الجحود الرهيب
تناست الفتاة فضل من حملتها بين أحشائها تسعة أشهر وأرضعتها من غيث دمها ودفء صدرها عاملين كاملين وكانت دقات قلبها تتراضعي وهي تداعب صغيرتها وتضمها بين ضلوعها لتستدفيء بأنفاسها الطاهرة وكانت الصغيرة لأمها شريان الحياة ونسائم الامان والضحكة والبسمة حتي كبرت الطفلة واشتد عودها وهانت عليها حياة أمها.
وبيد رثة ،قلب أحمق ومشاعر أقسي من الحجر الصلد أزهقت روحها وقصفت سنوات عمرها وسطرت بأناملها شهادة وفاة أمها ورحلت العجوز ولم يتبق منها سوي ذكري أليمة تشهد علي جحود فتاة طاوعها قلبها وقتلت من وضعت الجنة تحت قدميها.
كأن السماء قد أعلنت الحداد علي رحيل العجوز ولم تشرق شمس النهار سحابه سوداء غشيت منطقة المطرية وفاحت منها رائحة الحزن وانطلقت الصرخات عندما علم الأهالي بنبأ مقتل جارتهم الحاجة ، كما كانوا يطلقون عليها.
وتسابقت خطوات النسوة ليشاركن ابنتها الوحيدة آلام فراق أمها، ولكن مصيبة كبري كانت في انتظارهن عندما وجدن جارتهن غارقة في دمائها وتجلس بجوار جثتها ابنتها الوحيدة تحتسى كوب الشاي وتشاهد التليفزيون وبمجرد ان شاهدت جاراتها وهن يصرخن من هول مارأين انهالت عليهن سبأ لان أصوات عويلهن تحول دون سماع صوت المذيع!!
دقائق معدودة وامتلأ البيت المتواضع بعشرات من الضباط والمجندين وحملوا العجوز القتيلة الي المشرحة ووضعوا القيد الحديدي في يد أبنتها وهي تتوعدهم باجبارهم علي اجراء تحاليل الحامض النووي لهم للتأكد من أنهم يعملون بالمحكمة الجنائية الدولية!!
كأن الحزن كان يتربص بالأم القتيلة منذ سنوات صباها حتي مماتها فقد عبست الاقدار في وجهها واثقلتها بالهموم وهي لم يبلغ عامها الثلاثين ، حيث رحل عنها زوجها في أزهي سنوات عمرها وترك لها طفلتها الوحيدة وأثقل القدر كأهلها بهموم الطفلة فقد تركها زوجها دون مورد رزق ، حيث كان عاملا بأحد المحال التجارية وانقطع راتبه منذ رحيله واحترفت الام أعمال الخياطة للانفاق علي صغيرتها ورفضت الزواج حتي لايسرق منها أي رجل سنوات عمرها وكي تتفرغ لتربية صغيرتها.
مرت السنين والأرملة الشابه تتجرع كؤوس الوحدة والخوف حتي كبرت صغيرتها والتحقت بكلية الآداب وكان قلبها يتراقص بين ضلوعها من شدة الفرحه فقد وصلت«بحبيبه أمها» الي بر الامان ، وكانت تحلم باليوم الذي ترتدي فيه ثوب الزفاف الابيض وتزف الي مسكن الزوجة.
تخرجت الفتاة في كلية الآداب وبعدها أرتدت عباة التكبر والتمرد وكانت البداية أقاربها وجيرانها وبدأت تسخر من المكان الذي تربت فيه وتتطلع للسكن الفارهة والفيلات ووصلت اطماعها وطموحاتها الي اعنان السماء ولم تجد الأم امامها سبيلا سوي الدعاء لها بأن ترزقها الاقدار «بأبن الحلال» الذي يلبي لها كل طلباتها ويحقق أمنياتها.
طوق باب الفتاة الجميلة طابور من شباب المنطقة وأبناء الاقارب الا أن أوصالها لم ترتجف لأحد منهم ولم تتوافر في واحد منهم شروطها وهي الثراء وانتشالها من بؤرة الفقر إلي الغني ومرت السنون وبدأت الوردة المتفتحة في الذبول وسرق الغرور سنوات عموها ولم يطرق بابها حتي «شحاذ» وبدأت حالتها النفسية تسوء وخاصة عندما تزوجت كل بنات عائلتها وصديقاتها وبدأت تحمل لقب «عانس».
فتك الحزن بقلب الأم التي جرعها الدهر المرارة والألم وخشيت ان يطرق ملك الموت بابها وتترك أبنتها الوحيدة بمفردها في الدنيا الواسعة حتي أنههكها المرض وكادت تفقد بصرها من فرط بكائها علي سوء حظ ابنتها حتى استسلمت الأم لقضاء الله إلا أن حال ابنتها ازداد سوء ، حيث كانت تنتباها نوابات صراخ هيستيري، تحبس نفسها داخل غرفتها اياما دون ان تنطق بكلمة واحدة مع أمها وبعد محايلات وإلحاح من الأم العجوز وافقت الفتاة علي عرض نفسها علي طبيب نفسي ،تبين اصابتها بحالة من الاكتئاب، مرت السنوات حتي بلغت الفتاة الثمانية والثلاثين من العمر وحام شبح العنوسة حولها وتيقنت ان قطار الزواج فاتها وازدادت حالتها سوء حتي جاء اليوم المشئوم المكتوب في طيات العمر.
استيقظت الأم كعادتها لاعداد طعام الافطار لابنتها ووضعت علي موقد البوتاجاز«وعاء» مملوء بالزيت المغلي لتحمير البطاطس التي تعشها أبنتها وبينما كانت مشغوله في اعداد الطعام دخلت الفتاة وحملت الزيت المغلي ثم ألقته علي وجه أمها والعجوز تصرخ وتستغيث حتي سقطت علي الارض مغشيا عليها.
هرولت الابنة إلي حجرتها وجلبت مكواه كهربائية وانهالت بها علي رأس أمها حتي هشمتها، تناثرت أجزاؤها وسالت منها الدماء ثم جذبتها من أقدامها وطرحتها علي الارض في صالة الشقة وجلست بجوارها تشاهد التليفزيون.
سمع الجيران أصوات صراخ العجوز وأبنتها وروحها تخرج من جسدها فقاموا بكسر الباب وكان المشهد المأساوي.
تمكن العميد عبد العزيز خضر مفتش مباحث قطاع شرق القاهرة من ضبط المتهمة وأمام بكر أحمد بكر رئيس نيابة شرق القاهرة اعترفت بتفاصيل جريمتها وأمرت النيابة بعرضها علي وحدة الطب الشرعي النفسي للتأكد من سلامة قواها العقلية وحبسها 4 أيام علي ذمة التحقيقات.
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق