فاروق الباز فى مصنع البسكويت !

عزت ابراهيم - المصدر الاهرام


فى لقاء ممتع بقاعة توفيق الحكيم بالأهرام جاء الدكتور فاروق الباز لندوة شارك فيها مجموعة من طلبة كلية الإعلام، فى ثنايا حوارات الباز دروس وعبر وبتلقائية شديدة يتذكر العالم الكبير فى وكالة ناسا شرخ الصبا وأيام القرية والمسافة المدهشة بين الريف والمدينة. فى واحدة من حكاياته روى لنا مفارقة لا يستوعبها سوى من عاش فى بيئة متجددة فى عالم أكثر تقدما وهى مفارقة لا يراها ربما من اعتاد الأمر هنا ولكنها بالنسبة لمن غادر وعاد بعد سنوات تمثل شيئا دالا وكاشفا. يقول الباز إنه اعتاد شراء البسكويت من منفذ تابع لمصنع كبير مملوك للقطاع العام قبل أن يغادر مصر إلى الولايات المتحدة وكان المصنع ينتج أنواعا بعينها وهى منتجات أصبحت من تحمل شهرة خاصة بين أوساط الأسر المصرية ثم حدث أن عاد مرة بعد ن حو ٢٠ عاما ليجد المنفذ يبيع المنتجات نفسها وبطريقة التغليف القديمة ذاتها ولما سألهم عن الجديد من البسكويت أجابه مسئولو المنفذ «لا يوجد»! 

-------- 

يروى الباز تلك القصة البسيطة ليدلل بها على حالة الجمود التى أصابتنا لسنوات وجعلتنا لا نفكر فى تطوير أساليب العمل أو طريقة استمتاعنا بما تصنعه أيادينا حتى تحول الأمر الى روتين معتاد. عرج الباز فى حواره مع المجموعة الشابة التى حضرت اللقاء على تنمية روح الابتكار وبث دماء جديدة فى المؤسسات وقال إن متوسط الأعمار التى عملت تحت رئاسته فى مشروع هبوط المركبة «أبولو» على سطح القمر كان 24 عاما وهو متوسط حديث السن بالمقارنة بتعقيدات المشروع. ونبه العالم الكبير الشباب إلى ضرورة أن يغيروا من طريقة تعاطيهم مع الشأن العام والانخراط دون انتظار الدولة فى أعمال تطوعية مثلما يفعل الشباب فى الخارج وقال إن المسافة بين الشباب المتعلم وعامة المصريين كبيرة بسبب عدم وجودهم وسط الجماهير العادية فى أنشطة المجتمع وتلك الأعمال التطوعية هى البوابة الرئيسية لتفريخ جيل يقود مصر إلى المستقبل ويتحمس عامة الناس له بحكم الاحتكاك المباشر وليس بنقد الأوضاع عن بعد عبر وسائل التواصل الإجتماعي. ويقول الباز إن ظهور سياسيين شباب يملكون حلم التغيير لن يتحقق دون المبادرات الشخصية على المستوى المحلى داعيا الدولة إلى منح الحرية الكاملة للجيل الجديد حتى يوسع من مشاركته فى العمل العام. 

--------- 

بالتزامن مع كلمات فاروق الباز، جاءت دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى جموع الشباب من أجل خوض انتخابات المحليات القادمة . 

هى دعوة فى موعدها ولكنها تحتاج إلى عدد من الخطوات والإجراءات حتى تقتنع كتلة معتبرة من الشباب ليس فقط بالتصويت فى الإنتخابات بل بالترشح أيضا. وأولى تلك الخطوات هو عملية بناء الثقة عن طريق فتح المجال العام أمام المرشحين بتكافؤ بعيدا عن جمود «مصنع البسكويت» الذى نعيش فى دواليبه حتى الأن. نوايا فتح الطريق أمام الأجيال الشابة مخلصة ومطلوبة فى تلك المرحلة الدقيقة إلا أن نوايا الرئاسة تحتاج إلى صدق العمل من المؤسسات المسئولة عن الإرتقاء بمشاركة الشباب من خلال بنيان جديد يعيد الإعتبار للحياة الحزبية ويتيح منافسة «عادلة» تبتعد عن العصبيات والتوازنات التى أهدرت قيمة وأهمية المحليات على مدى عقود طويلة ودفعت بها إلى مربع الإهمال والفساد والتعامل معها على أنها «تحصيل حاصل» . 

--------- 

لا أكون مبالغا لو قلت أن انتخابات المحليات المقبلة يمكن أن تكون «عربون الثقة» مع جموع الشباب من الأسكندرية إلى أسوان ولو كنت مكان صانع القرار لمنحت الشباب إستثناءا واضحا حتى يخوضوا المحليات بأعداد كبيرة وحتى نخرج بمجالس شابة تعيد رسم العلاقة بين الجيل الجديد والسلطة السياسية وحينها تصبح المجالس منابر لتجديد دماء النخبة السياسية التى لا تقنع بممارساتها قطاعات وفئات ليست بالقليلة فى المجتمع.. الطريق إلى المستقبل يبدأ من «عربون الثقة» مع الشباب وهو يحتاج إلى خيال أخر بعيداً عن الحسابات الضيقة! 

تعليقات

المشاركات الشائعة