوراً كبيراً في النتائج.
أما الخطأ الأكبر الذى لن يغفر لماى، والذى يعد واحد من أسوأ القرارات الأستراتيجية في تاريخ حزب المحافظين، فهو الدعوة لإنتخابات عامة مبكرة لم يطلبها أحد، دفعت حزب المحافظين لحافة الهاوية. فالحزب كان أمامه ثلاث سنوات يحكم خلالها بإغلبية مطلقة حتى 2020 قبل مقامرة ماي.
لقد انتهت تيريزا ماي سياسياً. ومع ان الحزب لن يحبذ استقالتها فوراً إلا أن المحافظين لابد وأن يكونوا بداوا يفكرون في هوية من سيخلف ماي على رأس الحزب ومن الأسماء التي ترددت في الساعات الأولى بعد ظهور النتائج المدوية، أسم وزيرة الداخلية امبر راد التي تقف على أرضية يمين الوسط وتميل لبريكسيت «ناعم». كما أن هناك أيضا اسم وزير الخارجية بوريس جونسون الطامح منذ سنوات لمنصب زعامة الحزب.
عندما دعت تيريزا ماي لهذه الانتخابات كانت تعتقد وتأمل في تفويض شعبي يتجسد في اكتساحها للبرلمان. لكن العكس حدث تماماً. وسواء شكل المحافظون أو العمال حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية في الأيام المقبلة، فإن رئيس الوزراء البريطاني الجديد لن يكون لديه تفويض شعبي كبير يسمح له بالحكم في أوقات عصيبة تمر بها بريطانيا. إنها أسوأ نتائج لبريطانيا. فبرلمان معلق يعني فترة طويلة من الغموض وعدم الإستقرار السياسى. وهذا سيناريو سيئ دائما، لكنه سيئ جدا وأوروبا تطرق باب مفاوضات البريكسيت بكل عنف.
تعليقات
إرسال تعليق