وظائف عليا بدون شروط فوضى « تعيينات » المستشارين الحكوميين

طوال سنوات، جرت العادة فى دواوين الحكومة، بوزاراتها وهيئاتها ومصالحها وشركاتها، أن يقوم الوزراء، ورؤساء الهيئات، والشركات، والمصالح الحكومية بتعيين مستشارين لهم، ممن يعملون داخل هذه الجهات أو من خارجها، دون الالتزام بمعايير واضحة، لمن يتم اختيارهم لهذا المنصب، ومن ثم تسلل العديد ممن خرجوا على سن المعاش فعلاً، أو أوشكوا على انتهاء مدة خدمتهم ببلوغ سن المعاش، إلى منصب المستشار!! ويخشى فى ظل غياب المعايير، والضوابط اللازمة لشغل هذه الوظيفة، تعيين مستشارين فى القطاع الحكومي، كما كان يحدث فى العهود السابقة، بالمجاملة والمحسوبية، دون أن يكون هؤلاء المستشارون مؤهلين فعلا لشغل هذه الوظيفة. وفى ظل عدم وجود معايير واضحة أيضاً لشغل وظيفة المستشار فى وزارة أو هيئة أو مصلحة أو شركة حكومية ، سادت حالة من التخبط حول أعداد هؤلاء المستشارين، والمهام التى يقومون بها، والمرتبات والمكافآت التى يتقاضونها، فبينما يشير الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، إلى أن عدد هؤلاء يقدر بنحو 750 مستشارًا حكوميًا، يعملون بالجهاز الإدارى والهيئات العامة والجامعات والمحليات، من بينهم 42 مستشارًا بالجامعات، يتبعون 8 جهات حكومية و101 مستشار بالمحليات يتبعون 18 جهة حكومية، فيما يبلغ عدد المستشارين الذين لم يتخطوا سن الستين فى القطاع الحكومى نحو 177 مستشارًا، بينما يذكر الجهاز المركزى للمحاسبات، أن عدد هؤلاء المستشارين يقدر بنحو 7 آلاف مستشار يعملون بمختلف الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز، ويتقاضون نحو 555 مليون جنيه سنوياً ، بالإضافة إلى أعداد أخرى من المستشارين فى جهات غير خاضعة لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات ، ولم يتمكن الجهاز من رصدها مثل الشركات التابعة لهيئة الرقابة المالية، والجمعيات، والمنظمات، التى تتلقى تمويلاً داخلياً أو خارجياً بعيداً عن المال العام.
 
فيما ذكر الدكتور ممتاز السعيد وزير المالية الأسبق فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى، - عند مواجهته بطلب الإحاطة الذى تقدم به أحد أعضاء البرلمان السابق- أن عدد المستشارين فى أجهزة الدولة يبلغ 1490 مستشارًا، ويتقاضَون 72 مليون جنيه شهريًّا، مؤكدا فى الوقت نفسه أن أعداد المستشارين التى ذكرها لا تمثل حصرًا كليًّا لهم ، ولا تشمل جميع المبالغ التى يتقاضونها، وأن هناك جهات كثيرة لم تُحصَرأعداد المستشارين لديها، فيما تذكر تقارير أخرى، أن الجهاز الإدارى للدولة يقدر بنحو450 ألف مستشار، يتقاضون ما يقرب من 20 مليار جنيه سنويًا.
وهكذا ، يبدو أنه لايوجد حصر دقيق، بأعداد المستشارين فى الجهات الحكومية المختلفة، ولا المكافآت التى يتقاضونها، ولا المهام المنوطين بها، وهل يمكن لأى موظف بهذه الوزارة، أو تلك الهيئة أو المصلحة أو الشركة القيام بها، وهل يحتاج العمل إليهم فعلاً؟.. أم أنهم يمثلون عبئا على المال العام؟ .. وفى ظل هذا التضارب، أصدر المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، تعليمات منذ فترة إلى كافة الجهات، والهيئات الحكومية، والوزارات، بحصر عدد المستشارين، ورواتبهم تمهيدا لتخفيض أعدادهم، كخطوة - يراها الخبراء- ضرورية ومهمة، لترشيد الإنفاق الحكومي، حيث يتركز المستشارون فى العديد من الوزارات كالمالية، والتخطيط، والتنمية الإدارية، والصحة، والتعليم، والزراعة، ويتقاضون نحو9 % من حجم الرواتب التى يتقاضاها الجهاز الحكومى بالكامل فى الدولة - وفقا للأرقام المتداولة.
وفى السياق ذاته، أعلنت وزارة المالية أنها بدأت حصر مكافآت المستشارين العاملين بالوزارات، والقطاعات التابعة لها، لمعرفة كافة ما يتقاضاه المستشارون من المال العام، تمهيداً لإتمام التسوية السنوية وفقاً للحد الأقصى للأجور، بحيث لا تزيد قيمة ما يتقاضاه المستشار سنوياً على 504 آلاف جنيه، بواقع 42 ألف جنيه شهرياً.
هيكلة الجهاز الإداري
وبشكل عام - كما يقول الدكتور على السلمى نائب رئيس الوزراء ووزير التنمية الإدارية الأسبق- ، فإن تعيينات المستشارين فى دواوين الحكومة ظاهرة موجودة ولا أحد يستطيع إنكارها، وقد تصدينا لها ، وطلبنا من الدكتور حازم الببلاوي، حينما كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير المالية، قوائم بأسماء هؤلاء المستشارين، لاتخاذ قرار بمدى أحقيتهم فى تلك الوظيفة، والمكافآت التى يحصلون عليها، وهنا يجب أن يسأل رئيس الوزراء عن أعداد هؤلاء المستشارين، والمهام الموكلة إليهم، ومدى إمكانية تقليص هذه الأعداد الكبيرة من المستشارين، ومدى ضرورة وجودهم فى هذه المناصب، وكذلك يجب مراجعة المؤهلات والخبرات التى يتمتعون بها، خاصة أن غالبية المستشارين يكررون أعمالاً أو يقومون بمهام يقوم بها موظفون آخرون أو وكلاء وزارة ، مما يجعل من وظيفة المستشار بابا للمجاملة، ومما يكلف الدولة مبالغ طائلة.
وعلى ذلك، فإنه لابد من اهتمام الدولة بإعداد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وتشكيل لجنة تنسيقية تكون مهمتها تجفيف منابع الفساد فى كل موقع من مواقع الدولة، فالفساد أكبر من احتوائه بقانون، أو تعديل لقانون، أو زيادة المرتبات، كما أن الرقابة تأتى فى معظم الأحيان بعد وقوع الحدث، ولذلك لابد من منظومة شاملة تقوم على إعادة هيكلة الجهاز الإدارى للدولة، لمواجهة المحسوبية، والفساد الإداري، كذلك لابد من وجود جهاز تخطيط تكون مهمته وضع خطط وبرامج للتنمية فى مختلف المجالات، على أن يتم إسناد مهمة تنفيذ هذه البرامج والخطط إلى الهيئات، مع وجود جهات رقابية تتابع حسن الأداء، وعدم الانحراف عن البرامج والخطط المرسومة، ويتذكر الدكتور على السلمى تجربة إدارة الفنادق المملوكة للدولة، حيث تم إسناد إدارتها إلى شركات عالمية ووفقا لعقود ذات بنود محددة، ويجرى مراجعة تنفيذ تلك العقود، وهنا نؤكد على مافعله كلينتون الرئيس الأمريكى الأسبق، ونائبه آل جور، حين حملا على عاتقهما برامج للنهوض بالجهاز الإدارى للدولة، من خلال ما يسمى بـ إعادة اختراع الحكومة، بحيث تعنى الحكومة بالتخطيط الاستراتيجى والرقابة والمتابعة،بينما تترك مهمة تقديم الخدمات الحكومية بدءاً من الجمارك وحتى السجون إلى منظمات وهيئات مستقلة، ونجحت، وطالما أن الحكومة فى مصر تتمسك بتقديم الخدمات للمواطنين ، فإن الفساد سيظل موجوداً، بل سيتوحش، ويتوسع لينتقل من فساد حكومى إلى فساد مجتمعي، ولذلك لابد أن تتخلى الحكومة عن تقديم الخدمات، وأن تتفرغ هى لرسم البرامج والخطط والسياسات، ومراقبة الآداء، ومحاسبة المقصرين بكل شدة.
أرقام غير دقيقة
فى حين، يعتقد الدكتور سمير عبد الوهاب أستاذ الإدارة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الأرقام المتداولة حول عدد المستشارين لدى الجهات الحكومية غير دقيقة ، حيث لايوجد حصر رسمى بأعدادهم، ولا المهام التى يقومون بها، مشيراً إلى أن بعض هؤلاء المستشارين يتمتعون بالخبرة فى مجالات عملهم، بينما يتم تعيين البعض الآخر فى منصب المستشار من باب المجاملات والعلاقات الشخصية، إذ يتم التحايل عند خروج البعض من كبار الموظفين على المعاش- ومن ثم يتم تسكينهم على وظيفة مستشار، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هو: هل هؤلاء ممن يتم تعيينهم كمستشارين فى دواوين الحكومة المختلفة يتمتعون بالخبرة و الكفاءة؟.. هل هؤلاء ممن يقع عليهم الاختيار كمستشارين يتمتعون عن غيرهم- ممن يدركهم سن المعاش- بخبرات وكفاءات معينة؟.. أم أن هناك من يستحقون نفس الوظيفة ومع ذلك لا يحصلون عليها، بسبب الوساطة والمحسوبية؟.. وعلى ذلك، لابد من تقنين تعيينات المستشارين بحيث تخضع لشروط وقواعد ولوائح محددة، ليقع الاختيار حسب حاجة العمل، وحسب قواعد نزيهة وشفافة، ووفق معايير تقوم على الكفاءة والخبرة ليس العلاقات الشخصية والمجاملات.
والحال هذه، - كما يقول الدكتور سمير عبد الوهاب- لابد من حصر دقيق لأعداد المستشارين، والمهام المسندة إليهم، والمرتبات التى يتقاضونها، وأن يحاط رئيس الوزراء علما بهم، وأن تتم مراقبة أدائهم، حتى لا تكون تعيينات المستشارين، بابا خلفيا لمجاملة بعض الاشخاص، ممن لا يتمتعون بالصلاحية، والخبرة، والكفاءة لتولى هذ المنصب ، دون أن يحصل على هذا الحق زملاؤهم ممن هم أفضل منهم فى مجال تخصصاتهم، وحتى يتم إقرار القواعد العادلة التى تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص عند تولى المناصب العليا.
العجيب ، كما يقول الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والخبير فى القانون العام، عدم وجود حصر دقيق بأعداد المستشارين فى كل وزارة، ولذلك يجب أن يعلن كل وزير أو رئيس هيئة أو مصلحة ، أو شركة قابضة أو تابعة، عن عدد المستشارين فى الوزارة، أو الجهة التى يترأسها، والمبالغ التى يتقاضونها.
وبالرغم من إعلان الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى فترات سابقة والكلام مازال للدكتور عادل عامر- عن إعداد قاعدة بيانات وافية عن المستشارين، تشمل الرقم القومى، والسن عند التعاقد، والمؤهلات العلمية، وطبيعة العمل القائم به، ونوع وكيفية التعاقد، وتاريخ التعاقد ومدته، ومصادر الصرف، بالإضافة إلى إجمالى ما يتقاضاه المستشار سنويًا، شاملا الأجور والمكافآت والمنح واللجان الداخلية والخارجية ومحاضرات تدريبية وغيرها، إلا أنه لم يصدر حتى الآن، تقرير واضح بعدد هؤلاء المستشارين ، والمكافآت التى يتقاضونها، والمهام الموكلة إليهم، ولم يصدر عنه تفاصيل الشروط والمعايير اللازمة لشغل هذه الوظائف، وهل تنطبق هذه الشروط والمعاييرعلى المستشارين الحاليين فى القطاعات الحكومية المختلفة؟.. مطالباً بأن يكون التعاقد مع المستشارين والخبراء الوطنيين، بناءً على طلب السلطة المختصة لكل جهة، وأن يتم التعاقد مع المستشارين أو الخبراء الوطنيين مَن هم دون سن الستين، يكون لمدة سنة قابلة للتجديد لمدة أخرى لا تزيد على عام، وأن يعد مجلس الوزراء قاعدة بيانات عن الاستشاريين والخبراء الوطنيين، ومن فى حكمهم ،وحظر التعاقد مع المستشارين والخبراء، ومن فى حكمهم ممن تجاوزوا الستين عامًا.
والحقيقة، ان مصر- كما يقول الدكتور عادل عامر الخبير فى القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تضم أكبر عدد من المستشارين وهم يعملون فى كل الوزارات وكل الهيئات والمؤسسات العامة، وعادة فإن المستشارين يكونون، هم رؤساء أو كبار موظفى هذه الهيئات والوزارات ويتم اختيارهم بعد بلوغهم سن المعاش القانونى ويكون ذلك بمثابة تحايل على القانون ، مشيرا إلى أن إجمالى أعداد المستشارين فى القطاع الحكومي، - وفقًًا للحصر الذى أجراه الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة- نحو 750 مستشارًا حكوميًا، يعملون بالجهاز الإدارى والهيئات العامة والجامعات والمحليات، وقدرت النفقات السنوية التى تتحملها الدولة بشأنهم 52.7 مليون جنيه تتحمل موازنة الدولة منها نحو 42 مليون جنيه خاصة بـنحو 528 مستشارًا، إضافة إلى 11 مستشارًا غير محددى التكلفة، وتتحمل الصناديق الخاصة تكلفة 121 مستشارًا تقدر بـنحو 44 مليون جنيه سنويًا، إلى جانب 24 مستشارًا غير محددى التكلفة.. أما عن الأعداد التفصيلية للمستشارين ومصادر تمويلها ، فقد وصل عدد المستشارين بـنحو 72 جهة بالجهاز الإدارى إلى 607 مستشارين، تصل إجمالى تكلفتهم الشهرية إلى 4 ملايين جنيه، أى نحو 48 مليون جنيه سنوياً ، تساهم فيها موازنة الدولة بـنحو 40 مليون جنيه، بينما يقدر التمويل اللازم لسداد نفقات هؤلاء المستشارين من الصناديق والحسابات الخاصة لنحو 2 مليون جنيه، فى حين تشير تقارير أخرى إلى ان عددا من المستشارين الذين يعملون فى كافة الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية يبلغ حوالى (450 ألف مستشار)، يتقاضون أجورا ومكافآت وحوافز تبلغ نحو( 16.2 مليار جنيه سنويا) ، مما يعد إهدارا للمال العام.
مطلوب معايير شفافة
والسؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا يتم تعيين هذه الأعداد الكبيرة كمستشارين ؟
- الإجابة الجاهزة لدى مختلف الوزارات والجهات والهيئات الحكومية- كما يقول الدكتور عادل عامر- ، أنهم ذوو خبرة، وهذه الخبرة غير متوافرة فى الصفوف الثانية والثالثة، وهذا أدعى إلى ان يتم عدم الاستعانة بهؤلاء المستشارين لأنهم طوال تاريخهم الوظيفى لم يعملوا على إعداد كوادر فى الصف الثانى والثالث، وذلك حتى يظلوا فى أماكنهم .. وهذا الخطأ الاكبر، ناهيك عن أن هذه السياسة، وهى سياسة المجاملات فى تعيين المستشاريين كنوع من التكريم أو نوع من المجاملة خطأ فادح، لا يتم ارتكابه فى الـ (192 دولة) فى العالم، سوى فى مصر والصومال، علما بأن الصومال دولة بلا حكومة منذ 15 عاما، ومن ثم، لابد وأن يصدر قانون صارم، يتم تطبيقه على الجميع، وهو خروج كل من يبلغ سن (الـ 60 عاما) على المعاش، ولا يتم التجديد له ، ولا يتم تعيينه مستشارا تحت أى ظرف من الظروف، بزعم أنه من ذوى الخبرة أو أى من هذه المسميات،إلا إذا صدرت معايير شفافة وصارمة وواضحة ، وتطبق على الجميع، وفى أضيق الحدود، مطالباً بضرورة هيكلة الجهاز الإدارى للدولة وفقا لمعايير علمية، والاستغناء عن المستشارين غير المؤهلين- ، والذين يتقاضون مبالغ خيالية، وتطبيق الحد الأقصى للأجور عليهم.



المصدر الاهرام


تعليقات

المشاركات الشائعة