دماء على القضبان



المصدر الاهرام

كثيرا ما نسمع أغنية «يا وابور قل لى رايح على فين» كواحدة من ألحان الزمن الجميل، لكن يبدو أنها أصبحت تبعث على الحزن والألم بعدما أضيفت إليها فى زماننا عبارة «يا وابور قل لى وهتقتل مين» نظرا لما أصبح يشكله القطار، من مخاطر يومية على حياة الناس خاصة فى موسم المدارس وفوضى معابر الطرق المسماة المزلقانات فى ظل تهور سائقى التروسكلات والموتوسيكلات والدراجات وحتى راكبى الكارو وهى الفئات الأكثر عرضة للقتل، وإنتشار الأكشاك والكافيتيريات التى تجاور تلك المحطات.وقد خطفت قضبان السكة الحديد فى يومين متتاليين ثلاث أرواح فى محافظة الدقهلية اثنتان منها شقيقان والثالثة طفلة صغيرة.«حنين بكر محمد الشناوي» تلميذة فى الصف الأول الابتدائى بمدرسة محمد عوض التجريبية فى بلقاس عمرها ست سنوات وبضعة شهور فقط، مثل كل زهرات الربيع مقبلة على التعليم والنشاط المدرسي، استيقظت مبكرا لتجمع دفاترها المبعثرة مع ألعابها فى غرفتها، لبست زيها المدرسى ومشطت والدتها شعرها الجميل وزينتها كعروس ستخرج أمام خطابها . وضعت لها المصروف والساندوتش والأقلام فى الحقيبة ولقنتها وصايا كل يوم المعتادة بأن تنتبه على نفسها أثناء السير فى الطريق إلى المدرسة ولا تسير بمفردها خاصة عند تجاوز خط القطار الذى يشق أحياء المدينة بطريقة غريبة دون حواجز أو حماية للمارين الذين عليهم وحدهم أن يتنبهوا إلى حركة القطار.قضت حنين يومها الدراسى بشغف وحماس وكانت فى ذلك اليوم متألقة، صفق لها زملاؤها مرات على إجابتها وتنظيمها وحصلت على علامات وتقديرات كانت تهرول إلى أمها لكى تحكى لها عنها. خرجت حنين من المدرسة وبينما هى تحاول قطع الطريق إلى الوجهة الأخرى من المنطقة ظنت أن القطار بعيد وأثناء عبورها انقض القطار على جسدها النحيل ليمزقها أشلاء متناثرة على قضبانه المجنونة ولتروى بدمها الزكى ملابس المدرسة وحقيبتها وأقلامها ودفاترها وبقعة الأرض التى شهدت الحادثة بما فيها قضبان القطار. تحولت حنين إلى ذكرى وانطفأت ضحكتها البريئة إلى الأبد وغادرت روحها عالما عنوانه الإهمال والتساهل ، وليتمزق قلب والدتها ويبكيها على البعد بحسرة والدها الذى سافر إلى الخارج ليؤمن لها ولشقيقها الأصغر مستقبلا أفضل.وفى اليوم التالى لقى كل من محمد عبد الغفار 60 سنة وشقيقه عبده 55 سنة مصرعهما أيضا تحت عجلات القطار بعد وقوع حادث تصادم بين قطار المنصورة المطرية وتوك توك أثناء عبورهما مزلقان القطار أمام قرية ميت خضير عندما راود الحنين احدهما الذى يقيم فى محافظة بورسعيد رؤية شقيقه الذى يعيش فى مدينه المنصورة واستيقظ فجرا وترك زوجته وابناءه نياما وهرول الى مدينة المنصورة حيث ينتظره ملك الموت وقضى يومه مع شقيقه ثم قرر العودة فى نفس الليلة لاسرته ليتمكن من الذهاب لعمله فى اليوم التالى واصر الشقيق الاكبر على مرافقة شقيقه حتى يطمئن عليه انه استقل الاوتوبيس المتجه الى مدينة بورسعيد وتعلق فى يده وشقا دروب مدينه المنصورة وشريط من ذكريات الطفولة والصبا يمرق امامهما وكل واحد منهما يذكر شقيقه بالمواقف النادرة التى تعرض لها وضحكات بطعم الرحيل تخرج من فمى الشقيقين وكأنهما كانا يدركان انها المحطة الاخيرة فى سنوات عمريهما حتى جاءت اللحظة التى لا لحظة بعدها فقد انشغل الشقيقان فى ذكريات الماضى وهما يعبران مزلقان القطار وتناسيا ان يراقبا الطريق واثناء عبورهما تصادف قدوم القطار المتجه الى مدينه المطرية واطاح بهما على قضبانه وتحول جسداهما الى اشلاء وارتوت الارض بغيث دمائهما ومات الشقيقان فى لحظة واحدة وكأنهما اتفقا فى لقائهما الاخير على الرحيل المفاجئ لتشهد دماؤهما على الاهمال والاستهتار بأرواح الابرياء.هاتان الحادثتان سبقتهما عشرات الحوادث فى الدقهلية منها مصرع مدرس بعد أن سقط أسفل عجلات القطار بمحطة ميت غمر، ومصرع طالب بعد أن صدمه قطار المنصورة المطرية أمام محلة دمنة، ومقتل رجل مسن بعد أن صدمه قطار أثناء عبوره الطريق من أحد مزلقانات مدينة طلخا . وفور علم اللواء مصطفى النمر مدير امن الدقهلية بالحوادث توجه اللواء مجدى القمرى مدير إدارة البحث الجنائى و المقدم أحمد توفيق رئيس مباحث بلقاس والرائد حمدى الطنبولى رئيس مباحث المنزلة الى المزلقانات المنكوبة لرفع اشلاء الضحايا.

تعليقات

المشاركات الشائعة