فرج فودة حاضرًا بعد الاغتيال.. ومثقفون: هل صمت الكلاشينكوف عن استهداف المفكرين؟ | صور

المصدر بوابة الاهرام
إذا كان هناك من يستحق أن يوصف بالشهيد فهو فرج فودة". هكذا استهل د.جابر عصفور ، وزير الثقافة الأسبق، كلمته في افتتاح الأمسية الثقافية "فرج فودة.. حضور رغم الغياب"، التي أقيمت أمس الأحد بالمجلس الأعلى للثقافة، بحضور عدد من المثقفين والكتاب من بينهم: حلمي النمنم، وزير الثقافة، د.حاتم ربيع، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، الشاعر شعبان يوسف، الكاتبة عزة كامل، الإعلامي د.خالد منتصر، وغيرهم.


وتأتي الأمسية بمناسبة مرور 25 عامًا على اغتيال الكاتب والمفكر الراحل د.فرج فودة، الذي اغتيل في 8 يونيو 1992 برصاص أحد أعضاء الجماعة الإسلامية.

وأضاف عصفور أن: "الأمة المصرية أمة دائمًا ما تقدم من مثقفيها من يبذل حياته ثمنًا للحلم الذي ينتظره المصريون وهو حلم الدولة المدنية المصرية، وكان هذا هو شعار فرج فودة".
 وعن معرفته بفودة يقول: فودة من أبناء جيلي، وقد شاءت الأقدار أن أعرفه. كان من الشباب الذين اهتموا بمستقبل هذه الأمة، فكان طبيعيًا أن يكون من الشباب الثائر الذي بدأ ثوريته في زمن عبد الناصر. وأذكر أنه أحد الذين خرجوا في مظاهرات 1968 اعتراضًا على الأحكام غير اللائقة على المتسببين في النكسة.
 ويضيف: كان فودة واحدًا من الشباب الذين انطلقوا يتحدثون عن التعددية، ويحلمون بوجود أحزاب جديدة، لذلك سرعان ما انضم للوفد الجديد. كان ديمقراطيًا ليبراليًا، لذلك كان لابد أن يصطدم مع الجماعات التي تحالف معاها السادات آنذاك.

ويشير عصفور إلى أن فودة: كان يرى أن شعار "الإسلام دين ودولة" فارغ من المضمون، وأذكر أنه تحدث في المناظرة الأخيرة عن أن هذا الشعار شعار طلابي، وأنهم لا يملكون مشروعات اقتصادية وصناعية.
ويرى وزير الثقافة الأسبق أن الأمر لا يتوقف على مواجهة الجماعات المتشددة فحسب، "أظن أنه مع زمن السادات بدأت الفجوة تتسع، هناك تحالف بين الدولة ممثلة في الرئيس، والجماعات التي رأى فيها حلًا للتخلص من بقايا الناصرية".

ويضيف: لم يتردد فودة في المطالبة بدولة ليبرالية والدفاع عنها، وهنا كان لابد أن يدخل في معركتين، معركة مع الدولة التي لا تريد الديمقراطية، ومعركة مع الجماعات التي تريد أن تنشئ دولة دينية.
 ويستدرك: وما لم ينتبه له فودة أن المعركة الأولى كانت تستمد قوتها من الدولة، فلم تكن الجماعات الإسلامية بعيدة عن الدولة، بل كانت تتحالف معها. في المناظرة الشهيرة لم يكن يناظر د.محمد عمارة أو الشيخ محمد غزالي فحسب، وإنما كان يناظر الدولة نفسها. هذه الجماعات لم ننشئها نحن، وإنما أنشأتها الدولة.
وطالب عصفور وزير الثقافة حلمي النمنم بأن: "لا تتردد الوزارة في أن تطبع أعمال فرج فودة طبعة شعبية ميسرة، لأننا إذا أردنا أن نؤسس الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة فلنمكن أبناءنا من الكتب التي تحبب في الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة".
 فيما قال حلمي النمنم وزير الثقافة إنه: منذ بداية العام كانت المناسبة على رأس قائمة المناسبات التي نحتفل بها.

ووصف النمنم الكاتب الراحل بأنه أول كاتب ومفكر استشهد بشكل مباشر. صحيح أنهم حاولوا اغتيال العقاد، وحاولوا اغتيال طه حسين معنويًا وهو حي، وحاولوا أكثر وهو ميت. فبعد وفاته مباشرة ظهرت كتب تكفر طه حسين.
 ويتابع: فرج فودة حالة مختلفة؛ لأنه اغتيل في الشارع على بعد مئات الأمتار من القصر الجمهوري، كانت حياته مهددة ولم تأخذ الدولة التهديد على محمل الجد.
 ويروي النمنم ما يذكره عن المناظرة الشهيرة التي اغتيل بعدها فودة قائلًا: كنت أحد الحاضرين للمناظرة، وكتبت في تغطيتي بالمصور وتساءلت: هل تكون هذه المناظرة نهاية حياة فودة؛ لأنني رأيت نظرات الغزالي والهضيبي، ولم أر الغل والحقد فقط، وإنما رأيت الموت.
 ويوضح: لم يركزوا على دكتور خلف الله الذي تحدث كباحث أكاديمي، ولكن من كان مشتبكًا هو فودة الذي انتزع منهم اعترافات، ومنها اعترافات الهضيبي الذي قال بأنهم كانوا يتقربون لله بالتنظيم السري الذي نفذ تلك الاغتيالات.
 ويضيف: طوال القرن العشرين كان على المثقفين أن يدفعوا ضريبة الدفاع عن وطنية الدولة وعلمانية الدولة. في هذا المعنى كان لا بد أن يأتي علي عبد الرازق، طه حسين، محمد أحمد خلف، ونصر حامد أبو زيد.
 وفي كلمته قال د. حاتم ربيع إننا: "حينما نذكر فودة، فإننا نشير إلى فكر وقامة متميزة. كان له جرأة كبيرة لطرح عدد من القضايا الطائشة. كان يرفض فكرة العنف حتى مع الجاماعات المتطرفة".
 وأشار د.أحمد الشوكي، رئيس دار الكتب، إلى أن دار الكتب قامت بإعداد معرض للدوريات يتضمن بعضًا من مقالات فودة، وما نشر عن جريمة اغتياله.
 ويضيف: ويظهر في هذه المقالات أنه كان لا يشق له غبار في عديد من قضايا الأدب والمعرفة. حذر منذ ٩١ من استغلال نقاط ضعفنا في تفجير المنطقة ككل. ولم تغب الديمقراطية كذلك عن مقالاته.

وأشار الشوكي إلى مناظرة فودة التي أقيمت بالإسكندرية قائلًا: تولد لدي شعور واحد في ذلك الوقت، وهو أن ذلك الرجل لا يهزم.
 فيما قرأ الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في مداخلته قصيدة له كتبها في رثاء الكاتب الراحل بعنوان "شفق على سور المدينة".
وفي كلمته قال يتفق المهندس أحمد بهاء الدين شعبان مع ما طرحه عصفور قائلًا: ظاهرة التيارات الدينية بكل ما تمثله من تغول وانحطاط حقيقي كانت تعود في جانب منها لتواطؤ جهاز الدولة في مواجهة لليسار، فعلى مرأى ومسمع من قوى الأمن كان يتم التعدي على ندوات ومجلات اليسار في الجامعات.
ويضيف: وهذا يوضح أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة في مواجهة التيارات الدينية، خصوصًا أن الأمر لم يتغير كثيرًا. الدولة غافلة عما هو أخطر كثيرًا من جماعات الإخوان، فالتيارات الوهابية لا تقل خطرًا، والتحالف مع هذه الجماعات ستدفع الدولة ثمنه.
 ويوضح: فهناك أكثر من ١١ حزبًا سلفيًا. أشير تحديدًا إلى حزب "البناء والتنمية"؛ لأن هذا الحزب الذي يتمتع بالشرعية اختير رئيسًا له عبود الزمر الإرهابي العتيد. وكان المؤتمر الذي اختير فيه علنيًا. وهذا الحزب هو الذراع السياسي للجماعة الإسلامية، ورغم ذلك يقام لها مؤتمر رسمي تحت سمع وبصر الدولة، وهم يعدون للانتخابات القادمة.
وأردف: التيار الذي قتل فرج فودة ما زال حيًا، ومنذ سنة قتلوا ناهض حتر، وربما يقتلون آخر.
فيما قال إسحاق حنا، الأمين العام للجمعية المصرية للتنوير – التي أسسها فودة قبل رحيله- إن الجمعية "أخذت على عاتقها منذ استشهاد فرج فودة أن تكون معبرة عن فكره، وأن تكمل رسالته بطرح موضوعات في السياق نفسه الذي عمل عليه فرج فودة".
 كما عبر حنا عن سعادته بإحياء ذكرى فرج فودة في مؤسسة رسمية، مشيرًا إلى أنها "المرة الأولى التي يتم فيها ذلك".
 وطالب حنا كذلك بنشر مؤلفات فودة من جانب وزارة الثقافة، فيما أجاب وزير الثقافة بأن الوزارة "ترحب بإعادة نشر كتبه ولكنها تحتاج لحقوق النشر؛ لأن كتبه تنشر تبعًا لدور نشر خاصة".
 وتساءل د.خالد منتصر في كلمته قائلًا: هل صمت الكلاشينكوف عن استهداف المفكرين؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نجيب عنه ونحن على أعتاب ربع قرن على اغتيال هذا المفكر.
 وأضاف: في ٨ يونيو 1992 تلقى فودة الرصاص في قلبه وكبده، وفي يونيو ٢٠١٧ تلقى فكر فودة رصاصة الرحمة بسطوة فكر قانون ازدراء الأديان، هذا القانون المعيب الذي نقف منه موقف الصمت هو الذي سيقتل الفكر نفسه. هذا القانون الذي يحبس المثقفين تحت مرأى ومسمع من الدولة، وتحت صمت من المثقفين.
ويتوقف منتصر عند النقطة التي توقف عندها كل من عصفور وبهاء الدين قائلًا: الدولة التي تحارب الإرهابيين ضحت بمن يحارب الإرهاب. لم يدخل فرج فودة باب ماسبيرو سوى ربع ساعة عندما طلبت الدولة تعليقه على حادث معين، كانت تريد هذا الصوت لاستخدامه فقط في تلميع الصورة.
وأشار منتصر إلى شهادة الشيخ محمد الغزالي أمام المحكمة بأن فودة مرتد يستحق القتل، وأن تهمة القاتل فقط هي الافتئات على السلطة، مضيفًا: "من مشاهد مسرح العبث أنه في الوقت نفسه الذي رفضت فيه أوراق حزبه منح الشيخ محمد الغزالي جائزة الدولة التقديرية".
 أما الشاعر شعبان يوسف فعبر عن سعادته بموافقة النمنم على هذه الفعالية، واصفًا إياها بأنها "مبادرة تستحق التحية بعد ٢٥ سنة لا تحتفل به الدولة"، مضيفًا: وجهت رسالة لابنته التي طالبت بإتاحة كتب فرج فودة للناس، وأن يطلق اسمه على الميدان الذي قتل فيه.
ويتابع: بحثنا في المكتبات العامة فلم نحصل على أي من كتب فرج فودة.
أما الكاتبة عزة كامل فقالت في كلمتها إن "فرج فودة خاض المعركة منفردًا، وهو أشار لهذا الأمر في كتاباته"، وأشارت إلى استشراف كتابات فودة للمستقبل من تقسيم العراق إلى الدور الإقليمي لإيران للمنطقة.
كما لفتت كامل إلى تشديد فودة على عدم استخدام مصطلح "المدنية"، ليستخدم بدلًا منه مصطلح "العلمانية".

تعليقات

المشاركات الشائعة