سرطان بجسد المجتمع
العشوائيات آفة تهدد امن واستقرار المجتمع نظرا لما لها من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وأمنية ،وأصبحت معالجتها مطلبا ملحاً يتطلب تضافر الجهود للحد منها ،وبالرغم من أن خطط التعامل مع العشوائيات فى معظم المحافظات بدأت منذ أوائل التسعينات إلا أن المشكلة لاتزال تتفاقم.
لذلك لابد من التعامل معها كأمر واقع بعد ان بلغ عدد ساكنيها نحو 20% من سكان مصر وازداد عددها الى ما يقرب من 1200منطقة عشوائية منتشرة فى جميع المحافظات وتأتى فى المقدمة محافظة القاهرة الكبرى باعتبارها أكثر المحافظات التى تنتشر بها العشوائيات حيث تستحوذ على حوالى 59%من سكان العشوائيات ومحافظة القاهرة تضم نحو ثلث سكان العشوائيات فى 81منطقة عشوائية ، وهذه الأحصائيات قد تختلف من دراسة بحثية لأخرى أو تقرير لآخر حسب الجهة المعنية – ولذلك ذكرنا الأرقام بشكل تقريبى- وذلك يرجع الى أننا حتى الآن نختلف على تعريف مسمى العشوائيات فى كل محافظة لاختلاف نمط الكيانات العشوائية وسماتها ،وذلك أدى الى عدم وجود حصر كامل للمناطق العشوائية حتى الآن !! وساهم فى ذلك ايضا الزيادة المطردة للتعديات على الاراضى الزراعية واراضى الدولة فى السنوات الأخيرة مما حول المناطق العشوائية الى خلايا سرطانية منتشرة فى جسد البلد ،لابد من حصارها والتصدى لانتشارها ،وازالة بعضها ،وتحسين وتقنين أوضاع بعضها .
يرى الدكتور حسانين أبو زيد – أستاذ ورئيس قسم التخطيط العمرانى بجامعة الأزهر –أن التعامل مع قضية العشوائيات يجب ان يتم على عدة اصعدة بشكل متواز ،حتى نحقق الأهداف المرجوة وذلك من خلال تنفيذ الخطط الموضوعة بأسلوب منهجى ،ولتكن البداية بحصر وتصنيف لأنواع العشوائيات لأن بعضها قد يحتاج لتدابير فقط لتتغير أوضاعها ،أى إصدار تراخيص مثل عزبة الهجانة ،والتى تضم ابراج وعمارات شاهقة يقطنها عدد كبير من السكان والتعامل مع هذه النوعية من المبانى العشوائية يختلف عن غيرها فهى تحتاج الى تقنين أوضاع وتوصيل مرافق وتسوية طرق وتوفير مصادر أمان حتى تنتقل من سمات العشوائية الى المناطق المنظمة، مما يعنى تحسين مستوى المعيشة،بينماهناك عشوائيات علاجها الإزالة وتوفيربديل مناسب لسكانها فى مناطق أخرى أو الأنتقال بشكل مؤقت ثم بعد إعمار منطقتهم يتم إعادتهم إلى مساكن جديدة فى ذات المنطقة ،لذلك فأن تحديد عدد المناطق العشوائية فى كل محافظة وتصنيفها هى بداية خطوات الإصلاح .
حصر وتصنيف حسب الخطورة
ولكى نمنع المشكلةمن الحدوث والتفاقم كان يجب علينا تفعيل برنامج "تحزيم العشوائيات " الذى تبنته الدولة فى فترة من الفترات،وكان يهدف إلى توفير حزام بجوار المناطق المنظمة على ان يتم إنشاء وحدات سكانية به وتوفيرأراض بأسعار مناسبة لدخول الطبقة التى تسكن العشوائيات ،وبالتالى نضمن انتقالهم الى مناطق مخططة كاملة المرافق وقريبة من محال أقامتهم العشوائية
كما يجب تدعيم صندوق تطوير المناطق العشوائية الذى تأسس فى عام2010 فى أعقاب حادث الدويقة ،ولقد بدأ الصندوق فى أعداد خطة للحد من العشوائيات باختلاف أنواعها والتى تمثل نحو 85%من حجم الأسكان بمصر، وتم العمل بالفعل على برامج تنفيذية لحصر المناطق غير المخططة فى المدن وتصنيفها الى 3 أو4تصنيفات تمثل درجات خطورة كل منطقة أى ان عمل الصندوق اهتم بالمناطق ذات الخطورة.
وأعد خطة تنفيذية لكل منطقة، فبالنسبة لمناطق الدرجة الأولى مثل مخرات السيول والدويقة فإن التعامل معها يتم بنقل السكان إلى مناطق قائمة بالفعل ،أما الدرجة الثانية فتم تحديدها بالاماكن التى يمكن فيها استغلال المنطقة العشوائية بشكل أفضل وتكون خطورتها على المبنى والانسان فقط ،بينما المكان فيمكن إزالة العشش أو مبانيه العشوائية المقامة على أرض الدولة – وضع يد – ونقل سكانها الى مناطق أخرى مثلما حدث فى منطقة الصحابى والذين تم نقلهم الى عمارات الصداقة فى محافظة أسوان ،أويتم صرف تعويضات نقدية للراغبين .
ويقوم الصندوق بتمويل المحافظات بقروض للانفاق على بناء الوحدات الاسكانية البديلة أوصرف التعويضات وفى حالة الدرجة الاولى لايتم استرداد قيمة القرض نظرا لكون المناطق المعنية لايمكن استغلالها، بينما فى الحالات الاخرى يتم منح المحافظات قرضا دوارا لإمكانية استغلال الأرض وتحقيق قيمة مضافة وعائدمن البناء عليها مرة أخرى بشكل منظم ومخطط .
ويضيف الدكتور حسانين أبو زيد – أن مجابهة العشوائيات تتم باتخاذ اجراءات استباقية ولكن هذا لم يحدث , لعدم قيام الدولة بتوفير أراض بأسعار تناسب إمكانيات الطبقة الفقيرة مما يضطرهم للشراء على أطراف المدن وخارج الأحوزة العمرانية والبناء عليهاومن هنا تبدأ العشوائية ، لذلك يجب مراعاة قيم دخول الطبقة الغالبة فى المجتمع وتوفير ما يناسبها من مشروعات سكانية واختيار أماكن قريبة من أماكن رزقهم وتوفير كافة المرافق وتقديم تسهيلات فى السداد واجراءات التراخيص والبناء حتى نتمكن من سداد الطريق أمام تجارة المناطق العشوائية ،لأن توفير مكان دون توفير أو مراعاة فرص العمل يعنى فشلا ذريعا لخطط الاصلاح والعلاج .
ويؤكد – انه بالرغم من كافة الجهود المبذولة من الجهات المعنية إلا أننا حتى الآن ليس لدينا حصر كامل ومصنف للمناطق العشوائية فى كافة المحافظات ،كما لايوجد اتفاق على معنى منطقة عشوائية ..!!
توصيات التصدى
ولقد أعد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار دراسة تحليلية للوضع القائم والأسلوب الأمثل للتعامل مع العشوائيات داخل المحافظات ،ولقد أثبتت الدراسة أنه بالرغم من اختلاف المناطق العشوائية من حيث المكان والمساحة وحجم السكان ومستوى الخدمات إلا انها تشترك فى معاناتها من مشاكل أساسية تتلخص فى صعوبة توفير المرافق والخدمات وانتشار التلوث البيئى وارتفاع الكثافة السكانية وتدنى مستوى الخصائص السكانية، بالاضافة إلى افتقار تلك المناطق الى شبكة طرق متكاملة ،وتوصلت الدراسة الى تحديد العناصر التى من خلالها يمكن منع ظهور عشوائيات جديدة أو الحد منها ،وهى ضرورة تفعيل القوانين والتشريعات الحالية وإصدار تشريعات جديدة واضحة وقوية مع وجود آلية للرقابةعلى تطبيقها لمنع الامتداد العشوائى، إزالة التعديات على الاراضى الزراعية واتخاذ اجراءات مشددة ضد المخالفين ،وقيام الاحياء بإزالة العقارات المخالفة المقامة خارج الحيز العمرانى المعتمد ،استمرار جهود الدولة فى مجال التنمية العمرانية وتكوين تجمعات صغيرة كنواة لتجمعات أكبر، وتنمية الظهير الصحراوى للمحافظات ،وتحديد كردونات المدن وتحديثهالوقف النمو العشوائى على أطراف المدن ،وتعديل الأطر التشريعية الخاصة بالبناء ووضع سياسات جديدة للإسكان الشعبى ،وتفعيل دور القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى علاج مشكلة العشوائيات.
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق