زوجة السفير البريطانى بالقاهرة فى حوار بعيد عن السياسة: أكثر ما يميز المصريين وطنيتهم وحبهم لبلادهم «آمال وات»: الحياة الثقافية والفنية لم تتوقف أبدا فى مصر وأصبحت سلاحاً ضد الاكتئاب والفشل

آمال وات، زوجة السفير البريطانى بالقاهرة، لبنانية تعمل مترجمة فورية، أم محبة ترفض أن يعيق العمل حياتها الأسرية التى تمتد من القاهرة إلى بيروت وإلى لندن حيث يعيش أبناؤها، تحب «أم على» وتعشق مصر وتراها «أم الدنيا». وطنية المصريين أهم ما يميزهم من وجهة نظرها. ورسالتها «الحرية والاستقلالية».

كيف التقيت مع زوجك؟ وهل يؤثر العمل الدبلوماسى على العلاقات الأسرية؟
- التقينا فى حفل عشاء دعتنى صديقتى إليه فى بيروت عندما كان جيمس سفيرا لبريطانيا فى لبنان، عندها تقابلنا سويا. ولا أتصور أن العمل الدبلوماسى يؤثر على العلاقات الأسرية. وحقيقة الأمر، كنت دائما على صلة بأشخاص يعملون فى هذا المجال، لذا يمكنك القول إننى معتادة على ذلك. ولكن فى بعض الأوقات أتأثر بسبب البعد عن أولادى، ولكنهم بالغون وهذا هو حال الحياة. وأفتقدهم كثيرا خاصة أحفادى، فأنا عندى حفيدتان، وأحاول أن أكون على تواصل معهما طول الوقت، وأسعى للسفر كل ستة أسابيع لزيارتهما، ولكن لدى حياة هنا أيضا ولا أستطيع أن أترك جيمس طويلا.

أنت رئيسة النادى الدولى ما هى المهمات التى تقومين بها وما هدف هذا النادى؟
- أترأس النادى الدولى الأول الذى أسسته هدى ماهر، زوجة وزير الخارجية الأسبق، أحمد ماهر، وبعدها توسع هذا النادى وزاد عدد أعضائه، فأنشئ النادى الثانى والثالث والرابع. ويضم هذا النادى زوجات السفراء، وسيدات من المجتمع المصرى وأجنبيات يعشن فى مصر. هؤلاء السيدات يتعرفن على بعض ويعرفن الأجانب على مصر، ويرتبن زيارات للمناطق الأثرية المختلفة بالبلاد، وننظم رحلة قريبا لمعبدأبوسمبل الشهر المقبل. وهدف النادى هو تعزيز التواصل وتعريف الجميع بمدى تميز مصر، فحتى بعض المصريين لا يعرفونها كما ينبغى فكما يقال «الكنيسة القريبة ما بتشفى». وأنا زرت أماكن فى القاهرة، أهل البلد لا يعرفونها.

كما تتطرق اجتماعات النادى إلى موضوعات اجتماعية وصحية مهمة تشمل قضايا المرأة.

متى جئت إلى مصر؟ 
جئنا منذ تعيين جيمس سفيرا فى القاهرة فى شهر يونيو 2011. ولم تكن هذه المرة الأولى التى آتى فيها إلى هنا، بل عشت فيها لفترة منذ ما يقرب من 12 عاما.

كيف رأيت مصر بعدما جئت فى 2011، هل كان هناك فرق بالنسبة لك؟
- مصر تغيرت كثيرا، خاصة بعد ثورة 25 يناير، ورغم أن هناك تراجعا فى الوضع الاجتماعى، إلا أن البيئة المعمارية كانت الأكثر اختلافا. فى الوقت الذى تنهمك فيه البلاد فى أمور حياتية مصيرية على حساب الأمور اليومية. ولكنى متفائلة بالخير لأن المصريين اختاروا طريقهم وقادرون على إحداث التغيير.

كيف تقضين يومك؟
- أبدأ يومى بممارسة الرياضة فهى مهمة جدا بالنسبة لى وأنا ألعب تنس، وغالبا ما تكون هناك زيارات أقوم بها حيث أترأس لجنة تفحص طلبات جمعيات خيرية فى كل مصر، وهذه اللجنة تابعة للبازار الأوروبى الذى تنظمه كل البعثات الأوروبية فى مصر كل عام وقت الاحتفال بأعياد الميلاد. وكل دولة من هذه الدول تتبرع بما تربحه من هذا المعرض للجمعيات الخيرية مثل دور الأيتام. ونحاول تقديم المساعدة بكل الطرق، وهذا حال جميع السيدات الأخريات فى البعثات الدبلوماسية، إذ ينظمن لهذا الحدث ويعرضن منتجات بلادهن ويكون فرصة للتعريف بعادات وتقاليد كل دولة. كما أقوم أيضا بالاعتناء بالمنزل، وكما ترين المنزل عريق وتاريخى وجميل، ويتطلب الكثير من الاهتمام، خاصة أنه يعد مثل مركز مؤتمرات، ومكان لإقامة الاحتفالات وبالطبع أنا المسؤولة عن إدارتها. هذا بالإضافة إلى الحياة العائلية والأصدقاء.

ما أكثر ما يميز مصر من وجهة نظرك؟ وما أكثر ما تحبينه فيها؟
- أكثر ما يميز مصر هم أهلها بالطبع، والحياة الثقافية والفنية، التى لم تتوقف أبدا. فهناك الكثير والكثير من الأنشطة الثقافية الرائعة، وكأنها باتت السلاح الذى يحارب الاكتئاب، والفشل والإحباط وكل ما هو سلبى. ونشاط المصريين الفنى والثقافى دائما ما كان من الطراز الأول. ونسعى أنا وجيمس لمتابعة كل ما هو جديد، فحضرنا مثلا افتتاح متحف النحات آدم حنين، الشهر الماضى وهو فنان مهم جدا وشخص ممتاز كما زرنا متحف ويصا واصف، وحضرنا عرض أزياء لتدشين جمعية خيرية لمساعدة الأطفال فى الصعيد، وكل هذا كان فى يوم واحد، مما يدل على رواج المشهد الثقافى فى مصر. ولدينا اهتمام خاص فى بيتنا بالمجال الفنى، وننظم حفلات غناء أوبرالى هنا فى المنزل، وندعو أصدقاءنا لتعريفهم بالمواهب المصرية.


ماذا عن أماكنك المفضلة هنا فى القاهرة؟
- أحب التجول فى الزمالك، وأحب الذهاب إلى «الخيامية»، وهى شارع فى القاهرة يكثر به فن صناعة الخيام، وهو فن مصرى قديم يصنع باليد ويتميز بألوانه المختلفة والغريب أن هذا النوع من الفن أصله «الترقيع». وعندما أقمنا حفل عيد الميلاد لسيدات النادى الأول فى هذا المنزل، ووزعنا هدايا مصنوعة فى الخيامية، لأننا عادة ما نوزع هدايا مصرية فى إطار سعينا للترويج لهذه الصناعات والتشجيع على زيارة مثل هذه الأماكن. وكانت سيدة أسترالية هى التى اكتشفت هذا المكان وكتبت عنه كتابا.

وأحيانا نسافر خارج القاهرة، فذهبنا مثلا إلى سيوة، ونذهب إلى شرم الشيخ، والأقصر وأسوان، ونريد أن نذهب إلى واحة «طرفة» فى واحة الداخلة.

وما هى أكلتك المصرية المفضلة؟
- أحب «أم على» جداً.

كيف تقيمين وضع المرأة فى مصر، خاصة بعد الثورة، وفى ضوء تقرير مؤسسة تومسن رويترز الذى وصف البلاد بأنها الأسوأ لوضع المرأة فى العالم العربى؟
- أعتقد الأسوأ هو موضوع ختان الإناث، وأنا أعتبره جريمة ضد الإنسانية ولا أعرف كيف يسمح بهذه الوحشية، لأنها تتعلق بأطفال ليس لديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهن. وعندما شاهدت مسلسل «ذات» لم أستطع متابعته بعد أول حلقة بسبب ما تتعرض له الفتيات. أنا لدى احترام كبير للغاية للنساء فى مصر، وأعتقد أنهن أقوى من الرجال، فهن يعملن ويحافظن على منازلهن، لذا تعرضهن لهذه المشكلة، لن يؤثر فقط عليهن وإنما على المجتمع كله. ومن هنا، تأتى أهمية التربية، وتوعية الأم.

أما عن وضع المرأة بوجه عام، فهو مترد وكانت محاولة من بعض الفئات لتعطيل النساء، لأنهن عندما يجتمعن يصبحن قوة لا يستهان بها.
والنساء فى مصر قويات، فمثلا تجدها على كل المستويات السياسية أو الاقتصادية أو الفنية أو حتى الشؤون الاجتماعية، على عكس الوضع فى لبنان، رغم أنها يقال عنها باريس الشرق، ولكن لا يوجد لدينا هذا التنوع.

هل هناك رسالة معينة تحبين توجيهها للسيدة المصرية؟
- أنا مؤمنة أن المجتمع يشكله نساء ورجال، ولا داعى لوجود التناحر، وكلنا ينبغى أن نكون متساوين، فالمرأة لا ينقصها أى شىء أبدا، لذا أنا لا أحبذ الحديث الذى يفرق ولا يجمع. والمجتمع لا يمكن أن يقوم على جنس واحد. وعلى الرجال والنساء العمل معا واحترام أحدهما الآخر، لتشكيل مجتمع متكافل ومتكافئ.

وأعتقد أن جميع البلدان العربية عليها التركيز على تعليم الصغار، أنا ابنى معلم، اختار أن يكون معلما لأن لديه رسالة يريد توصيلها وقال لى إن الطفل الذى لا يتلقى تعليما خلايا مخه لا تتطور، فضلا على أن المعلمين أنفسهم يعملون فى مجال التدريس ليس لأنهم يحبونه وإنما لأنهم وجدوا أنفسهم يسلكون هذا الطريق، الأمر الذى ينتهى بقمع الطفل، وإعاقة إبداعه. فالطفل مبدع، ويرى أشياء لا يمكن لنا أن نراها لأننا نسيناها نظرا للتعقيدات التى تقابلنا على الطريق، ولكن الحياة هى الأقرب لذلك الذى يراه الطفل. وعندما تقمع القدرة الإبداعية والابتكارية لدى الطفل، ينتهى الإبداع لديه، كأنك سحبته منه للأبد. وهذا ما تفتقر إليه المجتمعات العربية، خاصة دول الربيع العربى.



هل تعتقدين أن البعثات الدبلوماسية لها دور فى نشر التوعية بالتعليم وغيره من القضايا الإنسانية المهمة؟
- البعثات الدبلوماسية بالقاهرة تساهم بشكل أو بآخر فى الحياة الفنية والفكرية والثقافية. فجميعها تسعى لإحضار مثلا فنانين من بلدانهم لعمل حفلات موسيقية أو مسرحيات أو معارض فنية، وهناك مشاريع كبيرة يساهم فيها الاتحاد الأوروبى لترقية المجتمع، وتمكين المرأة، رغم أنى لا أحب هذه الكلمة أبدا، وهذا بالطبع يساعد على التواصل والتعارف والانفتاح فنحن جميعا لدينا أفكار مسبقة عن بعضنا البعض، وهذه الطريقة تساعدنا فى فهم أحدنا للآخر.

كيف يمكن للشعوب العربية أن تحسن من وضعها بعيدا عن السياسة؟
- أنا حقيقة، يأست من السياسة، وأشعر بالحزن عند مطالعة الأخبار، ولكن الوضع فى مصر أفضل بكثير من دول أخرى بالمنطقة، فرغم كل ما مرت به بعد الثورة، إلا أن الوضع لا يزال مستقرا فى مصر، فالحياة طبيعية. ونحاول بشتى الطرق أن نجلب السياح إلى البلاد، ونشجع أصدقاءنا وجميع معارفنا بالقدوم إليها، فيقولون كيف نأتى مع هذا الوضع، فنرد عليهم بأنهم ينبغى أن يأتوا ليروا بأنفسهم كيف أن الحياة طبيعية، والحوادث والأحداث تقع فى كل بلدان العالم. وأنا معجبة بالمصريين الذين حافظوا على الاستقرار ببلادهم، رغم الذى يحدث، فهذا شىء مدهش. وجميع الأماكن السياحية آمنة، ولم يحدث أى شىء منذ بداية الثورة ضد الأجانب، ولا أحد يستهدفهم، لأن المسألة لا تخصهم. والمصريون باتوا الآن واعين ولا أعتقد أنهم سيتركون المعترك دون تحصيل نتيجة. وما يميز المصريين هو أنهم وطنيون من أكبر شخص لأصغر شخص ويحبون بلدهم للغاية. ومصر دولة عريقة وتحتفظ تقريبا بحدودها التاريخية، وهذا لا يمكن أن يقال عن بلدان كثيرة فى المنطقة. وأنتم ينبغى أن تعتزوا بذلك. وعلينا جميعا أن نعمل جديا حتى نخرج من أى مأزق.

ما هى النصيحة الأهم من وجهة نظرك التى يمكن أن تسديها لنا؟
- لا أعتقد أن هناك نصيحة أفضل من الحرية والاستقلالية.



المصدر اليوم السابع

تعليقات

المشاركات الشائعة