فلسطين .. ٥٠ عاما من العدوان والحقوق الضائعة


المصدر الاهرام . العزيز الطيب الطاهر
لم يكن بوسع حكومة بينيامين نيتانياهو الأشد تطرفا في تاريخ الكيان الإسرائيلي أن تعقد جلستها الأسبوعية في منطقة حائط البراق بالقدس المحتلة، في سابقة هي الأولي من نوعها منذ احتلالها عام ١٩٦٧، وهو الاحتلال الذي سيمضي عليه غدا خمسون عاما بالتمام والكمال، دون الإتكاء علي الدعم والإسناد المحدود الذي حظيت به من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته لإسرائيل قبل ذلك بأيام، مما يؤشر الي أن هذه الحكومة ستمضي قدما في مشروعها الاستيطاني الاستعماري.
والدليل علي ذلك أن ترامب –والكلام للدكتور مصطفي البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية - لم يذكر في كل خطاباته الأخيرة أمام العرب , والإسرائيليين والفلسطينيين , وحتي الأوروبيين , خلال جولته الخارجية الأولي ثلاثة اشياء , فهو لم يذكر الاحتلال , ولم يذكر الاستيطان الذي يقر الجميع بأنه العقبة الرئيسية أمام السلام , بل والأداة الرئيسية لمنع حدوثه ,ورغم أن وتيرة الاستيطان إرتفعت بنسبة ٣٧% منذ انتخابه ,ولم يذكر حقوق الفلسطينيين , سواء في تقرير المصير أو الإستقلال أو إقامة دولتهم المستقلة , ولم يشر بكلمة الي ما يسمي “ بحل الدولتين”. في حين أغدق ترامب في المقابل علي الإسرائيليين من وقته ومواقفه ,بالإشارة الي الارتباط التاريخي بين القدس واليهود , والذي اعتبره أبديا . والأهم من كل ذلك ما يتسرب من المشاريع والمقترحات التي يقدمها بعض المبعوثين , والتي تحمل في طياتها المخاطر التالية:

أولا: قلب المبادرة العربية رأسا علي عقب، بحيث يتحول مبدأ تلبية الحقوق الفلسطينية كشرط للسلام،الي تطبيع بين العرب واسرائيل وقبل تلبية حقوق الفلسطينيين .

ثانيا: تجديد المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدون وقف الإستيطان.

ثالثا: إيجاد إطار إقليمي للتفاوض بدل الإطار الدولي المعتمد.

رابعا: تبني الرؤية الإسرائيلية بتقديم بعض التسهيلات الاقتصادية الهزيلة، كبديل للحل السياسي الذي يضمن انهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ،كوسيلة لتخدير الفلسطينيين.

خامسا: العودة الي أسلوب تجزئة وفصل قضايا الحل النهائي وادارة مفاوضات متوازية بدل متكاملة بهدف انتزاع تنازلات فلسطينية في كل ملف علي حدة، ثم السعي لتاجيل الحلول لمعظم القضايا والاكتفاء مره أخري بحلول جزئية.

سادسا: محاولة استبدال الدولة المستقلة بكانتونات ومعازل، بحجة عدم واقعية “ حل الدولتين” ،بحيث تبقي هذه المعازل تحت هيمنة وسيطرة اسرائيل عسكريا وإقتصاديا وسياسيا.

سابعا: مواصلة الضغوط علي الجانب الفلسطيني لوضعه دوما في موقف “الدفاع”.

وقد ينظر البعض الي إعلان ترامب ,التخلي عن تعهده الذي أطلقه خلال حملته الإنتخابية ’ بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الي القدس المحتلة يوم الخميس الماضي بحسبانه تطورا إيجابيا , وهو وإن كان كذلك , لايختلف عن سلوك أسلافه من الرؤساء السابقين: بيل كلينتون وجورج بوش الأب والابن وأوباما ,فهم جميعا تخلوا عن هذا التعهد الذي يطلق في العادة لكسب المزيد من أصوات اليهود، وثمة قانون أصدره الكونجرس بهذا الشأن غير أن كل رئيس يأتي الي البيت الأبيض يؤجل تطبيقه وفقا لآلية محددة .

من المفترض بعد العقود الخمسة المريرة التي قضاها الشعب الفلسطيني تحت قبضة احتلال استعماري واستيطاني شديد الشراسة أن تحتشد الجهود الإقليمية والدولية لإقالته من عثرة هذا الاحتلال , بيد أن الواقع يشير إلي أن نيتانياهو يسعي بقوة الي تكريسه علي نحو يدفع نحو المزيد من مشروعات تهويد القدس وهو ما عكسه عقد الجلسة الأسبوعية لحكومته منطقة حائط البراق والذي تزامن مع ما تسميه إسرائيل “يوم القدس” والذي يشير بالمعني السياسي “تحرير مدينة القدس وتوحيدها”، ولم يكتف نتنياهو بالدلالات الرمزية لهذا الاجتماع ولكنه حكومته صادقت فيه علي بناء مصعد كهربائي كي يستخدمه اليهود للوصول من الحي اليهودي إلي حائط البراق، بدلا من الدرج الحالي‪ ‬ كما صادقت أيضا علي حفر نفق بطول ٦٥ مترا بين مخرج المصعد، وحائط البراق، يصل إلي الجدار الغربيّ للمسجد ألأقصي تجاه الغرب، أي نحو الحي اليهودي، وعلي مشروع «سكة الحديد المعلقة» لتغطية مساحة البلدة القديمة والذي سيصل حتي باب المغاربة، بتكلفة ١٥ مليون شيكل، تهدف إلي تسهيل وصول آلاف المستوطنين اليهود إلي حائط البراق، من تحت الأرض بشكل آمن، وسريع، وبعيدا عن الأحياء العربية، وتوثيق علاقتهم بحائط البراق، وفتح الأبواب أمام تسهيل اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصي, وهي العملية التي تجري بشكل يومي تحت حماية قوات الشرطة .
رابط دائم: 

تعليقات

المشاركات الشائعة